الألم في رأسِك

في كثير من الأحيان تواجه النساء التشكيك في مخاوفهن الصحية، ويرسلهن الأطباء إلى منازلهن متعللين بأن الأمر نفسي أو عاطفي. قد تعتقد أن هذا يحدث في مجتمعاتنا العربية فقط، ولكن الحقيقة أن هذا الانحياز منتشر في كل أنحاء العالم.

أصدر تقرير الألم الوطني ومنظمة for grace غير الربحية في عام 2014 في أمريكا استبياناً شمل أكثر من  من 2400 امرأة تعاني من آلام مزمنة، صرح 90% منهن أنهن يواجهن تمييزًا من قبل مقدمي الرعاية الصحية.

حتى يومنا هذا يستمر التمييز ضد النساء من خلال وصف شكواهن بالهيستيريا. وبالرغم من أن تشخيص الهيستيريا أزيل من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM) عام 1980، فإن بعض الأطباء ما زالوا يصرون على أن آلام النساء منبعها هيستيري، بينما يتعاملون مع شكاوى الرجال باعتبارها أكثر موثوقية. وفي القرن العشرين عندما اكتُشفت الغدد الصماء، أصبح الأطباء يلقون باللوم على هرمونات النساء في كل الأمراض.

المرض في رأسك

تصاب النساء بالألم خلال الدورة الشهرية، وأثناء ممارسة الجنس، ويصابن بآلام في الحوض، وبالصداع النصفي، وبآلام المفاصل، وآلام أسفل الظهر، لكن في كثير من الأحيان يتم تجاهل آلامهن، أو تشخيصها بشكل خاطيء.

وتكشف الدراسات السريرية أن حتى في وجود الاختبارات التي تكشف أن ألم النساء حقيقي، يميل الأطباء إلى أن يرونه ألمًا عاطفيًا، وليس جسديًا. وقد لاحظ الباحثان ج.كروك وإي تونكس أن الأطباء يميلون لتشخيص النساء اللواتي يعانين من أمراض مزمنة بأمراض نفسية، ووصف آلامهم بالهيستيريا.

أما الباحثة كارين كالديرون قد وجدت أن النساء أكثر عرضة لتلقي المهدئات، بدلًا من أن يُكتَب لهن مسكنات للألم، نظرًا لاعتقاد الأطباء أن آلامهن منبعها الرأس، وأنهن يبالغن. ونتيجةً لذلك، تتعرض النساء للألم لوقت أكثر من الرجال، حيث تبقيهن المهدئات ساكنات من الخارج، لكن الأعراض المرضية لاتزال موجودة.

وكشفت دراسة أُجريت عام 2014 في جامعة جونز هوبكنز أن النساء المصابات بسكتة دماغية، أكثر عرضة من الرجال للتشخيص الخاطئ بنسبة 30% في الطوارئ. وتشير الأبحاث إلى أن النساء المصابات بأمراض مناعة ذاتية لا أحد يقدم لهن العناية اللازمة، وتشير التقديرات إلى إصابة حوالي 50 مليون شخص بأمراض مناعة ذاتية، و75 % منهم من النساء. ووفقًا للأبحاث أيضًا يرى المريض أربعة أطباء قبل أن يحصل على التشخيص الصحيح.

التحيز الجنسي في الطب يقتل

التحيزات الجنسية في النظم الطبية قد تسفر عن نتائج مميتة؛ ففي دراسة نشرت في مجلة نيو إنجلاند الطبية عام 2000، وجدت الدراسة أن النساء يتعرضن للتشخيص الخاطئ، ويُصرَفن  من المستشفى أكثر من الرجال سبع مرات، بينما هن في منتصف الإصابة بنوبة قلبية.

قد يكون ذلك نتيجة لأن المفاهيم الطبية مبنية بالأساس على فسيولوجية الذكو، أما النساء فتختلف لديهن أعراض الإصابة بالنوبات القلبية عن الرجال، لذا في كثير من الأحيان يساء تشخيصهن.

بالإضافة لذلك، فإن أمراض القلب والأوعية الدموية، هي السبب الرئيسي للوفاة عالميًا تبعًا لمنظمة الصحة العالمية، وبرغم تأثيرها على النساء إلا أن معرفة النساء بها كان منخفضًا على مدار التاريخ، فتشير إحدى الدراسات التي استندت إلى بيانات أكثر من مليوني مريض، إلى أن النساء أقل عرضة لوصف الأسبرين، والستاتين، وأدوية ضغط دم مقارنة بالرجال.

كذلك فإن الأعراض الكلاسيكية لأمراض القلب معتمدة أيضًا على الأبحاث التي أجريت على الرجال، فيُعتقد أن ألم الصدر هو العرض النموذجي للنوبة القلبية، لكن يمكن أن يعاني كل من النساء والرجال أيضًا من أعراض أخرى، والنساء قد يصابن بأعراض غير نموذجية مثل القيء، والغثيان، والدوخة، كما أن 64 % من النساء اللواتي يفقدن حياتهن فجأة لا يصابن بأعراض على الإطلاق.

ألم النساء الذي لا يصدقه الأطباء

تقول مها (50 عام) أنها لطالما عانت من الصداع النصفي منذ الطفولة، لكن في عام 1995 ظل الصداع لا يفارقها على مدار شهر كامل، نهارًا وليلاً. وفي أحد الأيام أصابتها نوبة قيء، وانخفض ضغطها، فذهب إلى إحدى المستشفيات، فما كان من الطبيب إلا أن أخبرها أنها مصابة ببعض الصداع، وأخبرها أنها ربما تعاني من بعض الهيستيريا، أو ربما أغضبها شخص ما، فخرجت من المستشفى، وفقدت الوعي على بابها.

أما نشوى (30 عام) فتقول إنها كانت مصابة ببعض آلام الظهر، فذهبت إلى الطبيب الذي نصحها بمسكن، وبعد خمسة أشهر اكتشفت أنها بحاجة لعمل جراحة إنزلاق غضروفي، ولم يصدق الأطباء حاجتها للعملية إلا بعد رؤية الأشعة.

دكتورة دينا نبيل، أخصائية الأنف والأذن تقول أنها مرت بتجربة ولادة قيصرية وطلبت جهاز يسمى (pca) مسكن للألم، فما كان من الأطباء المعالجين إلا أنهم نظروا لبعضهم في استغراب، وحاولوا تعديل رأيها، لكنهم بعدما عرفوا أنها طبيبة، وافقوا، لكنها اضطرت لدفع مصاريف إضافية فوق تكاليف العملية، لأنها لم ترغب في الشعور بالألم، ولأنها كانت متأكدة من أن المسكنات العادية لن تصلح، ومازالوا في رأيها يعتبرون تسكين الألم سواء للولادة القيصرية، أو الطبيعية ترفًا.

أما الشق الثاني وهو عن تخصصها في الأنف والأذن، فأخطر مرضين يسببان ألم هما الصداع النصفي، والتهاب الجيوب الأنفية، فتشتكي النساء عادةً لمدة طويلة، وأحيانًا لسنوات وتقابل بالتجاهل، وتُشخص بأنها “ضغط عصبي” أو توتر، وتظل النساء في عذاب مقيم حتى تُشخص حالتها.

لماذا لا يثق الأطباء بألم النساء؟

في كثير من الأحيان، قد  يجهل الطب يجهل أجسام النساء، فهناك 10 حالات من الآلام المزمنة تؤثر بشكل رئيسي على النساء وتسبب أعراضًا متشابهة، وهي بطانة الرحم المهاجرة، والألم العضلي الليفي، ومتلازمة التعب المزمن، ومتلازمة القولون العصبي، ومتلازمة المثانة المؤلمة، والصداع النصفي، والصداع المزمن بسبب التوتر، واضطرابات المفصل الصدغي الفكي، وآلام أسفل الظهر المزمنة، وألم الفرج. وهي آلام تؤثر على 50 مليون امرأة أمريكية.

د.رنا أشرف الأخصائية النفسية تقول إنه أثناء عملها طبيبة نفسية، اعتاد الأطباء تحويل حالات النساء التي لا يعرفون سبب مرضها بدعوى أنها حالات نفسية، وتقول إن هناك أمراض عضوية ذات منشأ نفسي، ولكن ذلك يقابل في مستشفى الطوارئ بالاستهجان.

كذلك في مجموعة من الأمراض مثل اضطراب الشخصية الحدية، كان يقابل قبل وجود العلاج السلوكي  بأنه نوع من أنواع الانحراف لأنه يكون مصحوبًا بزيادة احتمالية وجود علاقات جنسية، أو تعاطي للمخدرات. كذلك مرض الفيبروميالجيا (أو الألم العضلي الليفي، وهو اضطراب يتسم بألم عضلي هيكلي، واسع النطاق، ويكون مصحوباً بتعب، ومشاكل في النوم، والذاكرة، والمزاج) ومعظم المصابين به من النساء، ومشكلته أنه يجمع بين الأعراض النفسجسدية، والاكتئاب. هذا المرض كان يقابل أيضًا بالاستهانة من قبل الأطباء، كذلك تقول إن الاهتمام بالأمراض الجنسية عند النساء تكون أقل من الاهتمام بها عند الرجال.

ما الفرق بين الشعور بالألم عند الرجال والنساء؟

جرت الاعتقادات الشعبية بأن النساء هم أكثر قدرة على تحمل الألم، وتعلل الأسطورة بذلك بتحمل النساء ألم الولادة، لكن من الناحية العلمية ما مدى صحة هذه الادعاءات؟ الاختلافات المرتبطة بالجنس رُصدت لمعرفة مدى شدة الإدراك بالألم، والاستجابة للمسكنات.

تشير دراسة نُشرت في المجلة الطبية الرسمية للجمعية الأمريكية  إلى أن هناك عوامل بيولوجية، ونفسية، واجتماعية، ثقافية تؤثر على معالجة الألم عند كلا الجنسين وأيضًا يكشف تصوير الدماغ عن اختلافات متعلقة بالجنس فيما يتعلق بالتوزيع وحجم الاستجابة للألم الحاد.

لكن، مع ذلك، فإن 80% من دراسات الألم تُجرى على الذكور والفئران. فكل التطور في الطب اعتمد على علم الأحياء الذكري. كما أن النساء حتى عام 1990 تقريبًا استُبعدن لسنوات كثيرة من التجارب السريرية، خاصة في سنوات الإنجاب، لتلافي الآثار الضارة عليهن.

وقد استعرضت دراسة أجريت عام 2010 التحيز الجنسي في البحث عن الثدييات، في 10 مجالات بيولوجية ووجدت أن التحيز الذكوري كان واضحًا في 8 تخصصات، ومنهم علم الأعصاب. واستغرق الأمر حتى عام 2014 حتى تبدأ المعاهد الوطنية الصحية في الاعتراف بمشكلة التحيز الجنسي الذكوري في التجارب، وحتى عام 2016 حتى تبدأ في منح الأموال لأي أبحاث تشتمل على إناث الحيوانات.

د.جانين كلايتون مديرة مكتب الأبحاث حول صحة المرأة، في المعاهد الوطنية للصحة تقول  أنه لحل مشكلات هذا التحيز يجب أن يعي مقدم الخدمة الطبية كيف يؤثر الجنس والجندر على الصحة. وفي هذا الصدد ينصحكِ الخبراء بالبحث عن طبيب يعطي الأولوية لمخاوفك، وأن يأخذ شكواكِ على محمل الجد.

مصادر

Fibromyalgia – Symptoms and causes – Mayo Clinic

Do doctors take women’s pain less seriously? | Medical Daily Journal

Gender differences in cardiovascular disease: Women are less likely to be prescribed certain heart medications – Harvard Health Blog – Harvard Health Publishing

Differences in Pain Perception Between Men and Women of Reproductive Age: A Laser-Evoked Potentials Study | Pain Medicine | Oxford Academic (oup.com)

Why Do We Ignore the Pain of Women? | by Alexandra Tsuneta | Fearless She Wrote | Medium

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (2)

  1. ممكن استشيرك في صاحبه الي تتعرف الورم خار المهبل مع وجع شديد وتترتفع درجت الحراره عنده

    1. مرحباً عزيزتي
      ننصحك بأخذ استشارة طبية متخصصة من طبيب/ة أمراض نساء فهذه الاعراض لا تخص مرض بعينه بل قد تكون مصاحبة لعدد من الامراض أهمها التهاب الجهاز التناسلي أو البولي أو بعض الأورام.
      ننصح بزيارة طبيب/ة للفحص وإجراء التحاليل المعملية ووضع الخطة العلاجية المناسبة.
      نتمنالك السلامة

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات