أبوة
Pixabay

حكاية أب: حُبي لطفلتي لم يولد معها

“هل أنا قاسي الطباع؟ أم أن ما يُصوّر في الروايات والأفلام، عن سعادة الأب الطاغية بولادة طفلته، من وحي خيال كاتب لم يجرب أبداً تجربة الأبوة؟”

كتب أنس بنضريف

 

أيقظتني زوجتي في أول الصبح لتخبرني أن الألم ازداد. تمنيت أن يكون طلقاً كاذباً، كالأيام السابقة، لأكمل نومي – لكن هيهات هيهات.

ساعدت زوجتي على ارتداء ملابسها واتجهنا بالسيارة إلى المستشفى. كل شيء منظم في المستشفيات الهولندية. كلمتهم في الطريق فوجدت الممرضات في انتظاري، أخذن مني الملف واتجهن بي إلى المصعد الذي سينقلنا إلى غرفة الولادة.

كنت أعرف أن المولودة أنثى، وكنت أعرف أنني سأكون حاضراً خلال عملية الولادة. خلال فترة الحمل أخبرتني زوجتي أن

العُرف يقضي بأن يكون الأب حاضراً أثناء الوضع، ورغم ما أملكه من قوة وتحمل، فإني أخاف المستشفيات وأكرهها.

لا أنسَ المشهد:

زوجتي تصرخ من الألم وتخاطبني بعينيها أن أمسك يدها فأقوم بذلك. أنظر إليها، وإلى الممرضتين، منتظراً منهما إعطائي بعض التعليمات.

يجلسونني بجانب السرير. أغمض عيني فترة لتجنب رؤية ما تفعله الممرضتان، وأفتحهما بين الفينة والأخرى، متمنياً سماع كلمة “مبروك” وقضي الأمر.

لكن شتان! تمر ساعات ويبدأ رأس هاجر يظهر.

أتجول خلال هذه الفترة كديك مقطوع الرأس في الغرفة، واسترق النظر الى تقدّم الوضع.

زوجتي تدفع بكل ما أوتيت من قوة وابنتي تمتنع. تومئ الممرضة الرئيسية إلى الأخرى، فتأتي بالمقص وإبرة المخدر.

أعود للجلوس بجانب زوجتي لتفادي معرفة ماذا ستفعلان بالمقص. دقائق وتصيح المولودة صيحتين إيذاناً بالقدوم. تضعها الممرضة على صدر زوجتي، وتأتي  بمقص آخر و تقول “تفضل!”. عادة الهولنديين أن الأب هو من يقطع حبل السرّة.

في هولندا يجب تحديد اسم المولود دقائق بعد الوضع ليتم تسجيله وتحويل وثائقه للبلدية. بعد قطع حبل السرة والولادة ناولتني الممرضة ابنتي هاجر.

اتجهت بها إلى القبلة وأذنت في أذنها اليمنى. تأملت ملامحها وانتظرت أن أشعر بإحساس الحب نحوها كما يصور في الروايات والأفلام. هذا الحب الساحر من أول نظرة بين أب وابنته الذي طالما ارتقبته.

لم أشعر بأي إحساس نحوها. كانت مجرد قطعة لحم نفخت فيها الحياة.

أرجعتها للمرضة واتجهت نحو مطعم المستشفى لإحضار الطعام لزوجتي. الأكل الذي يُقدّم مجاناً في مستشفيات هذا البلد، الغني فقير من حيث الطعم.

في الطريق هاتفت والدتي لأخبرها أنها صارت جدة للمرة الأولى. استقبلت أمي الخبر بالدموع وكم أحسست باليتم المعنوي في تلك اللحظة، وأن والديّ وأقاربي في المغرب لا يشاركونني هذه المناسبة.

بعد ساعتين جاء الطبيب ليفحص الأم والمولودة. “الكل على ما يرام ويمكنكم مغادرة المستشفى اليوم” قال الطبيب.

في السرير الذي أعدته زوجتي 6 أشهر قبل الوضع ترقد هاجر في البيت. اطّلع على ملامحها، وحاولت ربط الشبه بينها وبيني، وبينها وبين أمها، لأجد أن جيناتي هي الأقوى.

لم يتغير احساسي اليوم اتجاها.

هل أنا قاسي الطباع؟ أم أن ما يُصوّر في الروايات والأفلام من قبيل أن “يوم ولادة  طفلتي كان أجمل يوم في العالم” هو من وحي خيال كاتب لم يجرب أبداً تجربة الأبوة؟.

 احتفلت ابنتي هاجر مؤخراً بعيد ميلادها التاسع، ولا يوجد في نساء الأرض أحب إلي منها . حبي لابنتي وُلد ميتاً حين خرجت هي للحياة، ويسقى كل يوم جرعة صغيرة.

حدّثت صديقي محمد، وهو أب لبنت وولدين، عن شعوري يوم ولادة هاجر.

“لست وحدك من مرّ بهذه المشاعر. الآخرون  يكذبون” أجاب محمد.

 يحتفل العالم العربي بعيد الأم ولا يحتفل بعيد الأب، وهناك عيد عالمي للأب في 21 يونيو. هل هذا منطقي برأيكم، خاصة بعد وصف الكاتب لمشاعره؟

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (1)

  1. اكيد الحب يولد مع الايام وهذه
    اكيد الحب يولد مع الايام وهذه تجربتي مع ابنتي ومااحلا خلفت البنات

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات