كيف أساعد المراهقـ/ة على اتخاذ قرارات؟
يواجه الكثير من الآباء والأمهات صعوبات وتحديات متعددة أثناء مراحل النمو المختلفة للأبناء، وما يصاحبها من مختلف الاحتياجات لكل مرحلة. وقد يأخذ الأبوان اختيارات تربوية ينتج عنها أثر سلبي على النمو النفسي للأبناء.
في أغلب الأحيان، تكون دوافع هذه الاختيارات التربوية هي خوف حقيقي ومشروع لدى الأهل على مستقبل أبنائهم وبناتهم، ورغبة في حماية الأبناء والبنات من الصدمات الخارجية. وفي الغالب، يتشكل هذا الخوف في ظل غياب المعرفة العامة حول احتياجات وخصائص كل مرحلة من مراحل نمو الأبناء والبنات.
من ناحية، تمثل مرحلة المراهقة واحدة من أكثر تحديات التربية شيوعًا لدى الأهل فيما يتعلق بكيفية تعاملهم مع التغيرات الطارئة على أبنائهم وبناتهم في هذه المرحلة. قد تتمثل هذه التغيرات في صورة تقلبات مزاجية عنيفة، وتمرد على الأهل، واندفاعية، وقد ينتج عنها تصادم بين الأهل والمراهق/ة في كثير من المحطات.
ومن ناحية أخرى، تمثل فترة المراهقة تحديًا صعبا للمراهق/ة نفسه/ا، فهي سلسلة من التغيرات التي تحدث بشكل متدرج في النواحي الجسديه والنفسية والعقلية والاجتماعية والتي يحاول المراهق/ة التعامل معها واستيعابها؛ مع الأخذ في الاعتبار محورية مرحلة المراهقة في تكوين شخصية الفرد وقدراته الحياتية فيما بعد.
ففي هذه المرحلة تـ/يسعى المراهق/ة إلى استكشاف ذاته/ا، واتخاذ قراراته/ا الخاصة بنفسه، مما يسبب حيرة للكثير من الآباء والأمهات بسبب عدم ثقتهم في قدرة المراهق/ة على اتخاذ قرارات غير مُضرة ولن تؤثر عليه/ا بشكل سلبي فيما بعد.
لذلك، في هذا المقال، نتيح بعض المعلومات حول التغيرات التي تطرأ على الأبناء والبنات في فترة مراهقتهم/ن، وما يمرون به وما يحتاجونه. ونقترح بعض الطرق التي قد تُمكِّن الآباء والأمهات من التعامل مع هذه الفتره الهامة في حياة أبنائهم بشكل مُتفهم وبنَّاء ومراعي.
كيف يرى المراهق/ة العالم وما يحدث بداخله؟
كان يُنظَر سابقًا لتغيرات فترة المراهقة باعتبارها عدم نضوج فكري، ولكنها، في حقيقة الأمر، بمثابة مرونة في النواحي المعرفية والسلوكية والعصبيه لدى الفرد.
هذه المرونة هي ما يُتيح للمراهق/ة القدرة على الاستكشاف والتجريب والتعلم من الأخطاء، كما تؤهله/ا للتكيف بسرعه وسهوله مع العالم الخارجي والداخلي المتغير، وتساعده/ا على النمو النفسي والمعرفي، أكثر من كونها تُمثل عائقًا أمامه.
فوفقًا لعالم النفس ايريك ايركسون في نظريته عن النمو النفسي الاجتماعي، في هذه المرحلة، يبدأ الفرد رحلة البحث عن الذات، وفي أثناء هذه الرحلة يُشكل الفرد كينونته من خلال محاولاته/ا لإيجاد معنى لوجوده واستكشاف وتكوين أهدافه وتوجهاته في الحياة، وتقييم معتقداته وأهدافه وقيمه.
وفي هذه الرحلة من الاستكشاف يواجه المراهق/ة العديد من الأسئلة مثل من أنا؟ وما الذي أريد أن أعمل به؟ وكيف اتناسب مع المجتمع؟
ما يكتسبه المراهق/ة من نمو لقدراته المعرفية بشكل ملحوظ هو ما يساعده/ا على خوض هذه الرحلة، حيثُ تُفيد إحدى أهم نظريات علم النفس حول التطور المعرفي، لعالم النفس جان بياجيه، بأن المراهق/ة من سن 12 حتى 20 عامًا يمُر برابع مرحلة من مراحل تطوره كفرد وهي مرحلة العمليات المجردة.
