التلصص الجنسي.. الإثم والمتعة في اختلاس النظر
ما هو التلصص الجنسي؟ ومتى يتحول من فضول مفهوم وطبيعي إلى اضطراب نفسي، وربما جريمة يعاقب عليها القانون؟
عرف البشر منذ قديم الأزل متعة التلصص، واستراق النظر إلى الآخرين، وإلى تفاصيل حياتهم، لكن مع تطور المجتمعات الإنسانية، وتشعب علاقاتها، أصبحت تلك المتعة مُجرَّمة، مُحرَّمة علينا، لأنها تنتهك شعورنا بالأمان، وتعرضنا للخطر، وربما تدمر حياتنا كلها، حال كشف أسرارنا.
نبذت الثقافات المختلفة فكرة التلصص على الناس، ونهت الأديان عن “التجسس”، و”تتبع العورات”، وأوقعت القوانين المدنية المتحضرة عقوبات قاسية بمن يتعدى الخطوط الحمراء لخصوصية من حوله.
لكن.. البعض لم يتوقف، ولم يقتصر اختلاسه النظرات على تفاصيل حياتية عادية، بل تجاوزه إلى التلصص الجنسي، والنظر إلى ما لا ينبغي النظر إليه.
فما هو التلصص الجنسي؟ ومتى يتحول من فضول مفهوم وطبيعي إلى اضطراب نفسي، وربما جريمة يعاقب عليها القانون؟
التلصص الجنسي.. تاريخ الإثارة البصرية المحرمة
يُعرَّف التلصص الجنسي voyeurism بأنه الشعور بالإثارة الجنسية عند التلصص على الآخرين وهم عراة، أو خلال تعرّيهم، أو استحمامهم، أو ممارستهم للجنس، أو أي نشاط يحمل طبيعة جنسية، كالاستمناء أو ملامستهم لأعضائهم مثلاً، في غفلة منهم، دون علمهم أو موافقتهم.
يعتبر استراق النظر دافعاً طبيعياً في حياتنا كبشر، خصوصاً بين الأطفال والمراهقين الذين يحركهم الفضول نحو أجسادهم وأجساد الآخرين، والرغبة في استكشاف الحياة الجنسية التي لا يفهمونها بعد.
وقد يتزايد هذا الفضول حال غياب التربية الجنسية السليمة التي تمنح الطفل المعلومات المناسبة لسنه بشكلٍ محسوب، فيندفع للتلصص آملاً في ملء فراغ المعلومات.
البالغون أيضاً يحملون ميلاً لاختلاس النظر إلى الآخرين، بدافع الفضول، أو بحث الفروق الفردية بين أجسادنا، لكن ليس كل من يملكون هذا الميل يتحولون إلى متلصصين.
الأغلبية تكتفي بنظرة عابرة، ويقاومون تلك الرغبة بدوافع أخلاقية ودينية مختلفة، أو يستجيبون لها بطرق مقبولة، مثل ممارسة التلصص مع الشريك/ة في إطار لعبة تقمص RolePlay Game، أو بانتقاء فئة معينة من المواد الإباحية تقدم “القصة” من زاوية المتلصص.
وكل ما سبق يختلف عن التلصص الجنسي الفعلي الذي يتضمن التتبع المستمر لأنشطة الآخرين الجنسية، وتكريس وقت وجهد كبيرين للمراقبة، والتلذذ بها، دون علمهم.
يعتبر اختلاس النظر العنصر السحري في الإثارة الجنسية للمتلصص، فهو يشعر بالإثارة لقدرته على سرقة تلك النظرة من الآخرين، ويكون المحفز الأكبر لمتعته هو عدم درايتهم بما يفعل، وغياب موافقتهم على المتعة التي يسرقها بمراقبتهم. أحياناً يستخدم التلصص كعامل مساعد يحفز متعة جنسية أخرى هي إمتاع الذات (العادة السرية).
يختلف المتلصص الجنسي عن المتعقبين، فقد لا يرغب المتلصص بالضرورة في ممارسة الجنس مع الأشخاص الذين يراقبهم، وأحياناً يراقب أشخاصاً عشوائيين.
أمَّا في حالة المتعقبين Stalkers فهم يلاحقون شخصاً بعينه في كل تحركاته، وجميع أنشطة حياته اليومية، بما فيها الأنشطة الحميمية إذا أمكن، تحركهم الرغبة في هذا الشخص وحده.
ويعتبر التلصص الجنسي أكثر شيوعاً بين الرجال مقارنة بالنساء.
هل التلصص الجنسي مرض أو اضطراب؟
يدخل التلصص الجنسي في نطاق البارافيليا، وهي التفضيلات الجنسية غير المألوفة، والشعور بالانجذاب والاستثارة تجاه أشياء أو مواقف أو ممارسات غير معتادة، وربما غير جنسية في الأساس.
تتضمن البارافيليا أنشطة متنوعة تعبر عن اختلاف الذائقة الجنسية لأصحابها، مثل الفيتيشية (الاستثارة بسبب أشياء غير حية، كملابس داخلية معينة، أو الأحذية ذات الكعب العالي)، والسادية والمازوخية (أشكال لممارسة الجنس العنيف)، لكن بعض أنواع البارافيليا تدخل في نطاق الاضطرابات، إذا تعدت كونها “مجرد فكرة” إلى كونها “فعلاً يؤذي للآخرين”.
تعتبر بعض التفضيلات الجنسية غير المألوفة (البارافيلية) شيئاً طبيعياً ولا مشكلة فيه، بل وتوفر طرقاً مختلفة للاستمتاع بالحياة الحميمية لأصحابها، لكنها تدخل في نطاق الاضطرابات إذا أثرت على حياة أصحابها بالشكل الآتي:
- تستمر لمدة 6 أشهر على الأقل.
- تسبب لصاحبها اضطراباً واضحاً، وعجزاً عن ممارسة الحياة بشكل طبيعي، ومشاعر سلبية مؤثرة على حالته النفسية وصورته الذاتية، لانغماسه فيها وعجزه عن مقاومتها.
- تستهلك من وقت وجهد صاحبها ما يعطل أنشطته اليومية.
- يعجز صاحبها عن الاستمتاع الجنسي بدونها، أو تصبح النشاط الأساسي أو الوحيد الذي يمتعه.
- تدفعه لممارستها مع أشخاص ضد رغبتهم، أو أشخاص غير قادرين على الموافقة أو الرفض (مثل الأطفال).
- الشعور بالرغبة الكاسحة في الممارسة، لدرجة قد تعرض صاحبها للخطر (أن يكتشف أمره ويتعرض للعنف البدني مثلاً)، أو الوقوع تحت طائلة القانون (باقتحام حمامات النساء مثلاً).
- الشعور بالذنب، ومشاعر جلد ذات واحتقارها، بعد الممارسة.
لماذا يسترق البعض النظر إلى عُري الآخرين؟
لم يغب التلصص الجنسي عن السينما والأدب، فتناوله الفن بالرصد والبحث والتأمل والدراسة، ففي رواية “السراب” لنجيب محفوظ، والتي تحولت إلى فيلم يحمل الاسم نفسه، كان البطل المرفه، ابن العائلة المحترمة، مولعاً بمراقبة الخادمات عبر خصاص النافذة، وممارسة الاستمناء، حتى أصبحت تلك هي المتعة الجنسية الوحيدة التي يعرفها، ما أثر على زواجه لاحقاً بشكلٍ مدمر.
وفي فيلم “سوق المتعة” من إخراج سمير سيف، نرى البطل يغادر السجن بعد عشرين عاماً، ليبدأ حياةً جديدةً فيها كل أسباب الرفاهية، ويتعرف فيها على امرأة جميلة مثيرة، ومع هذا يبقى عاجزاً عن لمسها، ثم يطلب منها أن تسمح له بالتلصص عليها وهي تتغنج وتتقلب في الفراش، بينما يستمني وهو متوارٍ بعيداً عنها، لأن تلك هي المتعة الجنسية الوحيدة التي يمكنه الحصول عليها.
رسمت تلك الأعمال الفنية صورةً عن بعض المصابين باضطراب التلصص الجنسي، إذ نشأ الأول في كنف أم متحكمة، مبالغة في الحماية، عزلته عن العالم الخارجي، فعجز عن بناء علاقة صحية مع الجنس الآخر، أو أن يحظى بأصدقاء يثقفونه ويشاركونه خبراتهم وتجاربهم، الأمر الذي خرَّب حياته الاجتماعية والعاطفية تماماً، ومع انعزاله واكتفائه بالتلصص وإمتاع الذات، انهارت أيضاً حياته الجنسية والزوجية.
وفي “سوق المتعة” كان اضطراب التلصص انعكاساً آخر لعجز البطل عن التواصل مع العالم، وعجزه عن التواصل مع أبسط متع الحياة بعد سجنٍ مهين ظالم استمر عقدين من عمره، حتى أنه لم يعد قادراً على أن يعيش كرجل حر، ولو في غرفة نومه.
ككثير من الاضطرابات الجنسية، تنبع المشكلة من عامل خارجي أثر على قدرة الشخص على بناء علاقة صحية وسليمة مع الطرف الآخر، قائمة على التراضي والقبول التام.
الآثار النفسية للتلصص الجنسي
التراضي شرط أساسي لأي متعة جنسية بين الأشخاص البالغين العاقلين، وعليه، تكون أشكال البارافيليا المختلفة، مقبولة رغم غرابتها، طالما لم تنتهك هذا التراضي.
يمكن أن يكون التلصص سلوكاً محتملاً، وقابلاً للتوجيه في حالة الأطفال والمراهقين، بتقديم المعلومات الطبية السليمة، التي ترضي فضولهم، وتثبّت فيهم أن خصوصية الجسد أمر لا جدال فيه، ولا يجوز انتهاكه تحت أي ظرف، حتى ولو كان الطرف الآخر غير منتبه لتلصصنا عليه، وحتى لو كانت أفعالنا لن تُكشف أبداً أو نعاقب عليها.
أمَّا في حالتنا كبالغين، فإن التلصص الجنسي يدخل في نطاق الجريمة، ويعاقب عليه القانون إذ يعتبر “انتهاكاً لحرمة الحياة الخاصة”، ويسبب آثاراً نفسية واجتماعية بالغة على الطرف المتضرر.
لا أحد يحب أن يكون موضع مراقبة وتلصص حتى لو في مكانٍ عام، والتعقب ولو بالنظرات غير المريحة يدخل في نطاق جرائم التحرش.
أمَّا في حالة التلصص الجنسي فالأمر يزداد قسوة إذا تشمل الآثار النفسية للضحية الشعور بالانتهاك، والهلع، وانعدام الأمان، بجانب كل المشاعر المتقززة والغاضبة المرافقة للشعور بالتشييئ Objectfication، وأن المتلصص “استعملها” كأداة جنسية تشعره بالمتعة، دون اعتبار لخصوصيتها وكرامتها.
وتمتد الآثار النفسية السلبية لحياة المتلصصين أنفسهم، وتشمل الشعور بتدني احترام الذات، والذنب وتأنيب الضمير، ويبدأ الصراع النفسي ما بين الرغبة القوية في الممارسة، ثم الإحساس بالذنب الشديد بعدها، ما يجعل اللجوء للعلاج المتخصص ضرورة لتجاوز تلك الأزمة.
كيف يُعالَج التلصص؟
كما قلنا، التلصص دافع معروف في سلوكنا الإنساني، والتلصص الجنسي جزء منه، يقاومه البعض، ويتجاهله البعض، ويرضيه البعض بشكلٍ لا ينتهك الآخرين، لكن البعض الآخر قد يتحول إلى متلصص حقيقي، يلاحق الناس بنظراته، وقد تتفاقم حالته لتبلغ حد الاضطراب الذي يؤثر على جودة حياته.
ليس هناك سبب محدد لوجود اضطراب التلصص، ولكن هناك بعض العوامل الشائعة بين من يعانونه، وهي:
- التعرض للإساءة الجنسية، أو العنف الجنسي
- فرط الرغبة الجنسية
- الولع المبالغ فيه بالجنس
- تناول المخدرات
يستطيع الطبيب/ة النفسي/ة وحده/ا تحليل تاريخ كل حالة على حدة، والوقوف على الأسباب التي أدت لتفاقمه، وكأي مشكلة صحية، يساهم التشخيص والعلاج المبكرين في منع تفاقم الاضطراب، إلى الدرجة التي يقدم فيها الشخص على جريمة جنسية.
يشمل العلاج المتابعة النفسية مع طبيب متخصص، والعلاج السلوكي، ومجموعات الدعم، والأدوية النفسية المناسبة التي يحددها الطبيب.
ويعمل العلاج السلوكي على إدراك الشخص لدوافعه، ولماذا هي غير مناسبة اجتماعياً أو مقبولة، وكيف يتحكم فيها ويتغلب على ميله للتطلع إلى الآخرين.
ربما تكون الرغبة في التلصص شيئاً طبيعياً، يمكن لأغلبنا التعايش معه بسلام، طالما آمنا أن للآخرين الحق في الخصوصية والاحترام الذين نقبلهم لأنفسنا، وطالما لم تتحول هذه الرغبة لفعل ومصدر ضيق للآخرين حتى ولو في غفلة منهم.
بهذا الفهم، حتى لو أفلتت منا نظرة غير مقصودة في التعامل اليومي، سنكون قادرين على مقاومة تلك الرغبة الملحة لو أتيحت لنا الفرصة لما هو أكثر لاحقاً، وسنتعلم -بكل بساطة- أن نشيح ببصرنا بعيداً عمَّا لا ينبغي أن يُرى.
مصادر:
https://www.verywellmind.com/what-is-voyeuristic-disorder-5094124
https://www.healthline.com/health/what-is-voyeurism
https://lmarabic.com/making-love/paraphilia
https://www.npr.org/2012/08/29/160256476/peeping-toms-voyeurism-scars-victims-psyches
شاهدت فيلم سوق المتعه منذو 5…
شاهدت فيلم سوق المتعه منذو 5 سنوات لكني لم افهم قصه الفيلم .
مقال جيد ?
مقال جيد ?
جزاك الله صاحب المقال كل…
جزاك الله صاحب المقال كل الخير
شكراً لك على متابعتنا ونتمنى…
شكراً لك على متابعتنا ونتمنى أن ينال ما نقدمه من محتوى إعجابك
It’s very important&usefull
It’s very important&usefull
شكراً لك على متابعتنا ونتمنى…
شكراً لك على متابعتنا ونتمنى أن ينال ما نقدمه من محتوى إعجابك
شكرا معلومات قيمة تفيدني في…
شكرا معلومات قيمة تفيدني في عملي كوني دكتور
شكراً لك على متابعتنا ونتمنى…
شكراً لك على متابعتنا ونتمنى أن ينال ما نقدمه من محتوى إعجابك