كيف تؤثر الجائحة على رغبتنا الجنسية؟
مثلما تغير كل شيء من حولنا بسبب جائحة الكورونا، تغيرت مشاعرنا الجنسية أيضاً، بعضنا قد يشعر بإفراط في الرغبة الجنسية، وبعضنا يشعر بنقص في هذه الرغبة، ما الأسباب؟ وكيف نتعامل مع الأمر؟
مع تفشي وباء كورونا والتزامنا بالتباعد الاجتماعي الذي يحرمنا من التواصل المباشر مع أزواجنا أو شركائنا، ويعيق آخرين عن المواعدة ولقاء شركاء جنسيين جدد، تتأثر الرغبة الجنسية سواء بالإفراط أو بالفتور.
دعابات مضحكة، وشكاوى ساخرة، ورسوم كارتونية طالعتنا في الفترة الماضية، لأشخاص يمرون بتزايد في الرغبة الجنسية حالياً، بينما يقول آخرون إنهم لا يرغبون في أي تواصل حميمي مع أزواجهم أو شركائهم، فما تأثير فيروس كورونا على رغبتنا الجنسية بالضبط؟
كيف تتأثر المتعة بنشرة الأخبار؟
في مقالٍ بمجلة علم النفس الأمريكية (سيكولوجي توداي)، تقول ديانا جليم، اختصاصية العلاقات الزوجية، إن الرغبة الجنسية تنشط عند تعرض الشخص إلى القلق بنسبة متوازنة؛ أي لا يكون قلقه أكثر من اللازم، أو أقل من اللازم.
في الظروف الحالية، نتابع أخبار فيروس كورونا وانتشاره، وفي نفس الوقت نواصل حياتنا ونتأقلم على الوضع الجديد، وهكذا فقد نتأرجح ما بين الشعور بالقلق البالغ، أو الهدوء لأن الأمور “تحت السيطرة”، وبحسب مشاعرنا تزداد الرغبة الجنسية أو تنخفض.
قد يرجع الشعور بالإفراط في الرغبة الجنسية في زمن كورونا إلى عدة عوامل، مثل تغير الروتين اليومي، أو قلة ضغط العمل من المنزل، أو عدم التعرض لجهد التنقل بالمواصلات، أو النوم بشكل جيد ولفترات طويلة، أو قضاء الوقت مع العائلة أو الشريك، وحتى ممارسة بعض الأنشطة الفنية والإبداعية. كل هذه عوامل قد تعزز الطاقة الجنسية في زمن الجائحة.
اقرأ أيضًا: الحب في زمن الكورونا.. كيف تستغل الجائحة لتحسين حياتك العاطفية؟
على الناحية الأخرى، يختبر البعض انخفاضاً في رغبتهم الجنسية، وقد يكون السبب هو الخوف من العدوى، وخوفهم على أنفسهم وأحبائهم، أو التساؤل عن مستقبلهم، أو عدم قدرتهم على التكيف مع تغير نمط الحياة المفاجئ، ومواصلة العمل والدراسة والتواصل بشكل مختلف، بل وشعور البعض بالتهديد من فقدان وظائفهم.
قد تتغير الرغبة الجنسية من يومٍ لآخر، فقد تشهد/ين فتوراً فيها يوماً، وفي اليوم التالي تشتعل بشكلٍ ملحوظ. وسواء كنت متزوجاً/متزوجة، أو لك شريك/ة حميمي/ة، أو تقيم علاقات جنسية مختلفة من وقتٍ لآخر، فبالتأكيد تشهد حياتك الجنسية تغيراً كبيراً في الفترة الحالية.
الجنس في زمن الحظر.. تجارب واقعية
يقول أحمد*، 30 عاماً: “أمر بخلافات كبيرة مع صاحبتي بعد خمس سنوات من علاقتنا، وقد ظهرت هذه الخلافات بعد جائحة فيروس كورونا، وإغلاق المطارات، ما أعاق لقاءنا المعتاد كل شهر لأننا نقيم في بلدين مختلفين. اكتشفنا فجأة أن الشيء الوحيد الذي كنا نتفق عليه هو الجنس، ومع توقفه وصلنا إلى طريق مسدود، والأمور في طريقها إلى النهاية”.
على عكس الفتور الذي يمر به أحمد، لم تشعر مريم، 29 عاماً، بفارق كبير، تقول: “حياتي مع شريكي الآن هي نفسها قبل الجائحة، نمط المعيشة واحد، بالتالي كل أنشطتنا اليومية والحميمية، ورغبتنا الجنسية لم تتغير على الإطلاق، لأننا قضينا فترةً طويلةً معاً ولم يعد هناك ما نكتشفه أو يصدمنا. التحدي الحقيقي كان في السنة الأولى من انتقالنا للعيش في بيتٍ واحد”.
مشكلة أخرى تواجهها مروة، 27 عاماً في فترة العزل الصحي. تقول: “اعتدت لقاء حبيبي كل فترةٍ، ومع بدء انتشار الفيروس والتزامنا بالعزل الصحي، أصبح مستحيلاً أن نجد مكاناً للقاء، ولا نغادر بيوتنا أصلاً، ولم نتبادل ولو قبلة منذ أسابيع. رغبتنا الجنسية مشتعلة ولكن ليس بأيدينا ما نفعله، ولا نحب المكالمات الجنسية، لهذا نتبادل الصور المثيرة، ونضحك بشدة على الوضع الحالي، ونأخذ الموضوع بشكل كوميدي”.
اقرأ أيضًا: هل الخصوصية مستحيلة في ظل العزل المنزلي؟
وعن أزمات المتزوجين تحكي سارة، 30 عاماً: “أقيم مع زوجي بشكل جزئي لعدة أيام كل أسبوع بسبب ظروف العمل، وقد تسبب الحظر في زيادة رغبتنا الجنسية فعلاً، لكن معدل ممارستنا انخفض بشكلٍ ملحوظ، لأن قلقنا من انتقال العدوى يقلل شعورنا بالانسجام ويشعرنا بالتوتر”.
لا يختلف الوضع كثيرًا بالنسبة لآلاء، 30 عاماً، رغم اختلاف حالتها الاجتماعية: “أنا سينجل (وحيدة)، لكنني أواعد أشخاصاً مختلفين من وقتٍ لآخر، وإذا سارت الأمور على ما يرام يمكن أن ننتقل لخطوة حميمية”.
ولكن الوضع تغير: “عندما بدأ انتشار المرض توقفت عن المواعدة، وتوقفت عن الخروج من بيتي إلا للضرورة القصوى، ولا أريد لقاء أي شخص حتى أقاربي، وبالتأكيد لن أخاطر بمقابلة غريب وإقامة علاقة معه، وأتأرجح ما بين شدة رغبتي الجنسية أحياناً، واختفائها أغلب الوقت، لكنني لن أفعل شيئاً حيالها”.
لنبحث عن حميمية أخرى
تعلق الدكتورة حسناء الدباوي، الطبيبة النفسية بمستشفى العباسية للصحة النفسية: “أثر الحجر المنزلي على رغباتنا الجنسية بشكلٍ كبير، ليس محلياً فقط بل هي ظاهرة عالمية. وأحياناً تزداد الرغبة الجنسية وتنخفض في نفس اليوم عند نفس الشخص. فيروس كورونا يهدد حياة الناس، لهذا يتجه البعض إلى الجنس بحثاً عن مشاعر الأمان. الخوف من الموت والشعور بالوحدة يعززان الرغبة في الحميمية فنسعى نحو التواصل البشري بشكل أكبر”.
يمكن للممارسة الجنسية المنتظمة أن تطفئ الرغبة الجنسية المرتفعة خلال فترة الحظر، إذا كان الزوجان/الشريكان مقيمين معاً وفي أمان من تلقي العدوى، ولكن الجنس ليس كل شيء.
تضيف الدكتورة الدباوي: “يجب أن نستوعب أن الجنس ليس مرادفاً للحميمية، ولا يغني عن التقارب والتواصل. سؤال شريكك عن يومه وما أنجزه في العمل، وعن مشاعره، ومشاركته نشاطاً لطيفاً كقراءة كتاب أو مشاهدة فيلم، كلها أشياء تزيد ترابطكما وجودة العلاقة”.
وعن أزمات بعض الأزواج والشركاء في فترة الحجر الصحي تقول د. الدباوي: “بعض الأزواج/الشركاء يكتشفون مشكلات في علاقاتهم حالياً، بسبب عدم تركيزهم على بناء علاقة صحية منذ البداية، ونقص التواصل والتفاهم بينهم، وقضاء كثير من الوقت متباعدين واللقاء لساعات معدودة في نهاية اليوم، أو كل فترة، بالتالي تغيب فرصة فهم شخصية الآخر واحتياجاته، وتظهر المشاكل سريعاً حين يتوقف الجنس، لأنه كان نقطة الاتفاق الوحيدة”.
انخفاض الرغبة الجنسية مشكلة أخرى قد يواجهها بعض الأزواج والشركاء في زمن الحظر، وقد تقلق البعض لظنهم أنها تعني ضعف العلاقة، لكنها على العكس، فرصة مناسبة للتواصل بالكلمات، والاستمتاع بالتفاهم والتعاطف المتبادل بين الشريكين، وتقوية العلاقة بطرقٍ أخرى غير الجنس. تقول الدكتورة الدباوي: “انخفاض الرغبة الجنسية لن يستمر للأبد، وطالما لا يؤثر على حياتك استمر بفعل الأشياء التي تقلل توترك وتعينك على تجاوز هذه الفترة”.
تواصل الدباوي بأن التلامس مع الشريك من أهم طرق زيادة الحميمية في زمن الكورونا، حتى لو تعذرت الممارسة الجنسية لأي سبب. فجلسة تدليك للرقبة أو الظهر، أو العناق أو الرقص أو تشابك الأيدي، كلها لمسات غير جنسية تخفف التوتر وتعيد إلينا التوازن النفسي في هذه الفترة.
التركيز على التواصل العاطفي أصبح ضرورة في زمن الكورونا، خصوصًا للأزواج/الشركاء غير المقيمين معاً، الذين لا يمكنهم ممارسة الجنس.
تقول د. حسناء: “يمكن للأزواج المتباعدين تجربة أشكال أخرى للتواصل بخلاف التواصل الجسدي، مثل المكالمات والرسائل الجنسية، والمواعيد الغرامية بالفيديو Vedio Date. سيجعلهم هذا يكتشفون جوانب أخرى للشريك/ة، ويطورون ذكاءهم وخيالهم في إنعاش العملية الجنسية، كما يمكنهم تبادل الصور المثيرة، أو حتى طلب وجبة من نفس المطعم وتناولها معاً أمام فيلم يتفقان عليه”.
اقرأ أيضًا: لا تجعل/ي العزل يفسد حياتك العاطفية.. نصائح للحفاظ على العلاقة رغم المسافات
فوائد العادة السرية
بخصوص العُزاب الذين توقفوا عن المواعدة، ففي الفترة الحالية يصبح لقاء الغرباء خطراً، لأن كل من يعيش خارج منزلك يشكل تهديداً عليك، والشريك الجديد قد ينقل لك العدوى. ربما تكون هذه فرصة لممارسة الإمتاع الذاتي (العادة السرية)، ما يقلل الشعور بالتوتر، ويمنحك فرصة اكتشاف جسدك وما يثيرك، الأمر الذي يجعلك أكثر استمتاعاً بالجنس مع شريكٍ مستقبلاً.
تعلق الدكتور حسناء الدباوي: “من الممكن مقابلة أشخاص جدد إذا كان الطرفان ملتزمان بالحظر المنزلي، ويتجنبان لقاء الغرباء تماماً، ويستخدمان وسيلة مواصلات خاصة آمنة، لكن إذا لم تثق تماماً في تحقق هذه الخطوات الوقائية، فمن الأفضل أن تعتمد على الممارسة الجنسية الفردية (العادة السرية). يساعد الإمتاع الذاتي على النوم بشكل أفضل، وتقوية جهاز المناعة، وهو بديل جيد للعلاقة الكاملة للعزاب في هذه الفترة”.
الإمتاع الذاتي قد يكون ممارسة لطيفة في هذه الظروف، حتى مع الأزواج والشركاء. تضيف الدكتورة حسناء الدباوي: “إذا كنت تعيش مع شريك/ة وتشعر بانخفاض في الرغبة الجنسية، فمن الضروري أن توضح له أنك لا ترغب/ين في الجنس، لكنك تتفهم احتياجاته/ا، وشجعه/ا على الإمتاع الذاتي (الاستمناء)، إلى أن تتزامن رغبتكما في إقامة علاقة جنسية تستمتعان بها معاً”.
وإلى جانب الإمتاع الذاتي ، يمكن العمل على تطوير روتين يومي منتظم، لممارسة الرياضة أو هواية جديدة تهدئ الأعصاب، مثل تمارين اليوجا أو الرسم، فهذا من شأنه تقليل الشعور بالقلق والتوتر، الذي يؤثر على الرغبة الجنسية من الأساس.
كيف نتخطى اضطرابات الرغبة الجنسية في زمن كورونا؟
سواء كنت تمارس الجنس بانتظامٍ في علاقة عاطفية، أو زيجة مستقرة، أو تقابل شركاء جدداً من وقتٍ لآخر، فهناك بعض النصائح لتخطي هذه الفترة.
العلاقات الطويلة
إذا كنتما مقيمين معاً باستمرار، وملتزمين بالعزل المنزلي، فأنتما في أمان من التقاط العدوى، وعندها يصبح التواصل الجسدي آمناً، وقد تصبح الفترة الحالية هي الأجمل في حياتكما، فالممارسة الجنسية آلية طبيعية تطفئ التوتر.
من ناحية أخرى، يمكن للبقاء مع شريكك فترةٍ طويلة أن يزيل سحر الرومانسية بينكما، ويسبب بعض الملل، ما ينعكس في صورة فتور جنسي. لهذا تواصلا نفسياً وعاطفياً بممارسة أنشطة مختلفة معاً، كالرقص والطبخ والرياضة، بجانب التواصل الجسدي.
العلاقات البعيدة
إذا كنت تلتقي الشريك/ة من وقتٍ لآخر، أو تقيمان معاً بشكلٍ جزئي، فخطر نقل العدوى بينكما قائم، وهنا يمكنكما اللجوء إلى طرق بديلة لممارسة الحميمية، مثل تبادل الصور والرسائل المثيرة، مع توخي الحذر بإخفاء الوجه، والتقاط الصور في مكانٍ ليس به علامة مميزة لبيتك، لتفادي المشكلات.
العلاقات العابرة (الكاجوال)
علاقات الصداقة مع منافع، وعلاقات الليلة الواحدة تعتبر مخاطرة عظيمةً في هذه الفترة. لهذا: توقف/ي عنها.
يمكن لأي غريب تلتقيه أن ينقل لك العدوى، حتى إذا كان يطبق الحظر الصحي ويخرج للقائك لأول مرة منذ فترة، فقد يلتقط أحدكما العدوى في طريقه للآخر ويمررها إليه.
قد يكون الامتناع عن الجنس لفترةٍ طويلةٍ صعباً لمن اعتاد ممارسته بانتظام، لكن في أسوأ الأحوال يوفر لك الإمتاع الذاتي طريقة آمنة للاستمتاع بالجنس فرديًّا، واستكشاف جسدك وما تحبه، إلى حين.
* جميع الأسماء مستعارة للحفاظ على خصوصية أصحابها
اقرأ المزيد: لماذا يشعر الجميع بإفراط في الاستثارة الجنسية وقت الجائحة؟