الجميلات هنّ المعيلات
Flickr

الجميلات هُنّ المعيلات

“على الآغلب صادفتهنّ في طريقك، سواء في عربة السيدات أو على رصيف المحطة. يحملن الكثير والكثير من البضائع المختلفة، من مناديل مبللة وأدوات مكياج، ودبابيس شعر، وزينة …”

تعرّف المرأة المعيلة بأنها تلك التي تتولى رعاية شؤونها وشئون أسرتها مادياً بمفردها. وإن كانت الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المجلس القومي للمرأة تصرّح أن نسبة النساء المعيلات قد وصلت إلى 25% من مجموع السكان، فإن الأرقام الصادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية تؤكد أن نسبة النساء المعيلات بلغت 35%، يذكر أن أغلبهنّ لا يعملن في قطاع حكومي أو غير مدرجات في سجلات التضامن الاجتماعي.

وإن كنت من ركاب “مترو الأنفاق”، فأنت على الأغلب قابلتهنّ في طريقك، سواء في عربة السيدات أو على رصيف المحطة. يحملن الكثير والكثير من البضائع المختلفة، من مناديل مبللة وأدوات مكياج، ودبابيس شعر، وزينة وأكسيسورات حريمي، إلى أدوات منزلية ولعب أطفال وملابس.

إن كنت تعمل في مؤسسة حكومية، فإنك لا شك قد صادفت عدداً منهنّ أمام المؤسسة، يفترشن الأرصفة ويبعن للرائح والعائد كل ما يُمكن أن يخطر على البال.. يصلن مبكراً قبل الجميع.منهنّ من تفترش الأسواق وتبيع الخضروات والأسماك، ومن تجلس في ركن مخصوص، لتعرض على الجميع تنظيف وتقطيع الخضروات وتجهيزها من أجل الطهي. وهناك من يعرض عليك تنظيف منزلك أو غسل الأطباق بصورة دورية لقاء بعض الجنيهات الثابتة.

نتحدث عن هذه الفئة من النساء المعيلات اللواتي لم يلجأن للشئون الاجتماعية من أجل تدوين أسمائهنّ في الكشوف، وخرجن ليبحثن عن أي عمل محترم يُقيمن به أود الأبناء ويُدر دخلاً ثابتاً، يُساعد في مصروف البيت، ولم يمضين الوقت في الجري وراء تدوين الأسماء: أو طلب بحث حالة للحصول على راتب شهري لا يتجاوز 200 جنيه ولا يُصرف إلا بتوفر شروط تعسفية.

امرأة بمائة راجل
(أشجان-32 سنة)، تقف في محل بقالة يحمل اسمها على لافتة خشبية في إحدى القرى التابعة لمحافظة الدقهلية. أحياناً تجد أباها يقف بدلًا منها، وكلما سأله أحد عن سلعة مُعينة ومتى سيجيئ، يرد بـ “اسأل أشجان”. الكل يعرف أن “أشجان” هيّ الكل في الكل. أسألُ “أشجان” عن قصتها، فتضحك وتقول: “أنا حاصلة على ليسانس آداب/علم نفس.

أعمل منذ كنت في الإعدادية لأُساعد أسرتي، فأبي ليس له صبر على الشغل، ولا يُحب أن يأُخذ أوامر من أحد.  كنت أقف منذ صغري في هذه البقالة لأساعد صاحبها، وحين قرر أن يتركها، عرض عليّ صاحِب المحل أن أستأجره وأقف فيه بنفسي، وفعلت. من عملي هذا، فتحت البيت وربّيت ثلاثة إخوة شباب، حتى وصلوا للتعليم الجامعي وجهزت نفسي. كنتُ وما زلت العائل الوحيد للأسرة”.

يقول (عم فتحي) من أهل القرية عنها، “”أشجان” بمائة راجل، فتحت البيت وربّت إخوتها وأباها على وش الدنيا، أجّلت دراستها مراراً من أجل الوقوف في المحل لرعاية أُسرتها، لكنها لم تترك الجامعة، تعرف أن الشهادة في يدها سلاح. رفضَت فرص كثيرة للزواج، ولم تتزوج إلا مؤخرًا، بعدما اطمأنت على إخوتها.

أفهمت زوجها من أول يوم أن هذه البقالة ستظل مصدر دخل الأسرة ولن تتوقف عن فتح بيت أبيها”.

أما (فاطمة خير -28 سنة- مُعلِّمة) فقصتها مختلفة عن “أشجان”، فاطمة اضطرت العمل مُجبرةً للإنفاق على ابنتها الوحيدة بعد انفصالها عن زوجها الذي يعمل خارج مصر، ولا يعرف أي شيء عن ابنته. تقول “فاطمة”، “أنا من مدينة “طنطا” انفصلت بعد سنة زواج، وبسبب عدم وجود دخل أصرف منه على نفسي أو ابنتي، خرجت للبحث عن عمل. المُرتّبات في طنطا لا تزيد عن 500 جنيه شهرياً.

لذلك اضطررت للانتقال بمفردي للقاهرة وأعود أسبوعياً لزيارة ابنتي الصغيرة – 6 سنوات- التي تركتها في بيت أمي. أُعاني كثيراً لابتعادي عن ابنتي. بدأت أُلاحظ تأثرها بغيابي، لكن لو جلست في البيت، من أين سنأكل ونشرب؟ أنا عائلها الوحيد وأهلي ساعدوني كثيراً جداً، وما يُمكن أن تُقدّمه الحكومة لا يُسمِن ولا يُغني من جوع..”.


أمّني نفسك
وعلى الرغم من محاولات المجلس القومي للمرأة لدعم النساء المعيلات وتدشين برنامج دعم المرأة المعيلة، وبحث وزارة الشئون الاجتماعية لرفع قيمة المعاش الشهري للمرأة المعيلة من 210 جنيه لـ 300 جنيه شهرياً، إلا أن العدد الرسمي المُسجّل للنساء المعيلات في أوراق الحكومة أقل بكثير من العدد الحقيقي، وذلك بسبب الشروط التي تشترطها الحكومة في المرأة المعيلة. كما أن بعض المتطلبات التي وضعها المجلس القومي للمرأة التي يفرض أن تتوفر في المرأة المعيلة المُتقدّمة لمشروع صغير في بعض القرى (قادرة على القراءة والكتابة أو مُسجّلة بحصص محو الأمية – لديها خبرة مهنية للعمل في المشروع – القدرة على العمل في المشروع) لا تنطبق على الكثير من النساء اللواتي وجدن أنفسهنّ فجأة معيلات.

تقول مروة  أحمد المسؤولة عن الأم المعيلة بجمعية “حياة” الخيرية ببورسعيد: “إن ما تقدمه الحكومة للمرأة المعيلة يكاد يكون نقطة في بحر ولا يُرى.

عدد النساء المعيلات كبير جداً، كما أن مُعظم الدعم يذهب للأرامل دون غيرهنّ من النساء المعيلات، ومعظم الجمعيات الخيرية تُقدّم دعمها للنساء المعيلات في هيئة كراتين طعام مرتين في العام، أو تنظيم قوافل طبية للكشف الصحي المجاني، أو تنظيم معارض للملابس المستعملة قبل الأعياد وفي المناسبات، ودفع بعض الإيجارات المتأخرة، وفي الواقع تعتمد هذه الجمعيات على التبرعات المالية، والتي شهدت انخفاضاً في السنوات الأربع الفائتة نتيجة لسوء الحالة الاقتصادية العامة.

تؤكد مروة أحمد على أهمية مشروع المرأة المعيلة التابع للمجلس القومي للمرأة، والذي يدعم المشروعات الصغيرة لو تم تطبيقه بصورة واسعة في كل المحافظات. فمعظم السيدات لا يرغبن في إعانة شهرية، بل يُفضّلن الحصول على الأموال مقابل عمل يقمن بتأديته.

ولأن واقع التحوّل لامرأة معيلة قد تتعرض له أي امرأة بين ليلة وضحاها، فيجب، عزيزتي المرأة غير العاملة، أن تؤمّني نفسك من خلال إجادة مهارة ما: تطريز ملابس، خياطة، إجادة طهي، صنع أكسسورات، رسم لوحات… الذي يمكن أن يساعدك كي تجدي مصدر دخل يؤمّن لكِ ولأسرتك فرصةً أفضل.

المدونة تعبّر عن رأي كاتبتها وليس بالضرورة عن رأي موقع “الحب ثقافة”

 
هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات