هل من الممكن التغلب على “الإنسان البدائي” بداخلنا؟
الإنسان البدائي أسرع من الإنسان المتحضر بداخلنا، ولا يمكن الفوز عليه بقوة الإرادة وحدها. هناك إستراتيجيات للتعامل معه.
كثيراً ما يحدث أن ننتقد المجتمع الذي يحكم على أفراده من خلال مظهرهم، أو الرجال المتحكمين شديدي الغيرة دون مبرر منطقي، وكأنهم من الغابة.
لكننا نقع، في بعض الأحيان، في فخ سلوكيات مشابهة، وكأننا لم ننتقدها في الأمس القريب. على سبيل التوضيح، تصرح الكثير من الفتيات بأنه ينبغي تقييم المرأة على أساس شخصيتها وليس شكلها.
لكن ما أن تسمع إحداهن عن زواج شخص وسيم ومميز، بفتاة تبدو عادية من حيث المظهر، يطلقون عليها أحكام عدم الجدارة ويخبطون كفاً بكف في استنكار بالغ.
يسود في مجتمعنا نمط “رجل الغابة المتخفي”؛ تجده، ظاهرياً، مقتنعاً باستقلالية المرأة وحريتها، ولكن حدود هذه الحرية تقف عند أخواته وزوجاته ونساء عائلته – نجده يحرمهم من أبسط حقوقهم والمعاملة الإنسانية.
هل لهذه التصرفات الهمجية تفسير؟
يمكن تشبيه المخ البشري بسفينة قائد متحضر وقائد آخر بدائي، يسميه المؤلف “ستيف بيترز” بالشمبانزي في كتابه “مفارقة الشمبانزي”.
لكل قائد منهما مهمته الواضحة وصلاحياته المحددة.
القائد المدني المتحضر
- نشأ في المدينة.
- يقع في الجزء الأمامي من المخ.
- تفكيره عقلاني ومنطقي ومبني على الحقائق.
- غير مندفع ويفكر بروية قبل اتخاذ أي قرار.
- يمكنه التعامل مع المتغيرات ويرى الدنيا بطيفها الرمادي على اتساعه.
- لذلك فهو أقل سلبية في الحكم علي الآخرين ومهمته تقليص الصراع لأقل مستوياته للتعايش مع من حوله.
القائد الهمجي البدائي
- نشأ في الغابة
- يقع في الجزء الحوفي من المخ.
- يحتكم لقوانين الغابة تحركه مشاعره وانطباعاته وغرائزه ودوافعه البدائية.
- يتصرف بغريزته غير المهذبة في الفتك والتنكيل والحكم بشكل سلبي في أغلب المواقف.
- يصدر الأحكام على الآخرين دون تفكير.
- يري الدنيا بلونيها الأبيض والأسود فقط.
مهمته حمايتنا من الأخطار الخارجية التي نتعرض لها.
في عالم مثالي، كيف يتحكم القائدان في حياتنا؟
في حالة تعرضنا لموقف ما، يتحفز الإنسان البدائي، لسرعته وعدم حاجته للتفكير، لتقييم الأخطار التي نتعرض لها في هذا الموقف. إن رآه تهديداً صريحاً، يتخذ ما يراه مناسباً للدفاع عنا أو الهروب من مصدر الخطر.
وظيفة الشمبانزي هي حمايتنا من الهجمات والمخاطر التي يدركها.
في عالم مثالي، إن رأى الشمبانزي أن الموقف هذا لا يمثل خطراً، عليه أن يُسلّم القيادة للإنسان المتحضر ليتعامل مع الموقف بطريقته.
ما هو فخ التناقض السلوكي؟
الأمثلة المذكورة في أول المقال، تلك الأفعال التي تتناقض مع الأقوال، هي فخ التناقض السلوكي. البعض يطلق عليها اسم النفاق والبعض الآخر يسميها ازدواجية المعايير، وبالبلدي، اسمها “خيار وفقوس”!
متي نقع في فخ التناقض السلوكي؟
الإجابة: حين يتصرف الشمبانزي بغوغائية ويتدخل في مواقف ليست من اختصاصه ولا تستدعي تدخله.
الأمثلة كثيرة:
- العنف اللفظي والنفسي والبدني ضد المرأة
- التحرش
- الغيرة والتحكم والشك والاتهام بالخيانة
- طلب الطلاق بتسرع وبدون تفكير
- الغيرة من الصديقات والزميلات
- التلقيح بالكلام
- الصراعات بين الزوجات والحموات والسلائف
- جرائم “الشرف”
متى نعرف أن الإنسان البدائي هو من يتولى القيادة؟
إذا تعرضت لموقف ما، وتصرفت بشكل غريزي، ثم داهمتك مشاعر الحيرة أو الارتباك والندم. إذا سألت نفسك، بعد هدوء العاصفة، إذا كنت حقاً ترغب في قول ما خرج عنك أو فعل ما بدر منك، وكانت الإجابة لا.
عندها تأكد أن إنسان الغابة تولى القيادة.
الأمر ليس دائماً بهذه البساطة؛ قد يتولى الشمبانزي القيادة، فينفث فيك المشاعر السلبية، أو يُشعرك بالتهديد، أو يخرب عليك سعادتك ونجاحك. يشعرك وكأن حياتك صراع مع قوى خفية، وكأنك تجاهد لانتزاع أبسط حقوقك.
تنظر بداخلك، فلا تجد أي سبب منطقي للحزن أو الخوف أو القلق والتوتر.
هل يمكن السيطرة على الشمبانزي؟
يخبرنا الدكتور “ستيف بيترز” بأننا لا يمكننا التحرر تماماً من سطوة القائد البدائي، ولكن يمكننا حسن إدارته وتوجيهه، إذا أدركنا أن الأفكار والأفعال التي يخبرنا بها، هي مجرد اقتراحات وليست مُلزمة.
الإنسان البدائي أسرع من الإنسان المتحضر بداخلنا، ولا يمكن الفوز عليه بقوة الإرادة وحدها.
هناك إستراتيجيات للتعامل معه.
إستراتيجيات التعامل مع الشمبانزي
التنفيس عن الشمبانزي:
تحدث/ي عن مشاعر الغيرة السلبية/الامتلاك، أو أي مشاعر تعكر صفوك وتثير حفيظتك، في بيئة آمنة أو مع شخص تثق/ين به.
الحوار الداخلي:
اسأل/ي القائد البدائي: ما هو البديل؟ ما الحل؟
ثم اطرح/ي عليه حقيقة أن حب التملك والغيرة والحكم على أساس المظهر، مثلاً، من الأمور المُستهجنة. كأنك تربي طفلاً صغيراً وتعلمه الآداب العامة والسلوكيات المقبولة اجتماعياً.
مع الوقت سيتعود الشمبانزي على الالتزام بالقواعد البشرية.
مكافأة الشمبانزي:
في حالة تصرفه بالشكل اللائق، امنحه/يه موزة على سبيل المكافأة.
مثلاً إذا تحكمت في شهوة التملك أو الغيرة لمدة معينة امنح/ي نفسك هدية معنوية أو مادية.
تشتيت انتباه الهمجي:
يمكن تشتيته، مثلاً، بالعد بشكل عكسي من واحد لعشرة، حتى يتولى الجانب المتحضر القيادة.
على رأي المثل: تبات نار تصبح رماد!
بشكل عام، نحن نحتاج لهذين القائدين ولا يمكننا الاستغناء عن أي منهما. في أي موقف، علينا بتقييم رأيهما، ثم اتخاذ القرار. قد يكون القرار هو الاعتذار أو المواجهة أو تجاهل الأمر – لا يهم القرار ما دام نتج عن تفكير سليم.