تتطور آليات التفكير المجرد على مدار مرحلة المراهقة، وتأخذ هذه الآليات أشكالاً متعددة من ضمنها إدراك المراهق/ة لمفاهيم مثل العدالة والصدق، وربط هذه المفاهيم بمواقف ملموسة على أرض الواقع.
وهو ما يجعل المراهق/ة تـ/يميل إلي التفكير في القضايا الاجتماعية والأخلاقية، وتتطور لديه/ا القدرة على الاستدلال أو الاستنباط (وهي القدرة على تناول جميع الحلول الممكنة المطروحة لمشكلة ما بشكل منظم، والقدرة على القيام باختيار أحد هذه الحلول بشكل منطقي)، الأمر الذي يعد علامة دالة على النمو المعرفي والنضج الفكري لدى المراهق/ة.
وإذا تَمكَّن المراهق/ة من التغلب علي هذه الحيره، فأنه/ا تـ/يخرج بشعور قوي بكينونته/ا وقدرة علي التمسك بأفكاره/ا واختياراته/ا.
وإذا أُحبِطَت هذه المحاولة من الأهل، عن طريق الضغط عليه/ا ليتوافق مع أفكارهم واختياراتهم، يخرج الفرد من مرحلة المراهقة غير مستشعرًا/ةً بكينونته/ا، وفاقدًا/ةً إحساسه/ا بالذات، وفي حالة من الارتباك.
النمو الاجتماعي في مرحلة المراهقة
نظرًا لهذه الطبيعة لمرحلة المراهقة، فإن المراهق/ة تـ/يتعرض لتحدياتٍ متنوعة تستوجب اتخاذ قرارات والقيام باختيارات في جوانب حياته/ا المختلفة، وفي الوقت ذاته تـ/يسعي المراهق/ة إلى القيام بهذه الاختيارات بشكل مستقل عن الأبوين، محاولةً منه/ا لإثبات ذاته/ا.
ومن المهم فهم أن عملية اتخاذ القرار هي واحدة من الوظائف التنفيذية الهامة التي تتأثر بعوامل متعددة من ضمنها العوامل البيئية المحيطة بالمراهق/ة، كما تستلزم عدد من الخبرات والمهارات.
ولذلك، يحتاج المراهق لأن يكون في بيئة يتعرف من خلالها على الخيارات المتاحة أمامه، لتساعده على تمرين قدرته على اتخاذ قرارات بشكل متأني، لتطوير هذه الوظيفة التنفيذية.
اهتمام الفرد بمشاركة خبراته ومشاعره وأفكاره واتجاهاته مع الآخرين أثناء مرحلة المراهقة، بالتوازي مع نمو نزعته إلى الاستقلال الاجتماعي، تُعتبر من أهم سمات مرحلة المراهقة التي تساعد الفرد على تطوير قدرته على اتخاذ القرار. ويساهم ذلك في نمو ذكائه/ا الاجتماعي من خلال اكتساب قدرة أكبر على المجادلة والنقاش.
ومن هنا يمكننا فهم أن مرحلة المراهقة يتخللها نمو اجتماعي، حيثُ يتفاعل المراهق مع بيئته ومحيطه من خلال ملاحظة ما هو متاح لديه من اختيارات في هذه البيئة، واستكشاف نفسه من خلال القيام باختيارات تتوافق مع تطور فهمه/ا لذاته/ا ولبيئته.
أخطاء قد يقع فيها الأبوان مع المراهق/ة
تختلف طرق التعامل التي قد تضع ضغطًا من الوالدين على أبنائهم وبناتهم المراهقين/ات؛ فمنهم من يتعامل مع المراهق/ة كأنه/ا مازال/ت طفل/ة صغير/ة، لا تـ/يدرك شيء عن العالم الخارجي.
والبعض الآخر قد يطالب المراهق/ة بالتعامل كشخص بالغ تمامًا، لا يُقبَل منه/ا الوقوع في الخطأ، ولا يُعطى لرغبته/ا في التجربة والاستكشاف أي مساحة أو اهتمام.
وقد يحاول الأهل، حتى لو بشكل غير مقصود، قمع أفكار ومعتقدات المراهق/ة واستبدالها بأفكارهم واتجاهاتهم، دون إعطاء مساحة للنقاش والقبول والرفض من ناحية المراهق/ة.
كما يقع الكثير من الآباء والأمهات في فخ التفرقة على أساس النوع الاجتماعي، حيثُ يسمحوا بمساحات أوسع من التجربة والاستكشاف للمراهقين، بينما يحدّوا من المساحات المتاحة للمراهقات.
في كل الحالات، فإن تقليل مساحات الحرية وتجاهل احتياجات المراهق/ة العاطفية والنفسية، يؤديان إلى تكوين حاجز بين المراهق/ة والأهل مما يعيق التواصل الإيجابي بينهم.
لذلك نحتاج إلى معرفة كيفية التعامل مع المراهق/ة بشكل إيجابي لنساعده/ا على اتخاذ قراراته/ا بشكل مستقل.
كما ذكرنا أن المراهقة هي فترة تجريب وتدريب لاكتشاف الذات، ولذلك إن ارتكاب الأخطاء والتعلم منها هو مفتاح النمو الحقيقي لبناء المهارات.
وبالتالي من المهم أن يتفهم الأهل احتياجات المراهق/ة العاطفية والنفسية، من خلال إعطائه/ا مساحات من الحرية لاتخاذ القرارات الخاصة به/ا وإشراكه/ا في القرارات الجماعية الخاصة بالأسرة.
لذلك من المهم أن تكون علاقة الأهل والمراهق/ة مبنية على الصداقة والمرافقة والتقبل والمشاركة.
يساعد ذلك على بناء ثقة بين المراهق/ة والأهل مما يعطي له/ا مساحة للجوء إلى الأهل لطلب التوجيه أو المساعدة عند حاجته.
وعند طلب التوجيه أو المساعدة من جانب المراهق من المهم أن يتواجد الأهل دائمًا بشكل غير مشروط، مع الابتعاد عن الانتقاد المتكرر للمراهق/ة واستبداله بمحاولة فهم أفكاره/ا واتجاهاته/ا وعدم تجاهل آرائه ومشاعره أو التقليل منها، ومساعدته/ا في التعلم من أخطائه/ا.
وهنا من المهم أن يكون التشجيع الدائم للمراهق/ة غير مقتصر على اتخاذه/ا للقرارات التي يراها الأهل صحيحة أو مناسبة فقط، بل من المهم أن يكون تشجيعًا على المحاولة والتجربة وعدم الخوف من الفشل أو الخطأ. يساهم ذلك في تعزيز ثقة المراهق/ة بنفسه مما يؤهله/ا لاتخاذ قرارات موزونة تتلائم معه/ا.
يمكن للأهل الخروج من دوائر الثواب والعقاب إلى دوائر المناقشة، من خلال مساعدة أبنائهم وبناتهم في سن المراهقة ومرافقتهم في التفكير في كيفية اتخاذ القرارات وشرح العواقب،كما يلي:
1- مساعدة المراهق/ة في تحديد ماهية المشكلة أو الموقف الذي يتطلب اتخاذ قرار، وفي رؤيته جوانبه المختلفة، وعرض معلومات عن الموضوع إذا تطلب الأمر لذلك.
2- مساعدة المراهق/ة على تقييم الوقت المناسب لاتخاذ القرار، من خلال طرح أسئلة على المراهق/ة مثل: هل هذا الوقت مناسب لهذا القرار؟ ما الذي سيترتب على أخذ القرار الآن؟ هل يحتاج القرار إلي التأجيل؟ وماذا قد ينتُج عن تأخيره؟
3- التفكير في الحلول البديلة والخيارات المتاحة التي قد تساعد المراهق/ة علي الوصول إلي استنتاجاته وقراراته الخاصة.
4- مناقشة وتوضيح نتائج الاختيارات المتاحة كل على حدى، ومقارنة هذه النتائج بالأهداف التي يسعى لها المراهق/ة.
5- مساعدة المراهق في تقييم العواقب المحتملة لكل الخيارات المتاحة، وفي تقييم هل من الممكن تحملها والتعامل معها؟ أم من الأفضل تجنبها؟
6- تشجيع المراهق/ة على اللجوء إلى طلب المساعدة من الآخرين، كالأهل والأصدقاء، والاستماع إلي خبرات أخري قد تفيد في اتخاذ القرار الملائم في الموقف الراهن.