
كيف تؤثر تطبيقات المواعدة على فهمنا للعلاقات؟
في عالم اليوم يوجد تطبيق ذكي لكل شيء تقريبًا، تقدّم تلك التطبيقات حلولًا لما نواجهه من مشكلات وبدائل سريعة لما نفعله ببطء، فنحن نعيش في عصر الذكاء الفائق والتقنيات عالية الكفاءة سريعة الإنجاز.
وفي هذا العصر تُعتبر حتى علاقاتنا العاطفية ورغباتنا وآمالنا في الحب من “المشكلات” التي لا تبخل التطبيقات الذكية في مساعدتنا للتعامل معها بكفاءة أكبر، ومن يبحث عن تطبيقات المواعدة الإلكترونية اليوم سيجد أمامه مئات البدائل والاختيارات.
لكن هل هذه المساعدة مجانية؟ ولا أقصد هنا الثمن المالي، بل المقابل الذي نقدمه من أنفسنا للاستمتاع بمزايا تطبيقات المواعدة الإلكترونية.
ما يحاول هذا المقال التفكير فيه بشيء من الإيجاز هو ذلك المقابل، ما نتنازل عنه من إمكانياتنا ومهاراتنا الاجتماعية، من حكايتنا وتجربتنا الشخصية، ومن تصوراتنا الخاصة عن العلاقات والحب والرغبة، وتوقعاتنا عن الآخر، التي يطرأ عليها التغيير أثناء تفاعلنا مع هذه التطبيقات.
الحل الذكي – غياب المخاطرة.
في عام 2008 طرح الفيلسوف الفرنسي آلان باديو واحدًا من أوائل التساؤلات حول ما تمثله تطبيقات المواعدة وآثارها، في محاورة شهيرة نشرت في كتاب: في مدح الحب، الذي ترجم إلى العربية في 2014. ما علّق عليه باديو حينها كان تطبيقًا يجمع بعض البيانات الشخصية لكل طرف، وبتحليل هذه البيانات يستطيع تقرير توافق هذا الطرف مع شريك/ة محتمل/ة ويرشحه/ا له/ا. عبّر “باديو” عن تخوّفه مما سماه غياب المخاطرة عن الحب، بسبب الاعتماد على اختيار آمن يقرره التطبيق، وهو ما اعتبره نزعًا لأي شاعرية أو مغامرة من خلال “اتفاقات مسبقة تتفادى العشوائية والصدفة”، في إطار حالة حديثة من تراجع فكرة الحب يصفها بأنها تهدف إلى تجنب كل اختبار مباشر للذات، وكل خبرة عميقة أو أصيلة لمعرفة الآخر.

اليوم يبدو هذا التاريخ بعيدًا جدًا، بعد 15 عامًا من التطور المتسارع للتطبيقات الذكية وانتشار الهواتف الذكية بين كل الناس، لم يكن تندر (Tinder) قد ظهر ولا مئات التطبيقات الموجودة الآن، ولم نكن مررنا بجائحة كورونا التي فرضت علينا حجرًا طويلًا أغلق أمامنا كل المساحات العامة تقريبًا، وأدى إلى تزايد اعتمادنا على تطبيقات المواعدة بحكم أنها كانت البديل الوحيد أمام الكثيرين للبحث عن بعض الثمار العاطفية في أيام الوباء الجافة.
والآن في عالم ما بعد كورونا، بدأ الكثيرون في التساؤل حول ما تركته علاقتنا بالعالم الافتراضي من أثر على مشاعرنا وأفكارنا، ومن بين ما نتساءل عنه هو تطبيقات المواعدة الإلكترونية، وكيف أثرت على تصوراتنا وسلوكنا في العلاقات.
البروفايل – الترويج للذات – الاستعراض
على عكس التطبيق الذي علق عليه باديو، فإن أغلب تطبيقات المواعدة تطلب من مستخدميها اختيار مجموعة من الصور لهم/ن وكتابة بعض المعلومات في سيرة شخصية قصيرة، ثم يصبح للمستخدم/ة بروفايل يظهر لغيره من المتابعين/ات أثناء تصفحهم، تمامًا كما يظهرون له ليختار من بينهم البروفايل الذي أثار إعجابه، ثم يبدأ العرض.

أحد التحديات التي يثيرها هذا الشكل من تطبيقات المواعدة، هو اختزال شخصياتنا إلى مجرد نموذج عرض استهلاكي، يركز فيه كل مستخدم/ة على عرض بعض الصور المثيرة للإعجاب، مع كتابة سطور محددة نقصد بها أيضًا لفت الانتباه، أكثر من التعبير عن ذواتنا الحقيقية بكل تعقيدها.
بالطبع يمكن القول إن كل تعبير عن أنفسنا في إطار اجتماعي وأمام آخرين، يشتمل على درجة من الأداء، وخصوصًا لو كنا نرغب في إثارة إعجاب شريك محتمل، فنحاول أن نُظهر ما يميزنا أمامه/ا، ولا تختلف تطبيقات المواعدة من حيث المبدأ عن هذا، لكن يختلف تأثير الوسيط هنا بدرجة كبيرة بسبب كونه وسيطًا افتراضيًا، وله أدوات محدودة نعبر من خلالها عن أنفسنا.
هل يعني هذا أننا لا نكون تلقائيين أبدًا؟ لا أعتقد ذلك، فالتلقائية تنعكس في تصرفاتنا في حالة ارتياحنا، وبسبب اعتيادنا على التواجد في أوساط معينة نتملّك فيها مهارات التعبير والتواصل، لكن كثرة المحددات والشروط والأطر والاعتبارات والفلاتر التي تفرضها تطبيقات المواعدة لا تتيح إلا بصيصًا صغيرًا من هذه التلقائية.
أدوات الواقع الاجتماعي – شروط العالم الافتراضي.
لكي نلتقي حبيبًا أو شريكًا عاطفيًا في أرض الواقع، كان ذلك يحدث في الأغلب وسط دوائر معينة من حياتنا الاجتماعية، في المراحل التعليمية المختلفة نقابل شريكات وشركاء قصصنا الأولى، في العمل قد نتعرف على من يثير فضولنا، في النادي أو في نشاط ثقافي اشتركنا فيه، أو حتى في السوق.

في كل تلك السياقات، كانت ذواتنا أوسع من الدائرة التي نظهر بداخلها، ففي تلك المساحات كنا ننتمي إلى شبكات اجتماعية، يبدأ منها تعريفنا عن أنفسنا للآخر، ولكنه لا يقف عندها، بل يتوسع هذا التعريف من خلال انخراطنا في فعل شيء نهتم أو نلتزم به، خلافًا لما يحدث على تطبيقات المواعدة؛ فعليها، أو على الإنترنت عموما، الدائرة أوسع من أي شخص، لا توجد نقطة بداية محددة تعرّف منها نفسك، بل يجب أن تجمع الدوائر التي تمثلك في نقطة واحدة، أن تقوم بتلخيص نفسك، وحكي حكايتك، ولكن في إطار محدود ومشروط بقدرتك على استغلال الأدوات الخاصة بالتطبيق، وإدراكك لوضعك في الحياة وحقيقة احتياجاتك، أو ما تظن أنك تدركه عن نفسك واحتياجاتك.
هذا الاختلاف الأساسي يجعلني أفهم كم كانت لقاءاتنا في الحياة اليومية أكثر ثراءً وتعبيرًا عن حقيقة شخصياتنا من لقاءاتنا الافتراضية، وبالرغم أن الأولى قد تبدو أكثر محدودية لكونها تحصل في سياقات ضيقة، على عكس السياق الواسع الآخر: الإنترنت، إلا أن تفاعلاتنا المختلفة فيها تُظهرنا بصور متنوعة وتلقائية، صور واقعية تعكس حقائق جوهرية عنا في أبسط تصرفاتنا، غير تلك الصور التي ننتقيها بقصد الاستعراض، وفي واقع حي لا يقتصر هدفنا فيه على لفت انتباه شريك/ة.
في عالمنا الواقعي أيضًا نلجأ إلى أدوات وطرق لفت للانتباه، نختار ملابسنا بعناية، ونرسم ابتساماتنا، ونتحدث بنبرة الصوت اللائقة، هنا نملك عدة أدوات، حلول، أوجه، نبث في كلٍّ منها معلومة عنا، بينما على تطبيقات المواعدة لا توجد غير أدوات محددة سلفًا، تقتصر غالبًا على الصور الجذابة والبيو (Bio) الملفتة، ونحن ونصيبنا في قدرتنا على الاستفادة بفرصة فتح المحادثة مع الماتش (Match) أو من توافقنا معه عبر التطبيق، فرصة واحدة غالبًا، تُحرم فيها كلماتنا من أي رسائل أخرى قد تحملها ابتسامتنا أو طاقة حضورنا الجسدي، أو التفاصيل البسيطة التي تشهد على من نكون.
بالطبع أتاحت تطبيقات المواعدة فرصًا أرحب للكثيرين، وسمحت للبعض بلقاء شركاء لم يكن ليلتقيهم/ن في دوائره الاجتماعية في الواقع، لكنها أثناء ذلك جعلت من فرص اختزالنا وقولبتنا أكثر أيضًا، إذ لا تعطي المنافسة على اللايك وقتًا لتقول أو تسمع شيئا جوهريًا عن نفسك أو عن الآخر، فبالتأكيد لن يكتب أحدهم/ن في البيو الخاصة به عن حنانه/ا مع إخوته الأصغر، ولن تستطيعي أن تعرفي من الصور المعروض أن الشاب الذي أعجبك يتعامل بلطف مع حارس الأمن، أو يحظى بعلاقة طيبة مع جيرانه.
التصفّح بلا قصد – الاختيار بلا نهاية.
إلى جانب تأثرنا بطبيعة تطبيقات المواعدة كوسيط نعرض من خلاله أنفسنا، فعلاقتنا بهواتفنا المحمولة وبفكرة التصفّح على تطبيقات مختلفة، جعلت الوقت الذي نقضيه على تطبيقات المواعدة وقتًا غير مخطط، نفتح التطبيقات بلا هدف ونعرف بعض المستجدات ونقوم ببعض النقر، ثم نستمر في التصفح، رغبتنا نفسها في إيجاد شريك/ة أو حبيب/ة لا تحصل هنا على قدر مناسب من الاهتمام أو التركيز. هذه الحالة من اللا قصدية تتسرب بدون وعي إلى طريقة تصرفنا ثم تفكيرنا، نصبح أقل صبرًا، أقل تقبلًا للاختلاف، وأقل فهمًا لتعقيد الأشخاص، هنا نحن أقل استعدادًا للمخاطرة أيضًا، ليس بسبب اختيار آمن يقوم به تطبيق ذكي كما في الحالة التي انتقدها “باديو”، بل بسبب لا نهائية الاختيارات، فبالإضافة إلى أن كل شخص أمامنا يتحول إلى مُلخص مُحدد وبسيط، هناك أيضًا بدائل كثيرة وسريعة تعدنا بلقاء أكثر سهولة أقل إرهاقًا.

ضرورة التعلّم – أهمية البطء.
تطبيقات المواعدة لا تختلف عن أي ظاهرة جديدة، ستصبح مألوفة ومقبولة مع الوقت وتستقر في موضعها من المعتاد، وسنجد حلولًا للتعامل مع تحدياتها المتجددة، مثل ما يقترحه الكثيرون بتجنب الاعتماد المتزايد عليها على حساب المقابلات على أرض الواقع، ومثل ضرورة التعرّف المستمر على أنفسنا وعلى الظروف التي نتحرك بداخلها، وأيضا ربما نحتاج إلى بعض الصبر لاكتشاف الآخرين والتمهّل في الحكم، وقليل من التقبل بأن الحياة أحيانًا لا تعطينا كل شيء، أو ما نتصور أنه كل شيء.
يمكننا أن نتعوّد على ذكر بعض التفاصيل البسيطة التي تخبر من يتصفح بروفايلاتنا بصفة حقيقية فينا نود أن يعرفونها عنا، بعيدًا عن المعلومات التي تغذي هذا التنافس الاستعراضي الذي يظلم تعقيد تجربتنا ويمحو إنسانيتنا.
وقبل كل ذلك علينا أن نفهم أين نقف وماذا نريد من العلاقة، ومن الشريك/ة، كل شيء يشترط هذا لنجاحه وصحيته، ولكن الآن، وفي عالم متسارع يخضع للتحديث كل ثوانٍ، نحتاج إلى هذا الفهم والوعي بالذات أكثر من أي وقت مضى.
في بدايات القرن العشرين نشر الشاعر الإيطالي “فليبو تومازو مارينيتي” بيانًا في افتتاحية صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية بعنوان مانيفستو المستقبلية، كان البيان ترحيبًا بالمستقبل والتقنيات الحديثة الواعدة في كل المجالات بما فيها التواصل، كان احتفاءً بالسرعة وبالإنجاز وبقدرة الإنسان على السيطرة المطلقة على عالمه.
