حدود فاصلة بين الرعاية الذاتية والاحتياج إلى زيارة الطبيب/ة

العناية الذاتية ضرورية من أجل حياة صحية، إلا أنها في بعض الأحيان لا تغني عن زيارة الطبيب/ة.

ذات صباح سألني صديق عن ظاهرة تحدث له كثيراً في الصباح.

كان الصديق يسأل عن الانتصاب الصباحي المتكرر الذي يحدث له، وهل هو طبيعي؟

شرحت له أن الأمر طبيعي ولا يدعو للقلق، ولا يمكن أن نعتبر أن هناك أي خطر من الأمر، بل هو دليل على حالة صحية طيبة، وأنه لا يوجد ما يُقلق في الانتصاب إلا لو طال بشكل مبالغ فيه ووصل إلى عدة ساعات، حينها لا بد من التوجه إلى الطبيب/ة، لأن هذه الحالة قد تضم مخاطر.

صحتنا الجنسية والإنجابية تشبه الجوانب الصحية الأخرى في جسدنا، تحتاج منا أن ننصت إلى صوت أجسامنا وأن نعرفها عن قرب. فقد نشعر بتغير في جسدنا ويكون الأمر مجرد حدث عابر في حياتنا اليومية، ولكن تغير آخر قد يشير إلى مرض قادم أو تغير في فسيولوجية الجسم.

على سبيل المثال، تخبرنا أجسامنا أننا بحاجة إلى الراحة بعد يوم مرهق، ويمكننا أن نعالج هذا الإنهاك بالاسترخاء، ولكن إذا شعرنا أن الإرهاق يستمر لأيام دون توقف، ومهما ظللنا مرتاحين، ساعتها علينا أن ندرك أننا بحاجة إلى زيارة طبيب/ة لإجراء الفحوص والتشخيص اللازم.  

في هذا المقال نتحدث عن عدة مشكلات رئيسية تخص الصحة الجنسية، علينا أن ندرك فيها الفارق بين الأعراض التي قد نستطيع بتصرفات بسيطة أن نتجاوزها بأنفسنا، والأعراض التي لا مفر فيها من زيارة الطبيب/ة، لأن تجاهلها قد يؤدي إلى حدوث مضاعفات قد يصعب حلها بعد ذلك.

نزيف الدورة الشهرية

الدورة الشهرية تتكون من ثلاث مراحل هرمونية تقابلها ثلاث مراحل في بطانة الرحم. وفي الدورة الطبيعية ينزل الدم في فترة زمنية تستغرق 4 إلى 5 أيام وأحياناً تصل إلى 7 أيام.

وعادة أيضاً يملأ مقدار الدم النازل 3 ملاعق كبيرة يومياً، أو ما يحتاج إلى تغيير الفوطة كل 6 إلى 8 ساعات في اليوم، ولا تكون هناك حاجة إلى تغييرها أثناء النوم.

كل ما سبق يعتبر طبيعياً، ولا يستدعي القلق.

ولكن إذا استمر نزيف الدم أكثر من 7 أيام، أو إذا كان النزيف ثقيلاً لدرجة تغيير الفوطة كل ساعة، أو ظهور كتل دموية كبيرة مع النزيف، أو الاحتياج لتغيير الفوطة أثناء النوم، وعدم القدرة على ممارسة الأنشطة اليومية بالشكل المعتاد، كل هذه علامات تشير إلى أن هناك خللاً يستدعي زيارة الطبيب للفحص وعلاج هذا النزيف.

كثيرات من السيدات يتعرضن إلى هذا النزيف ولا يذهبن إلى الطبيب/ة، ظناً منهن أن هذا يدخل في نطاق الطبيعي، ولكن إذا حدث وأهملن هذا النزيف قد يتسبب في حدوث أنيميا شديدة، تؤدي بدورها إلى تدهور الصحة العامة.

الذهاب إلى الطبيب في حالة زيادة نزيف الدورة الشهرية عن المعدل الطبيعي، يساعد في تشخيص بعض الأمراض المسببة لذلك، وأشهرها: الورم الليفي.

والتشخيص السليم في الوقت المناسب يساعد جداً في علاج الأمراض قبل تدهورها وحدوث مضاعفات.

الإفرازات المهبلية والالتهابات

كثيراً ما تأتينا أسئلة عن الإفرازات المهبلية، إذ قد تعتقد بعض النساء أن الإفرازات تعبر عن عَرَض مرضي.

ولكن الإفرازات المهبلية طبيعية، بل أن وجودها يعتبر أمراً صحياً، وكل النساء يختبرن الإفرازات يومياً ومع تغيرات الدورة الشهرية أيضاً.

من الطبيعي أن تكثر الإفرازات المهبلية قبل نزول دم الدورة، وتكون أكثر سماكة وتشبه رائحتها رائحة البيض النيء. ثم بعد انتهاء نزول الدم تكون الإفرازات كثيرة وشفافة وأكثر مائية وليس لها رائحة.

والإفرازات المهبلية مفيدة وضرورية لتنظيف المهبل أولاً بأول. فهو ينظف نفسه بنفسه، وأنت لا تحتاجين إلى استخدام منظفات المهبل، بل العكس، فإنها عادة ما تضر لأنها تقتل البكتريا النافعة الموجودة فعلاً بالمهبل وتسبب الالتهابات.

إذن الإفرازات مفيدة، وقد تتغير سماكتها ورائحتها بأشكال طفيفة، وبالطبع النظافة الشخصية والغذاء المتوازن والحياة الصحية في العموم، تساعد على أن تكون الإفرازات طبيعية.

ولكن متى تحتاجين إلى زيارة الطبيب/ة بسبب الإفرازات؟

إذا تغيرت كمية الإفرازات المهبلية المعتادة، أو تغيّر لونها المعتاد بالنسبة لك. فمثلاً، إذا وجدت الإفرازات تخرج بلون أخضر، فهذا أمر غير طبيعي بالمرة. كذلك إذا شعرت أن رائحة الإفرازات مختلفة عما اعتدت عليها، أو إذا كان الإفرازات مصحوبة بأعراض أخرى، مثل وجود حرقان أثناء التبوّل أو آلام أثناء ممارسة العلاقة الحميمية.

هنا عليك التوجه إلى الطبيب/ة. خاصة إذا استمرت هذه الأعراض لعدة أيام.

ألم أثناء ممارسة العلاقة الحميمة

تأتينا الأسئلة عن آلام تحدث للنساء أثناء الجماع. الغريب أن بعض النساء يعتقدن أن الأمر طبيعي، ولكن الحقيقة أنه ليس من المفترض أن يكون الجماع مؤلماً.

قد تحدث آلام الجماع لدى بعض السيدات بعد انقطاع الطمث، بسبب نقص هرمون الإستروجين في الدم، ما قد يسبب جفاف المهبل، الذي يؤدي بدوره إلى الألم، وفي هذه الحالة ننصح النساء باستشارة الطبيب/ة للبحث عن الحلول المناسبة.

ولكن في العموم يعتبر الألم أثناء الجماع علامة غير طبيعية، خاصة إذا كان مصحوباً بأعراض أخرى مثل: حرقان البول وزيادة عدد مرات التبول، فقد يكون ذلك إشارة على وجود التهابات مجرى البول ويحتاج إلى علاج.

إذا كانت الآلام موجودة ومتكررة وتعيق ممارسة العلاقة الحميمية والاستمتاع بها، يبنغي عليك التوجه للطبيب/ة.

مشاكل الانتصاب

عادة ما يحدث انتصاب لدى الرجل من 3 إلى 5 مرات أثناء النوم، ويستغرق في المرة الواحدة من 25 إلى 30 دقيقة، وكثيراً ما تنتهي هذا الانتصابات الليلة بانتصاب صباحي.

هذه علامة طبيعية، يعرف منها الأطباء أن صحة الرجل طيبة.

وقد يشكو بعض الرجال من ضعف الانتصاب، وعلينا أن نعرف أن معظم أسباب ضعف الانتصاب قد تكون غير عضوية، وقد تنبع من التوتر والقلق أو الخوف من ضعف الانتصاب أمام الشريكة.

أو قد يكون الانتصاب ضعيفاً بسبب العادات اليومية السيئة: مثل التدخين وتناول الكحوليات، أو الغذاء غير الصحي في العموم.

على عكس الأمثلة السابقة، قد لا يلجأ الرجال إلى العناية الذاتية ويتسرعون في تناول أدوية منشطة جنسياً بدون استشارة طبيب/ة، وقد تقدم المنشطات حلاً سريعاً على المدى القصير، في حين قد تؤذيهم على المدى البعيد.

من أجل انتصاب أفضل، عليك أن تحافظ على حياة صحية: غذاء متوازن، وتجنب التدخين والكحوليات، بالإضافة إلى عدم التوتر.

