الحمل
Shutterstock

كيف يتعامل المحيطون بالأم مع اكتئاب ما بعد الولادة؟

توجد نسبة من النساء يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة، ولكن يمكن التخفيف من هذه الأعراض بشكل كبير لو وجدن الدعم المناسب ممن حولهن.

وضعت الأم مولودها بسلام وفرحت، وفرح الأب والأسرة والأصدقاء في احتفال لطيف.

وفجأة عاد الأب إلى عمله ومشاغله، وانصرف الأهل والأصدقاء كل إلى غايته وحياته اليومية. وبقيت الأم ووليدها وحدهما.

مولود لا يتكلم، يبكي فقط وأحياناً يصرخ ولا تعلم الأم لماذا، أو كيف تساعده؟ ترضعه ولا تفهم هل شبع أم يحتاج المزيد؟

ينام في أوقات غريبة ويصحو طول الليل ويضطرب نوم الأم، نفسها وتفقد تركيزها وتنسى أن تأكل وقد لا تجد وقتاً حتى للاستحمام أو غسيل وجهها حتى!

كل ذلك يحدث، وتحدث بالتوازي معه تغيّرات حادة ومفاجئة في مستوى هرمونيّ الأستروجين والبروجسترون، ما يجعل أي جسم يضطرب فسيولوجياً وعاطفياً أيضاً.

ما سبق ذكره عبارة عن سحابات تنقشع بمرور الوقت، ومع اكتساب الأم القدرة على التعايش والتكيّف معه.

لكن أحياناً لا تنقشع السحابة ويزداد الأمر سوءاً، ما يُعرف باكتئاب ما بعد الولادة

إذ تستمر الضغوط، وتفقد الأم القدرة على رعاية الوليد، بل تفقد القدرة على رعاية نفسها، وتعاني من اضطرابات عنيفة في النوم.

في هذه الحالة يستدعي الأمر تدخلاً طبياً عاجلاً من طبيب/ة نفسي/ة ليضع يده على لب المشكلة ويساعدك على تخطي اضطرابات الهرمونات، وبناء شبكة من الدعم العاطفي من الزوج والأهل والأصدقاء.

وهذا هو موضوع المقال: كيف تتكون شبكة الدعم؟ وكيف تتخطى الأم هذا المرض؟

اكتئاب ما بعد الولادة يشخصه عادة طبيب/ة الأسرة ويعالجه أيضاً عن طريق مساعدة الأم في تقبل التغيرات الجديدة الطارئة على حياتها وكيفية التعامل معها، بل والاستمتاع بها أيضاً.

وعادة ما يشمل علاج اكتئاب ما بعد الولادة تعليم الزوج كيفية حدوث هذا المرض، وكيف لا يكون هو نفسه عبئاً على زوجته وكيف يكون داعماً لها.

كما يشمل توعية أسرة الزوجة وأسرة الزوج والأصدقاء بطرق دعم الأم ومساعدتها في تخطي الأزمة. 

الأم

العلاج النفسي للأم يبدأ بمساعدتها في تقبل كل ما ذكرناه من تغيّرات مفاجئة وحادة في روتين حياتها السابقة، يتحقق هذا من خلال عدة جلسات غالباً ما تكون مرة أسبوعياً أو مرتين حسب شدة الحالة التي يتعامل معها الطبيب/ة.

ومن الأشياء التي تساعد الأم في التكيف مع الوضع الجديد لحياتها، النظر لطفلها كثيراً ومداعبته وملامسته واحتضانه وعمل مساج لجلده.

كل ذلك ثبت علمياً وطبياً أنه يزيد من إفراز هرمون الأوكسيتوسين، ويزيد من إفراز الدوبامين، وهما يساعدان في تخفيف التوتر ويُشعر الأم -وبالطبع طفلها- بالسكينة وتقبل الأشياء.

من المهم أيضاً مساعدة الأم في تنظيم وقتها بالطريقة التي تناسبها، وتخصيص وقت لنومها أو للتأمل أو التريّض وخلافه.

بعد الولادة
shutterstock

المهم أن تخصص وقتاً لأي نشاط تحبه، حتى لو كان مجرد الاستحمام والاهتمام بنفسها وجسدها ومظهرها.

الزوج

يشمل بروتوكول علاج اكتئاب ما بعد الولادة تحديد زيارة أو اثنين للزوج، وإقامة جلسات يشرح فيها الطبيب كل التغيّرات الفسيولوجية والهرمونية والجسمية التي تحدث للزوجة بعد الولادة.

يساعد هذا الزوج على تفهم ما تمر به زوجته من تغيرات مزاجية وإجهاد وبعض الحزن أو التوتر.

كما يشمل جلسات توعية الزوج بأهمية الدعم النفسي لزوجته ومساعدتها في رعاية المولود قدر الإمكان وعدم لومها وإشعارها بالتقصير في رعاية البيت أو رعاية المولود أو حتى لومها عن إعراضها عن ممارسة العلاقة الحميمة.

ينبغي أن يعي الزوج أن زوجته مجهدة، وتمر بانفعالات جديدة وتعاني من اضطرابات في النوم والأكل، ومن الممكن أن تفقد الرغبة في ممارسة الجنس.

الأهل والأقرباء

يعتمد بروتوكول العلاج النفسي لاكتئاب ما بعد الولادة على تصحيح مفاهيم خاطئة من المحيطين بالأم وخاصة الأهل والأصدقاء. وذلك من خلال الجلسات مع الزوج أو بتخصيص جلسة لأم الزوجة أو أم الزوج.

ومن هذه المفاهيم الخاطئة/الخرافات حول اكتئاب ما بعد الولادة:

1. “دي سحابة وهتعدي وكلنا مرينا بيها-انتي بتدلعي!”

الحقيقة أن تلك الجملة قد تؤخر علاج مريضة بما يسبب حدوث مضاعفات جسيمة قد يصعب علاجها فيما بعد.

بالطبع معظم الأمهات، وخاصة مع الطفل الأول، تحدث معهن تلك السحابات والعكارات وتستمر عدة أسابيع وتزول بالتعود والتكيف.

لكن أن يصل الأمر إلى شهور، ومع واستمرار التوتر والعصبية أو الحزن الشديد وإهمال الأم نفسها أو عدم قدرتها على رعاية طفلها، فهذا يُشَخَّص مرضاً، وهو مرض معروف اسمه اكتئاب ما بعد الولادة ويمكن علاجه.

2. “اكتئاب ما بعد الولادة يزول ويشفى من تلقاء نفسه!”

الأحزان العابرة التي تلي الولادة قد تختفي من تلقاء نفسها، ولكن في الحقيقة أن اكتئاب ما بعد الولادة لا يشفى من تلقاء نفسه.

وقد يحتاج لأدوية اكتئاب حسب شدته وخطورته. صحيح معظم الحالات تشفى بالعلاج النفسي وبناء شبكة الدعم العاطفي، لكنه لا يزول من تلقاء نفسه.

3. “انتي السبب في الاكتئاب دة عشان مش عارفة تنظمي وقتك!”

الحقيقة أن الأم نفسها ليست السبب في اكتئاب ما بعد الولادة. وحدها الهرمونات وتغيرها السريع والحاد -وكل التغيرات الفسيولوجية بسبب الولادة نفسها- هي السبب في اكتئاب ما بعد الولادة.

ويمكن معرفة المزيد عن أسباب اكتئاب ما بعد الولادة من هذا الرابط.

 

4. “اللي عندها اكتئاب بعد الولادة طول الوقت حزينة وبتعيط!”

أحزان ما بعد الولادة
shutterstock

الحقيقة أن اكتئاب ما بعد الولادة يختلف من امرأة لأخرى حسب طبيعة شخصيتها وحسب شدة المرض.

بعض السيدات لا يبكين ولا يستطعن ذلك، ويجدن صعوبة في التعبير عما يجيش بصدورهن. فقط تشعر بالضيق والضغط وأنها لا تؤدي بواجباتها كما ينبغي.

5. “دي أكيد ما بتحبش ابنها وعاوزة تتخلص منه!”

الحقيقة أنّ معظم المصابات باكتئاب ما بعد الولادة يخبرن الأطباء أنّ هذا المولود هو الشيء الوحيد الذي يسعدها منذ أن وضعت حملها.

والحقيقة أيضاً أن اكتئاب ما بعد الولادة قد يجعل الأم تُقبل على أذى نفسها أما وليدها فلا.

فحسب ورقة بحثية نشرت في أغسطس 2014 حول أهمية العلاج النفسي التفاعلي مقارنة بالعلاج الدوائي (أدوية مضادة للاكتئاب)، أشارت الدراسة إلى أن كثير من الأمهات يرفضن العلاج بالأدوية خوفاً على الرضيع من الأدوية المضادة للاكتئاب أن تصيبه بسوء. كما أشارت الدراسة إلى مشاعر الأمهات الإيجابية نحو أطفالهن.

لكن يجب على الطبيب هنا أن يفرق بين اكتئاب ما بعد الولادة ومرض آخر نادر هو ذهان ما بعد الولادة postpartum psychosis، وفي هذه الحالة فقط قد تضر الأم نفسها أو طفلها، ويستلزم ذلك المرض دخول المستشفى وبروتوكول آخر للعلاج.

6. “اكتئاب ما بعد الولادة يحدث بعد الولادة مباشرة!”

الحقيقة أن اكتئاب ما بعد الولادة يحدث في أي وقت خلال العام الأول للمولود. صحيح أن معظم الحالات تحدث خلال الشهور الأولى. لكن هناك حالات شخصها الأطباء بعد الشهر السادس للولادة.

ومن الخرافات أيضاً أن اكتئاب ما بعد الولادة يحدث للأم فقط! والحقيقة أنّ بعض الأزواج قد يصابون باكتئاب ما بعد الولادة وتغيّر في نسب التستوستيرون. لشعورهم بأن هذا المولود قد حاز كل اهتمام الزوجة وأصبح الزوج على هامش حياتها.

صحيح هي حالات نادرة لكنها تحدث بشكل أو بآخر، وتستلزم استشارة نفسية و دعم نفسي للزوج.

الخلاصة أن الدعم النفسي، من الزوج والأسرة والأصدقاء، لمساعدة الأم الجديدة في التكيّف مع وجود كائن ضعيف يعتمد عليها كلياً في نومه وأكله وشربه ورعايته، أمر شديد الأهمية، ويتطلب التوعية والتحضير للحدث الجديد من كل الأطراف. وأيضاً يتطلب استشارة الطبيب/ة عند الحاجة، وبدء العلاج المناسب.  

مصادر:

https://psychcentral.com/lib/5-damaging-myths-about-postpartum-depression#2

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4141636/ 

https://www.medicalnewstoday.com/articles/320005#3.-Slowly-reintroduce-exercise

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات