رحلة تعافي من سرطان الثدي
رحلة التعافي من سرطان الثدي رحلة شاقة، ممتلئة بالصعاب والتحديات، تحكي لنا موني ميخائيل قصتها مع التعافي، ومشاهداتها لمريضات أخريات.
في كل صباح، تنظر موني إلى القرص الدوائي الذي يجب أن تتناوله يومياً ليحميها من عودة سرطان الثدي، تتساءل موني: هل سيكون تناول الدواء في صالحها؟
الأعراض ليست في صالحها في كل الأحوال، إذ تصيبها الأقراص بالوهن وزيادة الدهون في الجسم، خاصة منطقة البطن، وتشعر بسببه بالآلام المستمرة. ومن آن إلى آخر يراودها القلق حين تسمع عن مريضة عاودها السرطان بعد الشفاء.
علاقة المريضة بسرطان الثدي لا تنتهي بعد الشفاء منه، فهذا المرض يترك أثره في النفس وفي الجسد. أثناء العلاج “حلقت” موني شعرها وقررت ألا ترتدي “باروكة” بل “إيشارب”، حتى انتهت رحلة العلاج واستطاعت أن تطيل شعرها مرة أخرى.
تخبرني موني أن الناس عادة ما يربطون بين أنوثة المرأة ومظهرها الخارجي، لكنها تعلمت أن الأنوثة حالة عقلية قبل أن تكون جسدية، ولم ترد أن تسجن أنوثتها في الشعر الذي تساقط من العلاج الكيماوي.
تتذكر حالات مريضات ظللن يمارسن حياة جنسية صحية وممتعة مع الشريك رغم الاستئصال الكامل للثدي.
تعترف موني أن المال رغم ذلك قد ييسر الأمر على النساء المريضات: “إذا استأصلت المرأة ثديها قد تجري عملية زرع ثدي، مما يجعلها تستعيد شعورها بالأنوثة، خاصة لو كانت تربط الأنوثة بالشكل الخارجي، ولكن بالطبع إذا لم تملك المرأة المال الكافي لن يكون هذا الخيار متاحاً”.
تغيرات كثيرة تتعرض لها المرأة المصابة، تغيرات في الثدي والشعر والدورة الشهرية التي يمكن أن تنقطع تماماً:
“نحن نتغير بعد الإصابة بسرطان الثدي، لا إلى لأفضل أو الأسوأ، لقد زار الموت أحلامنا، وصار جزءاً من مخاوفنا، ولكن هذا جعلنا ننضج مع مرور السنين، ونختار معاركنا بحكمة، ولا نضيِّع وقتنا على أشياء لا نعتبرها من ضمن الأولويات”.
أصيبت خبيرة التجميل موني ميخائيل (48 سنة) بسرطان الثدي في الثانية والأربعين من عمرها، ثم تعافت منه بعد رحلة طويلة من العلاج والجراحات الاستئصالية، ونستعيد معها في هذا المقال رحلة العلاج، لعلها تكون نافذة لك عما يدور في نفوس مريضات سرطان الثدي.
زنزانة مظلمة من الوحدة
“مش يمكن تحتاجيها تاني”؛ وقعت تلك الجملة على مسامع “موني” وكأنها صفعة على القلب لا الوجه، قالتها لها سيدة تجلس بجوارها في صالة انتظار المستشفى، بعد أن أخبرتها موني أنها قادمة لتزيل هذا الأنبوب المزروع في جسدها بعملية جراحية، والذي كان يستخدمه الطبيب لبث العلاج الكيميائي في دمائها.
كان غرض السيدة نصيحتها، ولكن ما فعلته أنها جعلت تلك الجملة تتردد في ذهن موني حتى بعد سنة من التعافي من السرطان، خوفاً من أن يعود المرض الذي حاربته مرة أخرى ويهاجم جسدها.
لذلك إذا كنت تعرف أو تتعامل مع مريضة مصابة بسرطان الثدي، اعلم/ي جيداً أن كل كلمة تقولها سيكون لها تأثير على رحلتها العلاجية ورحلة التعافي، فاحرص/ي على أن يكون التأثير إيجابياً.
كانت أفكارها تركض داخل رأسها، ولكن جسدها لا يطاوعها على الاستجابة لقوة عقلها. عاش هذا الجسد تحت وطأة العلاج الكيماوي الذي سلبها قدرتها على الحركة، ولكن لم يسلبها نشاط مخها.
“فخارة ضعيفة هشة”، هكذا وصفت موني عظامها أثناء العلاج الكيماوي، والتأثير السلبي على الذاكرة، ونظرات الأسى والحزن، كلها أشياء واجهتها موني بعد الإصابة، ولكن لم يخبرها أحد عنها، والدراما التلفزيونية التي جسدت الإصابة بسرطان الثدي لا تُظهِر الحقائق كاملة، فالإحباطات تستمر على طول طريق العلاج، وعدم القدرة على التعبير عن كل هذا الألم يسجن المريضة في زنزانة مظلمة من الوحدة.
“حاضر” لأشياء كثيرة لا تفهمها؛ هي كلمة قالتها موني كثيراً في رحلة علاجها على مدار عام ونصف، عندما أخبرها الطبيب أن عليها إجراء جراحة لاستئصال جزء من ثديها، لم تقل سوى “حاضر”، وعندما أخبرها أيضاً أن عليها إجراء عملية جراحية آخرى لتركيب “كانيولا” داخل الجسم تتلقى من خلالها العلاج الكيماوي، لم تجد على لسانها سوى نفس الكلمة، قوائم من التعليمات والممنوعات والواجبات لا ينبغي أن يقال لها سوى “حاضر”.
هي حالة من “التسليم والاستسلام” لرحلة العلاج، تنصح بها موني كل مريضة سرطان ثدي، فهو طريق صعب، ولكن العناد ليس الحل المثالي لتجاوزه.
من يقدمون لنا الدعم لا ينجحون أحياناً
“السرطان كلمة رنانة”، تقع ثقيلة على نفوس من يسمعونها، فتربكهم.
تخبرني موني أن إحباطات الأصدقاء والأقرباء تحدث سواء كنا مرضى أم لا، ولكن عندما يكون الإنسان مريضاً بالسرطان، أحياناً قد تكون كلمات الدعم مؤلمة أو جارحة للمريض، ليس لأن من يقولها يقصد ذلك، ولكن لأننا –كمجتمع عربي- نجد صعوبة في التعبير عن مشاعرنا أحياناً، وقد تكون نية الشخص جيدة، ولكنه لا يستطيع التعبير عن دعمه الحقيقي، وقد تكون بعض كلماته جارحة أو صادمة للمريضة.
تقول موني إنك إذا طلبت من هذا الشخص أي خدمة لن يتأخر عن تنفيذها، ولكن عندما تحتاجين إلى الدعم النفسي، وحين نذكر كلمة “سرطان”، يجد هذا الشخص صعوبة في التعبير عن مشاعره الداعمة.
وفي العموم ما تحتاجه مريضة السرطان هو المساعدة الفعلية على أرض الواقع مثل رعاية أطفال المريضة إذا كانت أماً، في حين تحصل هي على بعض من الراحة والنوم، أو مساعدتها في الأعمال المنزلية مثل التنظيف والطهي، تؤكد لي موني: “هذا ما نحتاجه بالفعل”.
هذا ما حاولت موني فعله بعد أن تعافت، وهي أن تكون مقدمة رعاية ودعم لمريضات سرطان الثدي في رحلتهن العلاجية.
ولكن موني تخبرني أيضاً أن المسألة قد تتجاوز مشكلة التعبير عن المشاعر، خاصة من جهة ردود أفعال شركاء المصابات بسرطان الثدي، إذ قد تكون تصرفات بعضهم مؤلمة أو صادمة.
تذكر موني زوجاً ترك زوجته ظناً منه أن مرض السرطان يسبب العدوى، وشريك آخر تخلى عن شريكته المصابة لأن “الشيلة تقيلة عليه”.
مواجهة مرض السرطان رحلة مرهقة قد لا يقدر البعض على خوضها، ولكن موني تضيف: “هذا ليس معناه أن كل الرجال يتركون شريكاتهم عند إصابتها، هناك رجال يقدمون دعماً كبيراً لشريكاتهم، حتى أنني شهدت بعض الرجال في مصر يحلقون شعرهم مع شريكتهم أثناء خضوعها للعلاج الكيماوي الذي يتسبب في سقوط الشعر”.
أما عنها، فتقول لي إنها خلال رحلتها، وبعد فترة من بدء علاجها الكيماوي، لم يعد أمامها الوقت لتفكر في من تخلى عنها وإلقاء اللوم عليه، إذ تحتاج المريضة إلى التركيز في التعافي وتجنب أي مشاعر سلبية. كانت والدة موني وأخيها وزميلها في العمل موجودين إلى جانبها خلال رحلة العلاج، وكان هذا كافياً بالنسبة لها.
الخدمات الطبية والحقيقة المُرَّة
“المال هو الإجابة فيما يخص الخدمات الطبية”، إذا كان مع المريضة الأموال الكافية التي توفر لها جميع خطوات العلاج وأفضلها، وقتها سيكون التعامل مع الخدمات الطبية تجربة جيدة، ولكن إذا كانت المريضة لا تملك القدر الكافي من المال المخصص للعلاج سيكون التعامل مع الخدمات الطبية مؤلماً وصعباً، وقد لا تستطيع مريضة سرطان الثدي إجراء جميع الخطوات التي تساعدها على الشفاء، وهنا تؤكد موني على ضرورة التكافل الاجتماعي.
في المقابل نجد “حقيقة مُرة” واختباراً قاسياً قد تواجهه المرأة والأسرة، فإذا كانت حالة المرأة ميئوس منها، يلوح سؤال في الأفق: “لماذا ننفق كل تلك الأموال بينما يمكن للمرأة أن تتركها لعائلتها بعد وفاتها؟”
تؤكد لي موني أن نساء كثيرات لجأن إلى هذا الخيار ولم يكملن رحلة العلاج، إذ يُعتَبَر الأمل مفقوداً في حالتهن.
بالنسبة للعلاقة مع الأطباء تؤكد موني أن المريضة تحتاج منهم إلى الصراحة، والمشكلة أن بعض الأطباء لا يصارحون مرضاهم بالحقائق الصادمة، فقد يكون الطبيب على دراية تامة بموعد تساقط الشعر ومعدله ولكنه لا يخبر المريضة، ولا يُعِدّ كل الأطباء مرضاهم نفسياً لتقبل الحوادث المؤلمة، وقد يعطونها أملاً زائفاً، أو لا يجيبون على أسئلتها بوضوح.
وقد شهدت موني واقعة لسيدة متقدمة في العمر أحضرتها أسرتها لجلسة علاج كيماوي دون إخبارها بحقيقة الأمر، وأخبروها أن ما ستتلقاه مجرد فيتامينات، وهذا جعلها غير مستعدة للأعراض الجانبية المؤلمة للعلاج مما أصابها بالذعر.
الصراحة في هذه الظروف أفضل كثيراً لإعداد مريضة السرطان نفسياً لما ستواجهه، حتى لو كانت الصراحة تعني إخبار المريضة أنها لن تبقى سوى شهور معدودة: “لأنها قد ترغب في توديع من تحبهم، أو الانتهاء من عدة أعمال ملحة، أو أداء أعمال خيرية”.
تخبر موني كل مريضة سرطان ثدي أنها ستقف دائماً أمام خيارات صعبة، على سبيل المثال خيَّرها الطبيب بين جلسات العلاج الكيماوي المكثفة، والتي ستكون مؤلمة ومرهقة ولكنها مضمونة النتائج، وبين الجلسات المتباعدة الأقل وطأة على جسدها. في هذه الحالة اختارت موني الاختيار الأصعب، لأنها بدأت الرحلة بغرض التعافي. ولكن على كل مريضة أن تقيِّم الخيارات لاتخاذ القرار المناسب لها.
وانا اقرأ المقال شعرت…
وانا اقرأ المقال شعرت بمعاناه مرضى السرطان معاناتهم جدا كبيره ، وهذا المقال اعتبره بحد ذاته دعم معنوي لمرضى السرطان .
اشكرك جزيلا يا استاذه اميره…
اشكرك جزيلا يا استاذه اميره حسن الدسوقي على هذا المقال الجميل والراءع ?