أبناء القلب وأبناء الرَحِم.. الاحتضان ومشاعر الأمومة
احتضان طفل مسؤولية كبيرة. يحتاج الأبوان أو الأم العزباء التفكير بحرص قبل اتخاذ هذا القرار، وتَوَقُّع العديد من الصعوبات والتحديات.
عملت لسنوات طويلة كمتطوعة في إحدى دور رعاية الأيتام، واختبرت عن قرب مشاعر اليتم لدى الأطفال، والتأثير السلبي الناتج عن تغير مشرفات الدار المستمر عليهم.
لذلك فرحت بشكل طفولي جداً عندما صدرت قوانين الاحتضان الجديدة في مصر، وخاصة التي تسمح للسيدات غير المتزوجات بالاحتضان وخوض تجربة الأمومة، دون الاضطرار لعقد زواج لا ترغب فيه لمجرد الإنجاب.
ولكن المشكلة أن هذا التطور القانوني لم يصاحبه وعي مجتمعي على نفس المستوى، فما زال هناك رفض من العائلات التي يتخذ أبناؤها هذه القرارات، وبالطبع يتضاعف الرفض في حالة قرار المرأة الاحتضان دون زواج، وقد شهدت عن قرب تجربة صديقة خاضت هذه الرحلة بشجاعة رغم كل المعوقات.
هذا الضغط المجتمعي، الذي يفرز أفكاراً مثل “إحساس الطفل اللي جاي من صلبك حاجة تانية خالص”، يُشعرك طوال الوقت بالذنب والخوف، وربما يعيق بعضاً ممن لديهن الاستعداد لخوض التجربة.
منذ أيام كنا نتناقش أنا ومجموعة من الأمهات عن تجاربنا ومشاعرنا أثناء الولادة، وتوقعات الفريق الطبي والمرافقين لنا عن اللحظة الأولى لرؤية الطفل.
للاطلاع على المزيد: خطة الولادة: أنتِ القائدة في رحلة الإنجاب
كنت أحكي تجربتي مع ولادة طفلي الثاني وأنني رفضت تلقي بنج نصفي لأن لديَّ مخاوف شديدة من غرفة العمليات، وأُفضِّل أن أكون مخدرة تماماً.
ظل الطبيب يحاول إقناعي بأهمية البنج النصفي، وكان من مبرراته أنني سأتمكن من ملامسة طفلي وقت خروجه من رحمي، واستغرب بشدة عندما قلت له ببرود: “سأشاهده في الغرفة بعد قليل”. لأنه كان من المهم بالنسبة لي أن أكون مرتاحة وغير قلقة أثناء الولادة.
أحكي هذه القصة لأؤكد على وجود الأفكار المعلبة لدى البعض عن الأمومة، وفكرة تصدير كتالوج يَفترِض أنه يصف مشاعرنا جميعاً.
منذ يومين حكت لي صديقة عن أنها احتاجت بعض الوقت لكي تحب طفلها بعد الولادة، لأنها انشغلت بالألم الجسدي والتجربة الصعبة للشهور الأولى.
هي تشعر بالذنب لأن الحب لم يُزرع في قلبها تجاه طفلها بسهولة منذ وجوده في رحمها، وظلت تؤكد لنا أنها تحبه جداً وأنه أهم شخص في حياتها الآن، لكنها احتاجت فقط لبعض الوقت لتستطيع تجاوز صعاب الولادة.
فإذا كانت الأمهات البيولوجيات يشعرن بتلك الحيرة فالأمهات المحتضنات سيشعرن بالكثير والكثير من المشاعر المؤرقة، خاصة عندما يكتشفن أن الأمومة (أو الأبوة لدى الرجال) صعبة ومجهدة ومعيقة وليست عبارة عن مشاعر إيجابية تلقائية.
لذلك يظل التساؤل الأكبر الذى يؤرق الأبوين المُحتَضِنين هو: هل كان قرار الاحتضان سليماً؟ وهل أصلح لهذا الدور؟
كتالوج الأمومة
في الحقيقة كلنا نتعلم من أجل أن نصلح لهذا الدور الجديد بكل تحدياته، سواء كانت الأم منا بيولوجية أو مُحتَضِنة، وأكبر ما يعيقنا هو توقعاتنا الشخصية عن الأمومة والأبوة، وكتالوجات الآخرين التي يفرضونها علينا.
الكثير منا سمع القصة التي حكتها يمنى دحروج، مؤسسة مجموعة الاحتضان في مصر على فيسبوك، عن الطفلة ذات الثلاث سنوات التي تخلى عنها الأبوان المحتضنان عندما علما بخبر حمل الزوجة، التي كانت لا تنجب من قبل.
ما إن عرفا بالخبر حتى قررا عودة الطفلة المحتضنة إلى دار الرعاية، بعد ثلاث سنوات من احتضانها.
الخبر موجع جداً في الحقيقة، لكن بعيداً عن الوجع، في رأيي أن الزوجين كانا بحاجة إلى مشورة نفسية متخصصة تصحح أفكارهما وتناقشها.
واحدة من الأفكار التي يمكن أن تكون متوقعة في مثل هذه الحالات: “أنني سأظلم الطفلة، لأنني بالتأكيد لن أحبها مثل طفلي البيولوجي”.
وربما يواجه الأبوان في مثل هذه الحالات ضغطاً عائلياً يجعلهما يتسرعان في اتخاذ قرار التخلي عن الطفلة، إذ أن وجود طفلين في البيت أمر مجهد على المستوى النفسي والمادي والجسدي، وكل منا تختلف ردود أفعاله إزاء هذه التجربة.
بالطبع أتعاطف مع الأطفال الذين يمرون بهذا الموقف، ولكني أدرك أيضاً أن القرار ليس سهلاً على الوالدين المُحتَضِنين، وأنهما ظلما نفسيهما بقرار الاحتضان ثم بقرار التخلي.
لذلك من الضروري عقد دورات تدريبية للأهالي الذين يتخذون قرار الاحتضان.
الغرض الأساسي من هذه الدورات تصحيح المفاهيم المتوقعة، ونفي وجود كتالوجات الأمومة السائدة، والتأكيد على الفروق الفردية التي تجعلنا مختلفين في قدراتنا وإمكانياتنا تجاه التعامل مع التحديات الشخصية ومشاعر الذنب التي ستنفجر في وجهنا كثيراً أثناء رحلة التربية.
بل هناك من سيحتاجون إلى أكثر من مجرد دورات، يحتاجون أن يخوضوا جلسات فردية مع متخصص/ة يساعدهم بشكل أكثر عمقاً ويعلمهم كيف يمارسون أدوارهم الجديدة.
من أجمل الحوارات التي سمعتها في الأمومة تلك القصة التي حكتها صديقتي لطفلتها المحتضنة عن الاختلافات بين الأبناء، فهناك طفل يخرج من الرحم، وطفل مميز آخر يخرج أيضاً من الرحم ولكنه يدخل في قلب أم أخرى ليصبح ابن أو ابنة قلبها.
من واقع أمومتي وخبرتي كمتخصصة نفسية لسنوات في مجال الطفولة، أكاد أجزم أن رحلة الأمومة والأبوة صعبة علينا جميعاً، سواء كنا آباء وأمهات بيولوجيين أو حاضنين، وأننا جميعاً بحاجة إلى التعلم عن مشاعرنا تجاه أطفالنا.
لا يوجد ما يسمى بالحب من النظرة الأولى الذي يحدث بين الطفل وأمه، أو دعونا نقول إنه لا يحدث لدينا جميعاً بنفس القدر، وبعضنا لا يختبره أصلاً في البداية.
الضغط المجتمعي الذي يفرض علينا شكلاً محدداً من الأمومة من أسباب الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، ويؤثر سلباً أيضاً على قرارات الأمهات والآباء خلال الاحتضان.
لذا علينا جميعاً أن نقف في نفس الصف وأن نتعلم سوياً كيف نكون آباء وأمهات لأطفالنا، سواء كانوا أبناء رحمنا أو أبناء قلوبنا.
قبل الاحتضان
دعونا نلخص خمس خطوات بسيطة يبنغي اتخاذها قبل الإقدام على قرار الاحتضان.
أولى هذه الخطوات هي الذهاب لمعالج/ة نفسي/ة للتأكد من مدى استعدادك لهذه الخطوة، وأنها لا تحدث كرد فعل مؤقت على أي حدث من أحداث الحياة.
الخطوة الثانية هي الانضمام لمجموعات الاحتضان في مصر، ومن أشهر هذه المجموعات “يلا كفالة”، أو غيرها من مبادرات الاحتضان المنتشرة على فيسبوك.
الغرض من ذلك الاطلاع على تجارب الأسر التي اتخذت خطوة الاحتضان، والاستماع إلى تحدياتهم ومشاركتهم بمخاوفكم.
الخطوة الثالثة هي الذهاب لمعالج/ة متخصص/ة في التعامل مع الأطفال ولديه/ا خبرة مع تجارب الاحتضان.
سيفيدك المعالج/ة في تحديد المرحلة العمرية التي يمكن فيها مصارحة الطفل بشأن احتضانه، وكيف يمكن إخباره بذلك، والتعامل مع رد فعله/ا، سينصحك المعالج/ة أيضاً بخصوص التشابه والاختلاف بين تحديات الأمومة البيولوجية والأمومة بالاحتضان.
الخطوة الرابعة هي الحصول على تدريبات في تربية الأطفال، والقراءة المتخصصة عن التعامل معهم بشكل صحي.
توجد العديد من الكتب الخاصة بالتربية بشكل عام، ويوجد جزء كبير متوفر باللغة العربية.
الخطوة الخامسة هي تحضير خطة واضحة في حالة حمل الزوجة، حتى لو كان هذا الحمل مستحيلاً طبياً.
أن تطرحي على نفسك سؤال: “ماذا سأفعل إذا حدث وحملت؟”، إذا كانت الإجابة أنك ستعيدين الطفل الذي احتضنته، فلا داعي لاتخاذ قرار الاحتضان من الأساس.
ينطبق الأمر كذلك على النساء اللاتي يقررن كفالة طفل وهن غير متزوجات، إذ عليهن أن يسألن أنفسهن: “إذا تقدم لي رجل من أجل الزواج، واشترط التوقف عن الاحتضان، ماذا سأفعل؟” وفي حالة كانت الإجابة هي إعادة الطفل، فلا داعي للاحتضان من الأساس.
يجب أن تناقشي مع نفسك كل الاحتمالات بجدية شديدة، وأن تستقري مسبقاً على إجابات لكل الأسئلة التي ستطرحها عليك تجربة الاحتضان.
وأخيراً تذكروا أن رحلة دخول الطفل/ة إلى القلب رحلة صعبة، ولا تحدث بشكل تلقائي كما يدَّعي البعض.
لما انا انجب طفل ستكون…
لما انا انجب طفل ستكون مشاعري حقيقيه تجاه طفلي ولما اتبنى طفل صحيح ان انا لا اؤذيه لكن لا استطيع احبه بمشاعر صادقه .