بعد مئة عام تقريبًا، في 2009، وبعد أن بدأنا نشعر بأننا يجب أن نتأنى قليلًا لنفهم التغيرات التي تحدث حولنا وفينا، ونحافظ على ما هو إنساني وجميل في حياتنا، في الفن وفي الحب، نشر “فرانكو بيراردي (بيفو)” مانيفستو ما بعد المستقبلية، وعلى العكس من المانيفستو القديم، كان يحتفل فيه بالبطء والحب والبساطةـ وفي أحد فقراته كتب هذه الجملة التي أعتقد أنها تنقل ببلاغة ما يشعر به الكثيرون اليوم، وما حاولت التفكير فيه هنا، في علاقتهم بتطبيقات المواعدة وعالم الإنترنت الصاخب:
“نحن نريد أن نعطي الأهمية للحنان والنعاس والنشوة وتدبير الاحتياجات ومتعة الحواس… نريد أن نغنّي للحبيبين اللذين يتداعبان حتى يتعارفا على نحو أفضل، وحتى يعرفا العالم على نحو أفضل.”
أولا النفسانيين علماء الاجتماع و المهندسين (الذين لا يهتمون سوى بالبيانات ولا يبالون بأي جانب اخلاقي أو قانوني) كلهم خرجوا، بعد بضع سنين من تواجد تطبيقات المواعدة،باستنتاجات وحقائق منذرة بأخطار إجتماعية و بيانات توضح خطر وفشل العلاقات المبينة على هاته التطبيقات : التحايل ، الدعارة ، الاغتصاب ، السرقة والاجرام ،البديوفيليا ، وفشل اغلب العلاقات المبينة على هاته التطبيقات في الثبات على المدى البعيد …. الحاصل أن عملاقة هاته التطبيقات تصرف مئات الاف من الدولارات لنشر علم زائف وصناعة سوق متقبل لتطبيقات المواعدة و برمجة الأدمغة على كونها عادية غير مضرة اجتماعيا وعلى أنها الموضة والتحضر ، وتستخدم بعض المتخصصين المتعطشين فقط للمال والنجوم والمدونين الذين لا يهمهم سوى ارباحهم للترويج لها ونشر العلم الزائف المتعلق بها وتزوير واخفاء الحقائق التي تولدها
بل تستخدم حيلا ماكرة لابقاء الناس فيها من قبيل استخدام الذكاء الصناعي لانتاج بروفايلات وهمية متلائمة معطيات بعض الاشخاص تتواصل معهم لجعلهم يبقون في التطبيق لاكبر قدر ممكن ، خصوصا الرجال المتوسطون شكلا وماديا والذين غالبا لا تهمتم لهم الناس اللواتي يستعملن هاته الطبيقيات، فتسطيع هاته الخواريزميات ان تحدد بعضا من الاشخاص الذين يتحرقون للحضي بالاهتمام والتواصل مع اي شخص وتتواصل معهم بروفايلات اصطناعية وقد يصل الامر الى خداعهم ماليا .
وعلى الجانب الاجتماعي ، فاطمئن يا صديقي ، لن يصدم تطبيقات المواعدة ابدا كباقي الطبيقيات ، اولا بفضل الجانب الاخلاقي والديني الدي يرفع من قيمة العلاقات الغرامية ويجعلها مقدسة في اعين الناس ، ومؤخرا بظهور متخصصين نفسانيين وعلماء اجتماع متمكنون من الوسائل التقنية والتكنولجية فصارو يفضحون الجوانب المخفية لهذا الامر .
المستثمرون غير مهتمين بها لانه :
في كسر للحواجز الاخلاقية للعلاقات الانسانية و في جوانب مظلمة كبيرة لتطبيقات المواعدة لا يريد اي مستثمركبير، من حيتان المال، ان يكون طرفا فيها. أي صحفي إستقصائي مالي يمكن ان يجد تقارير الخبايا المظلمة.
السوق المستهدف مليئ ومتشبع بالتطبيقات الاجتماعية العادية التي توفر كل شي وبشكل محايد
هي كذلك تستخدم المدربين والمتخصصين و المؤسسات المعنية بالثقافة الجنسية للترويج لها بشكل غير مباشر مقابل ضخ المال بشكل غير مباشر
ماليا هاته التطبيقيات فاشلة ستموت، هي حاليا تكابد ولا تحقق الارباح الموازية لمصروفاتها ومصروفات البروباغاندا التي تحاول إحداثها لترويد السوق، سوق لن يترود ابدا لانها تحاول ان تصميم وبرمجة جانب هام وحيوي في حياة البشر بشكل ميكافيلي يحقق لها الارباح
أهمية التمهل لضرورة التعلم، مقال ممتع 💜
شكراً لك على متابعتنا، أسعدنا تعليقك