متى يحتاج الأمر لاستشارة الطبيب/ة؟

أولاً: إذا كان الأمر يسبب لك مشكلات حقيقية ويمنعك من التمتع بممارسة العلاقة الحميمية ويعيق العلاقة بين الشريكين.

سيساعدك الطبيب على معرفة السبب الحقيقي لضعف الانتصاب، إن كان ثمة ضعف انتصاب فعلاً، وليس مجرد توتر وقلق يستدعي طبيباً نفسياً والتحدث مع شريكتك بشأن مخاوفك.

ثانياً: إذا حدث تغيّر في الانتصاب بعد إجراء عملية استئصال البروستاتا أو عملية بالحوض.

ثالثاً: إذا كان ضعف الانتصاب مصحوباً بأعراض أخرى مثل: آلام أسفل الظهر أو آلام شديدة بالبطن.

المسألة الأهم هي عدم التسرع في تناول المنشطات الجنسية، قد تكون المشكلة نابعة من القلق فحسب، أما إذا كانت مشكلة صحية، فينبغي أن تعرف المشكلة من خلال الطبيب/ة، وساعتها سيوصيك بتناول الأدوية المناسبة لك.

البروستاتا وإفرازات القضيب  

يخرج من القضيب إما بول أو سائل منوي، بخلاف ذلك فليس هناك إفرازات طبيعية أخرى تخرج من القضيب.

عادة تُفهم إفرازات القضيب خطأ أنها بسبب أحد الأمراض المنقولة جنسياً (STI). مثل السيلان والزهري، والحقيقة ليست كذلك بالضبط. فالأمراض المنقولة جنسياً ليست بالضرورة تسبب إفرازات قضيبية.

كثيرا ما يكون السبب هو التهابات مجرى البول، أو التهاب شديد بالبروستاتا، والتي تكون مصحوبة بأعراض أخرى مثل: حرقان البول، أو التقطيع أثناء التبوّل، أو وجود دم في البول، خاصة في حالات التهاب البروستاتا الشديد.

و عند سن الخمسين، عادة ما تتضخم  البروستاتا، وهو أمر طبيعي بشكل كبير، ويحدث لمعظم الرجال في هذه السن وليس له علاقة بمشاكل الانتصاب.

تضخم البروستاتا يسبب بالأساس مشاكل في التبوّل، وضعف الانتصاب لو حدث مع تضخم البروستاتا، فهو إما بسبب المعلومات المغلوطة والخوف من ضعف الانتصاب، أو بسبب بعض أدوية علاج تضخم البروستاتا.

لذا لا تتناول أي أدوية دون استشارة الطبيب/ة إذا كنت مصاباً بتضخم البروستاتا.

في كل الأحوال، وجود إفراز من القضيب بخلاف البول والسائل المنوي، هو أمر غير طبيعي. ويحتاج إلى استشارة الطبيب لمعرفة سبب ذلك وعلاجه في الوقت المناسب.

دوالي الخصية

دوالي الخصية أمر شائع عند الرجال في كل الأعمار. وعادة لا تسبب أي ضرر على الإنجاب، إلا في حالات نادرة يكون حجم الدوالي فيها كبيراً ويسبب مشكلة حقيقية للخصية بما يؤثر على الصحة الإنجابية ويحتاج إلى تدخل جراحي.

كما أن دوالي الخصية لا تؤثر على الانتصاب والصحة الجنسية. لذا لا داعي من القلق بشأن دوالي الخصية، إلا إذا كانت كبيرة الحجم بشكل ملفت، أو إذا كنت لا تنجب وعندك دوالي خصية، فقد تكون أحد أسباب تأخر الانجاب.

أخيراً، الحفاظ على حياة صحية سيساعدك على الوصول لحياة جنسية وإنجابية طيبة، وتوجد بعض الأعراض الصحية العابرة التي لن تحتاج منك سوى الاهتمام بنفسك.

ولكن في أوقات أخرى، اعرف/ي أن الأفضل زيارة الطبيب/ة في أقرب وقت، لتوفر/ي على نفسك أي تعقيدات إضافية.

لذلك من الضروري أن تعرف/ي جسدك جيداً وأن تستمع/ي إليه، وإذا حدث تغير أو أي أمر غير معتاد، واستمر هذا التغير، فكر/ي في الطبيب/ة المناسبة/ة.

مصادر:

Healthline

NHS

Healthline

CDC

Healthline

NHS

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (2)

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات