الإمتاع الذاتي: ما بين الذنب والمتعة

تجلس سلمى، فتاة في الحادية عشر من عمرها، مع أختها ليلى في غرفة المعيشة حيث تشاهدان التلفزيون معًا. وإذ بليلى تنهر سلمى وتتحدث معها بحدة شديدة عندما رأتها تداعب أعضائها الجنسية أسفل البطانية بشكل واضح. 

تظل هذه الذكرى عالقة في ذهن سلمى ولكن ممزوجة بمشاعر الخوف والاحتياط والذنب الشديد، بالرغم من استمرار رغبتها في تجربة ذات الشعور بالمتعة الذي اختبرته أثناء ملامسة أعضائها الجنسية.

تعددت تعريفات الإمتاع الذاتي فيما حولنا على مدار الزمن، كما تعددت الاتهامات الموجهة إليه؛ فالبعض يعتبره انحراف جنسي، أو مشكلة عقلية، أو فعل/عادة قابلة للإدمان وقادرة على تدمير حيوات كل من يمارسها. 

و لكن ما هي حقيقة الأمر؟ و ما تعريف الإمتاع الذاتي؟ إذا أزلنا عنه طبقات مشاعرنا المختلطة، و معتقداتنا المتأثرة بردود أفعال من حولنا، و ما يمليه علينا الشعور بالعار تجاه كل ما هو جنسي.

إمتاع الذات – Masturbation هو بشكل بسيط مداعبة الشخص لأعضائه/ا الجنسية الخارجية باستخدام الأيدي، بهدف إثارة هذه الأعضاء حسيًا والشعور بالمتعة وفي بعض الأحيان الوصول للنشوة الجنسية أيضًا. 

ويعتبر الإمتاع الذاتي هو أول شكل أو طريقة يتعرف بها الإنسان على الجنس وماهية المتعة والنشوة.

كما يُعتبر فعل استكشافي في الأساس يقوم به كل الأطفال، كاستكشاف الأشياء في الأرض من حولهم والحرص على اختبار مذاق هذه الأشياء ورائحتها وملمسها. 

و بما أنه أول طريقة يتعرف بها الطفل على الجنس، بالتالي تشكل ردود أفعال من حوله بشأن هذا الفعل معظم ما يُكوِّنه من مشاعر حول الجنس في العموم. 

على سبيل المثال، إن تخيلنا سلمى بعد هذا الموقف مع أختها ليلى، يمكننا تصورها في عدد من المشاهد المحتملة:

  • المشهد الأول: تُداوم سلمى على ممارسة الإمتاع الذاتي من حين للآخر، ولكن في كل مرة حتى وإن تمكنت من الشعور بالمتعة والوصول للنشوة، إلا أنها تختبر مشاعر في غاية السوء أهمها الإحساس بالذنب تجاه ما فعلته. وذلك لأن الإمتاع الذاتي أصبح في تخيلها فعل مُشين أو -في أحسن الأحوال- خطر عليها، لذلك استمرارها في فعله ما هو إلا ضعف وسوء خُلُق واضح.
  • المشهد الثاني: تحاول فيه سلمى فهم دوافع أختها ليلى وراء نهرها والتحدث معها بحدة، فتبدأ رحلة البحث عن ما هو الإمتاع الذاتي ولكنها لا تعرف وقتها أنه إمتاع ذاتي، لذلك فإنها على الأرجح ستبحث عنه على جوجل مستخدمة كلمات مثل “العادة السرية” وستطرح على جوجل أسئلة مثل “هل العادة السرية تفض غشاء البكارة؟” أو “هل أنا عذراء إن كنت أمارس العادة السرية؟” 
    و كما نعرف جميعًا الآن أن ردود جوجل على هذه الأسئلة لن تكون الردود العلمية أو الصحيحة بالضرورة، و إنما ستكون الردود التي تتسق مع مخاوفها وتزيد منها عن طريق عرض المقالات أو مصادر المعرفة التي تستخدم ذات الكلمات التي استخدمتها سلمى -ذات الحادية عشر من عمرها- في البحث.
  • المشهد الثالث: تبدأ سلمى في التحايل على الوضع ومحاولة إثارة أعضائها الجنسية حسيًا ولكن بطرق مختلفة عن استخدام الأيدي، مثل استخدام شطافة التواليت التي تدفع الماء بقوة، أو الجلوس على مقعد به بروز معين يساعدها على إثارة بظرها إن جلست مباشرة على هذا البروز، و طرق أخرى قد تؤدي إلى نفس النتيجة ولكن في اعتقادها قد تشعرها بذنب أقل حجمًا.

كل هذه المشاهد التي تصورناها معًا تحمل في مضمونها شعور واحد غالب وقوي لا يمكن إغفاله، وهو الذنب.

كيف بدأ الذنب؟

الذنب هو شعور إنساني طبيعي، مرتبط في أغلب الأحيان بمعرفتنا حول فعل معين نقوم به قد يكون خاطئ، أو غير مشروع، أو مؤذي للنفس أو للآخرين. 

وهو شعور واقي و مفيد بالأساس و يساعد الإنسان على الرجوع عن أفعال مؤذية قد يرتكبها مرارًا وتكرارًا. و لكنه بلا شك شعور قاسي و قد يتملك الإنسان إلى درجة تُفقده القدرة على اختبار أي مشاعر جيدة متوازية أو لاحقة. 

لذلك، فإنه من الضروري تأمل شعورنا بالذنب دائمًا، و سؤال أنفسنا إن كان هذا الشعور مُستَحَق وواقي لنا بالفعل أم أنه شعور مُقحَم تفرضه علينا بعض المفاهيم المغلوطة حول أفعال معينة قد لا تضرنا أو تضر غيرنا على الإطلاق.

و إن تحدثنا عن الشعور بالذنب الخاص بإمتاع الذات تحديدًا، سنجد أنه قد يكون نابعًا من تعريفاته التاريخية التي لا تتسق مع حقيقته على الإطلاق، أو نابعًا من التزامات دينية معينة تحد الإنسان من التفكير في متعته و التعامل على أساسها حتى و إن كان الإمتاع الذاتي واقيًا حقيقيًا للإنسان من الانخراط في ممارسات جنسية أخرى قد لا تُناسب معتقداته، أو ظروفه في الوقت الحالي، أو احتياجاته. 

وقد ينبع أيضًا من فكرة تقديس الممارسات الجنسية والحد منها، إلا حينما يتواجد شريك/ة الحياة المناسب/ة، حتى و إن كان الإمتاع الذاتي مهمًا من أجل استكشاف الشخص لجسده/ا ولمثيراته المختلفة مما سيعود بالنفع الأكيد على علاقته/ا الجنسية مع شريك/ة الحياة.

و بما أن الذنب -كما اتفقنا- هو شعور إنساني طبيعي، لذلك قد تختلف منابعه باختلاف الأشخاص ولا يسري المصدر الواحد بالضرورة على جميع الناس الذين يشعرون بالذنب تجاه ممارستهم/ن للإمتاع الذاتي.

هل يختلف الشعور بالذنب باختلاف النوع الاجتماعي؟

بالطبع، كما يختلف كل شيءٍ آخر باختلاف النوع الاجتماعي. يتجلى هذا الاختلاف بشدة في تسمية الإمتاع الذاتي في بعض الأحيان ب “الاستمناء” وهو ما يعتقد الكثيرون أنه التسمية العلمية الأكثر دقة.

 في حين أن هذه التسمية، وإن بدت متطورة عن “العادة السرية”، إلا أنها تحمل في طياتها تمييز معين تجاه ممارسة النساء للإمتاع الذاتي لأن “الاستمناء” من “المني” هو ربط لغوي يوحي بأن ممارسي الإمتاع الذاتي هم رجال دائمًا وبالضرورة، في حين أنه طبقًا للإحصائيات فهناك 89% من النساء يمارسن الإمتاع الذاتي.

وبخلاف التسميات ورجوعًا للشعور بالذنب، فإن توقع ممارسة الفتيان والرجال للإمتاع الذاتي كجزء أساسي مرتبط ببلوغهم وجودة ذكورتهم قد ينتج عنه إحساس أكبر بتقبل المجتمع وبالتالي شعور أهون بالذنب. 

ومثلما قد يتعامل المجتمع بشكل أكثر تسامحًا مع ممارسات الرجال الجنسية باختلافاتها لأنهم “رجال”، فبالتأكيد لن يحمل الرجال نفس العبء الذي تحمله الفتيات والنساء من حولهم، وذلك لأن الرجال لا يملكون غشاءًا مهبليًا ليعيشوا حيوات كاملة خائفين على فضه أكثر من أي شيءٍ آخر، حتى و إن كان هذا الغشاء أكذوبةً كبيرةً تمامًا.

ومع ذلك، فإن كل هذه التناقضات لا تنفي شعور الرجال بالذنب أيضًا وبدرجة قد تفوق شعورهم بأي متعة بلا شك، و لكن يختلف مصدر الشعور كما اتفقنا. 

فكثيرًا ما نسمع المجتمع يردد أن الرجال الذين يمارسون الإمتاع الذاتي قد يصابوا بالعقم، أو بالتهابات المفاصل، أو بالقذف المبكر، أو قد يصبحوا غير قادرين على الاستمتاع بعلاقاتهم الجنسية مع شريكاتهم، مما يؤثر بلا شك على مدى تقبلهم لممارسة الإمتاع الذاتي حتى وإن كانوا يعرفون جيدًا أن كل ما سبق ذكره ليس له أي أساس من الصحة، عن علم و تجربة. خرافات مختلفة والمشاعر الناتجة واحدة.

كيف يمكننا التعامل مع الشعور بالذنب حيال الإمتاع الذاتي؟

أولًا: يجب أن نتأمل هذا الشعور و محاولة تفكيكه و تحديد مصدره الذي قد يختلف من شخص للآخر.

ثانيًا: يجب أن نحدد إذا ما كان الفعل الذي يُشعرنا بالذنب -سواء كان إمتاع ذاتي أو غيره- هو فعل ضار، أم مفيد ولكن تشوب حقيقته بعض الخرافات. 

ثالثا: إذا كانت ممارسة الإمتاع الذاتي تساعدنا على الاسترخاء، أو استكشاف أجسادنا و تحديد ما يمتعنا جنسيًا، أو الارتياح بدرجة أكبر مع ملامسة أعضائنا الذي سينفعنا بالتأكيد في ممارساتنا الجنسية الأخرى، أو تقليل التوتر و الاحتياج الجنسي، والأهم إن كانت هذه الممارسة معتدلة ولا تعرقل حياتنا اليومية أو تمنعنا من أداء وظائفنا وأدوارنا الاجتماعية، فهي بالتأكيد ممارسة يجب علينا أن نشعر أفضل تجاهها.

رابعا: إذا كنا في موقف مشابه لموقف ليلى مع اختها سلمى، يجب علينا التحدث مع الطفل/ة أو المراهق/ة عن مشروعية ممارسته/ا للإمتاع الذاتي، و ضرورة الممارسة في ذات الوقت بشكل فردي في مكان وسياق مناسب مع خصوصية هذه الممارسة. 

وأخيرًا إن كنا نعرف مصادر جيدة للقراءة والتعلم عن الإمتاع الذاتي للأطفال أو المراهقين/ات بشكل يعزز معرفتهم الصحيحة واحساسهم بالطمأنينة، فلنشارك هذه المصادر معهم/ن.

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (1)

  1. نفس الشعور الذي أشعر به والوضعية المرأة النائمة في الصورة بالبيجاما الورديه؟

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات