الحياة الجنسية للوالدين

الآباء والأمهات أيضاً يستحقون حياة جنسية سعيدة

مع التقدم في العمر تتغير المشاعر والرغبات كما الأجساد، فمن المهم أن بذل مجهود لتوصيل أفكارك ومخاوفك ورغباتك إلى الشريك/ة.

“كوبايتين شاي بالنعناع وقعدة في البلكونة وأغنية لأم كلثوم على الراديو”


مشهد اعتدنا رؤيته منذ الطفولة، فجميعنا لدينا ذكريات مع ذلك الجار الودود الذي يقف في شرفة منزله يتابع بشغف ذهابنا إلى المدرسة صباحاً، يسقي الزرع ثم يعد الإفطار ويجلس مع زوجته يتحدثان  ويستعيدان ذكريات شبابهما.

“واحنا عايزين إيه من الدنيا غير الونس يا ست صفية؟”


جملة وردت في أحد الأفلام المصرية على لسان الفنان محمود حميدة الذي جسد دور -أستاذ محمود- رجل متقاعد يشعر بالوحدة ولم يجد السلوى إلا في وجود جارته التي تقربه في العمر، فيقرر أن يعرض عليها الزواج أملاً في استعادة شعوره بالحميمية.


ولكن هل يُعد الونس هو كل ما نحتاج إليه بعد بلوغ الستين؟

في دراسة أجرتها جامعة شيكاجو على عينة من قاطني الولايات المتحدة الأمريكية بلغ عددهم 3005، تتراوح أعمارهم/ن بين 57 و 85 سنة أثبتت أن الرجال والنساء -بنسبة أقل- ما زالوا قادرين وراغبات في ممارسة الجنس، ولا تقتصر الممارسة على الأفعال الحميمية كالأحضان أو القبلات وإنما تتم ممارسة الجنس بأوضاعه وطرقه المختلفة.

وعلى الرغم من ذلك، إلا أن النشاط الجنسي يقل مع التقدم في العمر، فعلى سبيل المثال نسبة ممارسة الجنس في الفئة العمرية بين 57 – 64 سنة هي 73%، في مقابل 26% لدى نظرائهم الذين تتراوح أعمارهم/ن بين 75 و85 سنة.


والدراسة السابقة ليست الوحيدة التي تشير إلى واقع أن الكثير من الرجال والنساء يميلون إلى ممارسة الجنس في هذه المرحلة العمرية.

ولكن لماذا يعيش الكثير من الناس حالة الإنكار بشأن وجود رغبة جنسية؟

“يا راجل عيب احنا كبرنا عالحاجات دي”


جملة سمعناها كثيراً لدرجة أنها أصبحت جزءاً من الوعي الجمعي لدى البشر بشكل عام، وفي مجتمعاتنا الشرقية بشكل خاص،  إذ تشعر بعض النساء فور انقطاع الطمث أن ممارسة الجنس أصبحت بلا جدوى، كما يشعر بعض الرجال أنهم فقدوا الرغبة تجاه شريكاتهم.

ارتباط الجنس بالقدرة على التناسل ليس أمراً مستحدثاً، بل يُعد أحد المفاهيم المتأصلة منذ القدم، فمع اكتشاف الزراعة كانت هناك حاجة  إلى إنجاب عدد أكبر من الأطفال لزراعة الأرض وحماية الثروة، ومن ثم لم يعد الاستمتاع أو الفضول هو الهدف من التجربة الجنسية وإنما يُمارس الجنس للحفاظ على النسل.

لذلك يعاني الكثير من الرجال من التنمر حتى من قِبل زوجاتهم إذا أرادوا التعبير عن رغبتهم الطبيعية في ممارسة الجنس.

“ماما عايزه تتجوز تاني وهي عندها 60 سنة!!”

دائماً أتوقف عند هذه الجملة التي غالباً ما ترد على لسان فتى أو فتاة على مشارف الثلاثينات حيث يتم إرسال السؤال باسم مستعار ودون هوية لاستشعار الحرج، فنموذج الأم كما ترسخ في عقولنا ووصفه عالم النفس كارل يونج أنه يضم عدة أنماط أهمها الأم الراعية والأم الحكيمة، لكنه لا يحوي بأي شكل نموذج الأم التي لها حق في حياة منفصلة عن أبنائها دون أن ينتقص ذلك من دورها كمقدمة رعاية.

وهذا السياق يحتم على الأبناء رفض أي تخيل آخر عن أمهاتهم/ن مما يؤثر على الصورة الذاتية للأم فتتماهى مع رغبات أبنائها وتنأى بنفسها عن أي مشاعر تجعلها عرضة للوصم.

الحالة الصحية للمتقدمين في العمر

بخلاف الأحكام التي يصدرها المجتمع على من يرغبون/ن في ممارسة الجنس في عمر متقدم فهناك عدة أسباب متعلقة بالحالة الصحية لهؤلاء الرجال والنساء منها على سبيل المثال:

1. آلام المفاصل: والتي تحدث بشكل مستمر نتيجة الإصابة  بالتهاب المفاصل، وهذه المشكلة  يمكن أن تجعل الاتصال الجنسي غير مريح. قد تساعد التمارين الرياضية والأدوية وربما جراحة استبدال المفاصل في تخفيف هذا الألم. بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تكون الراحة والحمامات الدافئة وجلسات المساج أو تغيير موضع أو توقيت النشاط الجنسي مفيدة في هذا السياق.

2. الألم المزمن: يمكن أن يتداخل الألم الجسدي الناتج عن وهن العضلات أو هشاشة العظام مع الألم الناتج عن العلاقة الجنسية حيث يمكن للعلاقة الجنسية أن تسبب التعب والإرهاق لدرجة تجعل الكثيرون والكثيرات يعزفون عن الاهتمام بالجنس. ولكن هذا الألم يمكن السيطرة عليه في كثير من الأحيان فلا داعي للقلق.

3. الإصابة بالخرف: قد يظهر الأشخاص المصابون ببعض أشكال الخرف اهتماماً متزايداً بالجنس والتقارب الجسدي وهذا أمر جيد، لكنهم قد لا يكونون قادرين/ات على الحكم على السلوك الجنسي المناسب. قد لا يتعرف الأشخاص المصابون بالخرف الشديد على شركاءهم/ن ولكن قد يسعون في بعض الأحيان إلى ذلك مع شخص آخر.

4. اكتئاب ما بعد الطمث: يمكن أن يكون عدم الاهتمام بالأنشطة التي اعتدنا الاستمتاع بها مثل النشاط الجنسي أحد أعراض الاكتئاب الذي تشعر به النساء مع التغيير الهرموني الذي يحدث بعد انقطاع الطمث، وتتفاقم المشكلة عندما تتسبب مضادات الاكتئاب في نقص الرغبة الجنسية عند بعض النساء. ولحل هذه المشكلة ننصح بالتحدث مع مقدم/ة الرعاية الصحية الخاص بك حول العلاجات الممكنة التي لن تتداخل أكثر مع الرغبة الجنسية.

5. داء السكري: هذا هو واحد من الأمراض التي يمكن أن تسبب الضعف الجنسي لدى الرجال في معظم الحالات، كما يمكن أن يؤدي مرض السكري إلى زيادة احتمالية الإصابة يعدوى الخميرة المهبلية، والتي يمكن أن تسبب الحكة والتهيج المهبلي وتجعل الجنس غير مريح أو غير مرغوب فيه.

6. أمراض القلب: يمكن أن يحدث  تصلب الشرايين في عمر متقدم وبالتالي يتغير سُمك  الأوعية الدموية بحيث لا يتدفق الدم بحرية. بالنسبة للبعض، قد يستغرق الأمر وقتاً أطول حتى يتدفق الدم إلى الأعضاء الجنسية وتحدث الاستثارة، وقد يكون من الصعب الحصول على الانتصاب أو الحفاظ عليه عند بعض الرجال.

7. الأدوية: يمكن أن تسبب بعض الأدوية آثاراً جانبية تتداخل مع القدرة على ممارسة الجنس ومن هذه الآثار: ضعف/ فقدان الانتصاب، تأخر القذف، صعوبة الاستثارة أو الوصول إلى النشوة الجنسية، انخفاض الرغبة الجنسية ، جفاف المهبل.
 تشمل الأدوية التي يمكن أن تسبب هذه المشاكل بعض أدوية ضغط الدم ومضادات الهيستامين ومضادات الاكتئاب والأدوية المعالجة لحالات الصحة العقلية الأخرى مثل الألزهايمر والمهدئات وأدوية مرض باركنسون أو السرطان ومثبطات الشهية والأدوية المضادة للقرحة.


إذا واجهت أيا من هذه الآثار الجانبية، فاستشر أو استشيري مقدم/ة الرعاية الصحية الخاص بك لمعرفة ما إذا كان هناك دواء مختلف يمكنك تناوله ولا يشمل تأثيراً كبيراً على الصحة الجنسية.


بخلاف المشكلات العضوية يمكن أن تتأثر الممارسة الجنسية بصورة الجسد، فمع التقدم في العمر والتغييرات الحتمية في المظهر يشعر البعض بالإحباط أو الخجل تجاه  أجسادهم/ن ويفضلون عدم كشفها أمام الشريك/ة مما يعيق عن الاستمتاع بالجنس أو استكشاف مناطق مختلفة من الجسد أو أنماط جديدة من الممارسات.

الحرج من الجنس


كما يلعب التوتر دوراً خاصة عند الرجال، فمع التقدم في العمر يخشى الكثير من الرجال فقدان أو ضعف الانتصاب وبالتالي يخشون الشعور بالإحراج أو الخوف من عدم القدرة على إرضاء شريكاتهم.

نصائح للحصول على علاقة جنسية ممتعة بعد الستين

●  حافظا على اللياقة الجنسية:

الجنس مثل أي نشاط آخر يحتاج إلى قدر من الاستمرارية للحفاظ على الأداء والقدرة على الاستمتاع، فالرجال الذين يقومون بالتحفيز المتكرر للقضيب لديهم وقت أسهل في الحصول على الانتصاب والحفاظ عليه، والنساء اللواتي لديهن تحفيز مستمر للأعضاء الجنسية يكن أقل عرضة للجفاف المهبلي.


لمساعدتك على البقاء “لائقاً جنسياً” ، قد يفيد الاستمناء أو منح نفسك المتعة. الاستمناء هو جزء طبيعي من حياة جنسية صحية.

  • استكشفا ممارسات أخرى:

الحياة الجنسية الجيدة تنطوي على أكثر من مجرد الإيلاج المهبلي، فقد يكون التقدم في العمر دافعاً  للتخلص من الضغوط المجتمعية المتعلقة بالنمط الشائع للجنس. يمكنكما توسيع فكرتكما عن الجنس لتشمل ممارسات أخرى كالجنس الفموي أو الشرجي أو  تجارب مثيرة يمكنكما خوضها معاً كلعب الأدوار- Role Play أو استكشاف الفتيشات الجنسية.
 عليكما أن تدركا أن عدم وجود هدف تناسلي للممارسة يخلق حافزاً لاستكشاف مناطق أخرى مثيرة بخلاف الأعضاء الجنسية ذاتها.

  • لا تقصرا المتعة على النشوة الجنسية:
    حتى إن وجدتما صعوبة في القذف أو الوصول للنشوة أو أداء بعض الأوضاع لوجود تحديات جسدية، فيمكنكما الاستمتاع بتجربة الحميمية واللمس. هذه هي الأنشطة التي يمكن لأي شخص الاستفادة منها. حتى لو كنت مريضاً أو كان لديكِ إعاقات جسدية، استرخيا واطلقا العنان لخيالاتكما واستمتعا بتجربة اللمس الحسي، فكثير من الناس يحصلون على إشباع هائل من مشاركة التخيلات الجنسية وقراءة قصص الإثارة الجنسية والمداعبة باستخدام ألعاب جنسية أو أدوات منزلية.

  • اعملا على تحسين التواصل:

مع التقدم في العمر تتغير المشاعر والرغبات كما الأجساد، فمن المهم أن بذل مجهود لتوصيل أفكارك ومخاوفك ورغباتك إلى الشريك/ة. يفترض الناس أحياناً أن شركاءهم يعرفون ما يحلو لهم في غرفة النوم، لكن هذا ليس صحيحاً على الإطلاق.  ففي أي مرحلة عمرية يلعب التواصل بصراحة وثقة الدور الأكبر للحصول على تجربة جنسية ممتعة.

ماذا عن الأبناء؟



يهتم الكثير من الآباء والأمهات بآراء أبنائهم وبناتهم، فإذا وجدت نفسك مضطراً لمواجهة هذا الجانب في حياة والدتك أو إذا تقاطعت رغبة والدك في خوض علاقة عاطفية مع رغبتك الشخصية، كونوا منفتحين/ات لخوض الحوار بقرب وحميمية.
شجعا أباءكم وأمهاتكم على خوض تجارب جديدة واتخاذ قرارات شخصية يرونها مناسبة لحياتهم/ن، وكونوا داعمين إذا تسنى لكم لعب دور في حصولهم/ن على السعادة سواء بتهئية الأجواء لهم/ن لاكتشاف ذواتهم/ن أو تشجيعهم/ن على الذهاب لمختص/ة عند مواجهة أي مشكلة تخص الحياة العاطفية أو الجنسية.

وفي النهاية علينا أن نتذكر أن آباءنا وأمهاتنا يستحقون حياة جنسية سعيدة.

Sexuality and Intimacy in Older Adults | National Institute on Aging (nih.gov)
9 Happy Sex Life Tips and How Having One Helps Your Health (healthline.com)
Senior sex: Tips for older men – Mayo Clinic


هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (2)

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات