حين يصلن إلى الرقم 40.. “لو نسينا يُذكِّرنا المجتمع”
من الطبيعي أن تشهد المرأة في منتصف عمرها بعض التغيرات، قد تتصالح معها وتعتبرها بداية جديدة، ومع ذلك تظل قيود المجتمع قائمة.
باقي ثلاث سنوات فقط وأصل إلى عمر الأربعين.
أنظر إلى الرقم بعد أن كتبته غير مُصدقة مرور كل هذا الوقت من حياتي. ما زال بداخلي الكثير من الأحلام التي لم أحققها، وما زلت أري نفسي الطفلة الصغيرة التي تحتاج إلى شخص يرعاها، ولكن سريعاً ما أدرك أنني هذا الشخص الناضج الذي يجب أن يرعى الأجيال الجديدة الصغيرة في العائلة، وحتى الجيل الأكبر مني مثل والدتي.
سن الأربعين منطقة وسط، فأنا لم أصبح عجوزاً تماماً، ولكن لم أعد شابة صغيرة من حقها أن تفعل أي شيء في أي وقت، أو بمعنى أصح يمنعني المجتمع من ذلك.
بدأت ميكانيزمات الدفاع لديَّ ضد العمر منذ أتممت الخامسة والثلاثين، من وقتها أشعر أنني في سباق لأفعل الكثير من الأشياء قبل الأربعين، ومنها سعيي نحو ألا يبدو شكلي الخارجي مطابقاً لما يتوقعه المجتمع من امرأة في هذه السن.
لست وحدي التي تمر بهذه المشاعر، العديد من النساء تراودهن مشاعر مشابهة عند الاقتراب من هذا العمر، رغم اختلاف تجاربهن، التي نسرد بعضها في هذا التقرير.
“هتتكلمي عن الجنس في السن ده!”
تزوجت في بداية العشرينيات، وبعد الزواج توالى إنجاب الأطفال حتى وصلوا إلى أربعة، وحين نضجوا وأصبحوا يعتمدون على أنفسهم بعض الشيء وجدت نهلة* نفسها في السابعة والأربعين.
حالياً تشعر أن لديها بعض الوقت الذي تستطيع قضائه مع نفسها، ولكن كلما سعت إلى تنفيذ فكرة جديدة في حياتها تجد زوجها أو أمها يقولان: “في السن ده!”.
لم تشعر بالتشجيع، ولأنها كانت ربة منزل طوال حياتها، لم يكن لديها الجرأة أن تأخذ الخطوات التي تريدها دون تشجيع الآخرين. والحقيقة أنها لم يكن لديها هدف معين تريد تحقيقه سوى أن تشغل وقت فراغها.خلال شهور قليلة انقطع الطمث وأصابها هذا بوعكة نفسية قوية. تقول: “حسيت إن العمر عدّى من غير ما آخد بالي.. حسيت بفراغ شديد رغم وجود العيلة والولاد”.
نوبات اكتئاب شديدة هاجمتها حتى اضطرت إلى اللجوء إلى طبيب نفسي مختص، والذي تطرق للحديث معها عن حياتها الجنسية، لتكتشف نهلة أنها لم تعش حياة جنسية سعيدة مع زوجها على الإطلاق. كانت تخجل من الحديث عن هذا من قبل، ولكن الآن “لم يتبق من الوقت الكثير” على حد قولها؛ وهكذا بدأت تواجه زوجها بحقيقة أنها ليست سعيدة جنسياً.
كالعادة، بدأ زوجها يستنكر أن تتحدث عن هذا الأمر في “هذه السن”، وما صدمها أنه تحدث مع شقيقتها الصغرى في المسألة، واتفقت معه أن الخوض في الحياة الجنسية في هذا العمر لا يليق.
شعرت نهلة باليأس من أن يفهمها من حولها، لكن رغم هذا قررت البحث عن عمل تحبه ليشغل وقتها، وما زالت تتابع مع طبيبها النفسي حتى لا تقع في فخ الاكتئاب.
“لا أفكر في عمري.. ولكن من حولي يفعلون”
ملامح سلمى طفولية جداً رغم بلوغها الأربعين، جسدها رشيق وضئيل وكأنها فتاة مراهقة. تزوجت في الثامنة عشر من رجل يكبرها بحوالي 11 عاماً، ورزقت منه بأربعة أطفال.
بسبب مظهرها الذي لا يبين سنها، لا تشغل سلمى بالها بمسألة العمر، بل كثيراً ما ترتدي ملابس ابنتيها المراهقتين، ويتشاجرن مازحات فيما بينهن على نفس الملابس.
لكن رغم تصالح سلمى مع عمرها إلا أن الأقارب –سواء أقاربها أو أقارب زوجها– كانوا ينتقدونها دائماً لأنها “مش مراعية سنها”، هنا فقط كانت سلمى تشعر بالتقدم في العمر.
زوجها بدوره ظل يذكرها دائماً أنها “لم تعد مراهقة”، بل يستغل هذه الفكرة في خلافاته معها ويتحجج بها عندما يشكوها إلى عائلتها.
هذا الضغط من العائلة والزوج دفع سلمى لاستكشاف تجارب جديدة خارج العائلة، وبالفعل خاضت تجربة عاطفية خارج زواجها مع رجل يكبرها بعام واحد، لم يشعرها أبداً أنها بالكبر الذي كان يشعرها به زوجها وعائلتها. سرعان ما اكتُشفت العلاقة مما أدى إلى الانفصال بينها وبين زوجها.
“كل اللي كنت محتاجاه إني أكون مع حد مش محسسني إني كبرت”، كانت ترى أنها لم تكن تفكر في عمرها وتعتبره مجرد رقم، ولكن كل من حولها لم يكن يفكر مثلها.
“لم يكن الزواج في خططي ولكن!”
حتى لو تخلت المرأة عن فكرة وجود الشريك، قد تظل تفكر في الأمومة. هذا ما كان يدور في عقل مها حين بلغت الثامنة والأربعين.
خاضت مها تجربة الزواج مرة واحدة في العشرينيات من عمرها، ولم تستمر الزيجة أكثر من عامين، وانفصلت قبل أن تُرزق بأطفال من الزوج، وبعدها لم تتزوج مرة أخرى، رغم أن حلم الأمومة كان يراودها من حين إلى آخر.
تخبرني: “ما فكرتش في الجواز والحمل لحد ما وصلت سن الأربعين”، ساعتها شعرت مها إن حلم الأمومة يتضاءل، حتى أمها نفسها أخبرتها أن فرصتها في الزواج ستكون صعبة.
“حسيت إني بقيت وحيدة، وما كانش الإحساس سيطر عليا بالقوة دي قبل كده”.
كان من حولها يشعرونها دائماً أنها وصلت إلى سن “اليأس”، لكن في المقابل كانت مها تتعامل مع هذه السن على أنه بداية جديدة: “طول عمري كنت البنت العنيدة اللي في العيلة”، وبالفعل تزوجت مها من رجل خاض تجربة الزواج من قبل ولم يُرزق بأطفال.
ورغم استحسان دائرتها الاجتماعية قرار الزواج إلا أن الحرب الحقيقية بدأت -على حد وصفها- حين اتخذت قرار التبني.
“كل اللي حواليا حسسوني إن مش فاضل في عمري كتير، وإني مش في سن يسمح بتربية طفل”.
أصرَّت مها على موقفها هي وزوجها، وما زاد من إصرارها هو شعورها بأنها إذا خضعت لفكرة أن عمرها لا يسمح لها ببداية جديدة، فلن يتوقف الأمر عند تخليها عن تبني الطفل، بل سيمتد إلى أي خطوة جديدة تريد أن تخطوها في الحياة.
“بدأت بالاكتئاب وانتهت بالشغف”
بعد طلاقها عاشت غادة –43 سنة– مكرسة حياتها لعملها وتربية ابنها، الذي كانت تتكفل بالقدر الأكبر من مصاريفه، ولذلك كانت تضطر أحياناً للعمل من المنزل في وظيفة أخرى “أونلاين” بعد أن تعود من وظيفتها الأساسية، الأمر الذي جعل “العمر بيجري من غير ما احس” على حد وصفها، حتى وصلت إلى عمر 39 عاماً.
تقول غادة إن الوصول إلى هذه السن كان بمثابة صفعة على الوجه حتى “فقت لنفسي”.
وجدت غادة نفسها تأخذ الكثير من القرارات التي لم تجرؤ على تنفيذها من قبل، إذ أجرت عملية تجميل بالإضافة إلى تركيب “بالون” بغرض فقدان الوزن، وفي خلال عامين كان مظهرها الخارجي تغير تماماً.
لم تكتفِ بذلك بل أصبح لديها نشاط ثابت في تعلم السباحة، وهي الهواية التي كانت تحبها منذ صغرها ولكن لم تجد الوقت الكافي لممارستها.
لم تمر هذه القرارات بسهولة، إذ تعرضت هي وأسرتها لهجوم عنيف من طليقها وعائلته، وكأنها تفعل أشياء تجلب “العار” لابنها.
بالتالي، كان والدها يضعها تحت ضغط نفسي كبير، ويردد جملاً مثل “اتهبلت على كِبَر”، أو “رايحة تمرين سباحة، فاكرة نفسك ننة”.
لم تنفِ غادة أن هذه التعليقات كانت تضغط عليها، ولكنها ظلت مصرة على قراراتها وأنشطتها لأنها رأت أن التقدم في العمر يحتاج إلى الرعاية الذاتية والحفاظ على صحتها.
أزمة منتصف العمر للمرأة أيضاً
يشيع ربط “أزمة منتصف العمر” بالرجل، الذي يصل إلى الأربعين ويسعى إلى تغيير حياته، ولكن الأزمة تعاني منها المرأة أيضاً.
يشيع أيضاً أن الأزمة عند المرأة تنشأ من انقطاع الطمث، رغم أن الأزمة متشابكة وتتداخل فيها العديد من العوامل النفسية والاجتماعية والجسدية.
لا شك أن لانقطاع الطمث دور في هذا الشعور، ولكن أيضاً النساء في عصرنا قد يُعدن التفكير في مسارهن المهني مثلما هو الحال مع الرجال، وبالتأكيد في طبيعة علاقاتهن العاطفية السابقة.
لا شك أننا في الأربعين أيضاً نكون قد خضنا قدراً كبيراً من التجارب، ولا شك أن بعضها ترك جراحاً أو ندوباً، وقد تتجلى في هذه السن.
قد يكون لممارسة الأنشطة المفيدة كالرياضة والخروج مع الأصدقاء تأثير إيجابي على المرور من هذه المرحلة بسلام، ولكن إذا ظلت تضغط عليكِ، ننصح بزيارة الطبيب/ة النفسي/ة.
أخيراً، يحتاج مجتمعنا أن يتفهم جمال هذا العمر، وأنه من المفترض أن تمارس المرأة حياتها بشكل طبيعي مثل أي عمر آخر، وأن من حقها تغيير حياتها إن أرادت، أو ممارسة تجارب جديدة دون الحكم عليها.
* جميع الأسماء مستعارة حفاظاً على خصوصية المصادر
تاريخ آخر تحديث: 29 يوليو 2024