سرطان الثدي والتغطية الصحية المتاحة للمرضى
تعد أمراض الأورام واحدة من أكثر الأمراض صعوبة وأثقلها هماً على المصابين/ات بها.
فإلى جانب الألم الجسدي الذي ي/تتحمله المصابون/ات أثناء رحلة العلاج بمراحلها المختلفة، هناك نوع آخر من المعاناة ي/تعرفها غالبية المصابين/ات، وهي: المعاناة المالية الناتجة عن ارتفاع تكلفة الفحوصات اللازمة للتشخيص وارتفاع تكلفة العلاج في مراحله المختلفة. فضلاً عن تكلفة الانتقالات لتلقي العلاج التي تعد عبئاً في بعض الأوقات على كثير من المرضى المضطرين/ات للتنقل من مدينة لأخرى، حيثُ تتركز الخدمات والتخصصات في أماكن ومحافظات معينة دوناً عن غيرها، مما يستدعي سفر المريض/ة لمسافات بعيدة لإجراء الجراحات او حتى الفحوصات المطلوبة نظراً لعدم جاهزية المستشفيات في المحافظة التابع لها واقتصار دورها في على تكرار العلاج فقط.
كما يعتبر سرطان الثدي من أكثر أنواع الأورام انتشاراً، حيثُ سجلت منظمة الصحة العالمية في عام ٢٠٢٠ حوالي ٢,٣ مليون إصابة بالمرض حول العالم، أما في مصر فتشير التقارير في عام ٢٠٢٠ إلى تسجيل ما يقرب من ٢٢,٧٠٠ حالة بسرطان الثدي كأكثر أنواع الأورام انتشاراً بنسبة ٣٨.٨ ٪ من إجمالي مرضى السرطان.
وحتى نكون أكثر وضوحاً يمكننا اعتبار أن تلك الأرقام تمثل عدد من اكتشفوا بالفعل إصابتهن بالمرض، الأمر الذي يجعلنا نتناول هذا الملف الهام لاكتشاف ما هي الخدمات الحكومية/ الرسمية المقدمة لمريضات سرطان الثدي التي تضمن التغطية الصحية الشاملة لهن، ولضمان عدم وقوعهن في الفقر نتيجة المرض. ونتحدث هنا عن النساء باعتبارهن الفئة الأكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي بنسبة تتجاوز ٩٩٪ من إجمالي المرضى.
أرقام وإحصائيات
إذا كانت الإحصاءات الرسمية تشير إلى شمول حوالي ٦٠٪ من المصريين/ات من الانتفاع بالتغطية الصحية التأمينية، فهذا لا يعني بالضرورة ضمان الحماية الاجتماعية المنشودة وذلك لعدة أسباب:
- المنتفعون الفعليون من التأمين الصحي لا يتجاوزون ٢٠٪ من إجمالي المنتفعين
- ٨ ٪ فقط هي نسبة السيدات المنتفعات بخدمات التأمين الصحي (طبقاً للمسح الصحي السكاني المصري، ٢٠١٤)
- كثرة الإجراءات البيروقراطية في مراحل الاشتراك والتحويل للحصول على الخدمات الصحية
- تدني مستوى الخدمات المقدمة داخل منظومة التأمين الصحي، وعدم قدرة هذه المنظومة على استيعاب كل احتياجات المنتفعين/ات
- غياب المعرفة بوجود نظم تغطية صحية للعديد من الفئات مثل المرأة المعيلة
إضافة لذلك، في إحصائية هامة من المسح الصحي السكاني المصري لعام ٢٠١٤، والتي تناولت أكثر العوامل التي تمنع السيدات من تلقي خدمات الرعاية الصحية، بلغت نسبة نقص الأدوية العامل الأكبر بنسبة ٥٤٪، وبعدها عدم وجود متخصصين في تقديم الخدمات الصحية بنسبة ٤٨٪.
في دراسة أجرتها جامعة عين شمس بالتعاون مع مستشفى بهية على حوالي ٧٠٤ سيدة مصرية، أفادت بأن ٦٩ ٪ منهن ليس لديهن أي معلومات عن سرطان الثدي وطرق اكتشافه أو العلاج منه.
وعلى الرغم من أن الإصابة بسرطان الثدي يعد أكثر أنواع الأورام انتشاراً في مصر، فإنه يعد أيضاً أكثر الأورام من حيث نسبة الشفاء والتعافي منه حيث تتراوح النسبة ما بين (٩٠:٩٩) ٪. ويرتبط ذلك بمدى قدرة المريضة على الإكتشاف المبكر للمرض قبل انتشاره لذلك من المهم الحديث عن التدابير اللازمة لحدوث ذلك .
على المستوى العملي يمكن أن تتمثل الحماية الاجتماعية من سرطان الثدي فيما يلي:
اولاً: التدابير الوقائية لعدم الإصابة بالمرض
ثانيا: الكشف المبكر عن المرض
ثالثا: إتاحة الأدوية وكافة طرق العلاج الطبية كالعمليات الجراحية
رابعًا: الرعاية التلطيفية والنفسية والتجميلية. والرعاية التلطيفية تشمل علاج الألم أو رعاية نهاية العمر والتي عادةً ما تُقَدَم للحالات ذات نسب الشفاء الضعيفة.
من الناحية الطبية فهناك العديد من العوامل التي تزيد من فرصة الإصابة بسرطان الثدي، منها: وجود تاريخ مرضي في العائلة، زيادة الوزن أو السمنة، التدخين وشرب الكحوليات.
كما أن هناك بعض الطرق للكشف المبكر عن وجود أي أورام أو كتل أو تغيرات في الثدي. منها: الفحص الذاتي للثدي وملاحظة وجود تغيرات في لون الجلد أو وجود تورم في الثدي أو ظهور بعض الإفرازات غير الطبيعية عند الضغط على الحلمات، والفحص الإشعاعي الذي يقدم داخل الوحدات الطبية تحت إشراف الطبيب/ة بعد السماع للأعراض والتاريخ المرضي للحالة.
وبناء على كل ذلك تختلف طرق العلاج حسب احتياج كل حالة بعد الجراحة إما من خلال العلاج الكيماوي أو الإشعاعي أو الهرموني.
النظم الصحية المقدمة لمريضات سرطان الثدي
يعد الغرض من وجود أي نظام صحي هو توفير مظلة الحماية الاجتماعية للمريض/ة. المقصود بالتغطية الصحية الشاملة هو أن يكون لجميع الناس الحق في الحصول على الخدمات الصحية التي يحتاجونها بدون تحمل عبء مادي يفوق قدراتهم/ن، على أن يشمل ذلك الخدمات العلاجية والوقائية والتأهيلية و التلطيفية .
وفي هذا السياق يمكننا الحديث عن أكثر من نظام تقدمه الدولة في محاولة توفير تلك المظلة لمريضات سرطان الثدي من خلال الهيئة العامة للتأمين الصحي أو برنامج العلاج على نفقة الدولة.
أولاً، الهيئة العامة للتأمين الصحي:
يقدم التأمين الصحي خدماته للمشتركين/ات فيه، فهو يشمل فئات مثل ( المواليد – طلبة المدارس – موظفي القطاع الخاص والعام والحكومي – المرأة المعيلة – الفلاحين – المعاشات )
تختلف خطوات الاشتراك بين الفئة والأخرى حسب الجهة التابع/ة لها المنتفع/ة، ولكن يتم تقديم نفس الخدمة من خلال مراكز تقديم الخدمة من العيادات والمستشفيات التابعة للهيئة او الجهات المتعاقَد معها من جانب الهيئة .
تقدم خدمات الكشف المبدئي داخل عيادات الأورام المختلفة حسب المنطقة التابع لها محل العمل، أو السكن في حالات المعاشات. ومنها يتم التحويل إلى المستشفى التابع لها المنتفع/ة لإجراء الفحوصات المتقدمة والجراحات.
في ٢٠١٩ وبالتزامن مع حملة صحة المرأة للكشف المبكر عن سرطان الثدي، أعلنت الهيئة العامة للتأمين الصحي عن حملة للكشف المبكر عن سرطان الثدي للسيدات. حيث يتم حجز موعد عن طريق الاتصال بالخط الساخن التابع للتأمين الصحي (١٠٦) لإجراء الفحص ومن ثم اتخاذ باقي الإجراءات حسب احتياج كل حالة.
يقدم التأمين الصحي خدمات الكشف والفحوصات والعلاج الدوائي والجراحي بالمجان، بالإضافة للمتابعة الدورية التي ي/تحتاجها المريض/ة داخل العيادات. وتم تخصيص رقم (١٠٦) لاستقبال الشكاوى المتعلقة بالخدمة .
أبرز السلبيات ( تجارب واقعية )
- ضعف الموارد: ربما يقدم التأمين الصحي خدمات طبية جيدة فيما يخص تطور وسائل العلاج أو الكفاءات الطبية المميزة، لكن تظل المشكلة الأكبر في ضعف الموارد والتجهيزات في أماكن تقديم الخدمة نسبة إلى عدد المنتفعين. يؤثر ذلك بشكل مباشر على جودة الخدمة، ويجعل الفئة الأكبر من المنتفعين/ات يرفضون/ن التوجه للتأمين الصحي إذا لزم الأمر. ويكون البديل دائما إما المؤسسات الخيرية أو تحمل النفقات من الجيب الخاص للمواطن أو الاقتراض للعلاج داخل مؤسسات خاصة.
- عدم تغطية كل المحافظات: لا يمتلك التأمين الصحي القدرة على تغطية كل المحافظات بسبب نقص الموارد البشرية والمستلزمات الطبية للمستشفيات، ولذلك يضطر للتعاقد مع مستشفيات تابعة لوزارة الصحة كمعاهد الأورام في المحافظات الموجودة خارج القاهرة. وفي أحيانٍ أخرى يتم تحويل المرضى إلى القاهرة لإجراء الفحوصات أو العمليات الكبرى
- بيروقراطية مفرطة: من أكثر عيوب منظومة التأمين الصحي هي كثرة الإجراءات البيروقراطية، خاصة في مراحل التسجيل والتحويل التي لا تتناسب مع احتياجات المواطنين/ات الطبية الضرورية وتجعل المريض/ة ت/يشعر بالعجز أثناء الحصول على الخدمة وقد لا ت/يستكمل تلك الإجراءات بسبب صعوبتها.
- تعامل غير احترافي: يفتقر الكثير من الموظفين/ات داخل الهيئة العامة للتأمين الصحي إلى أساسيات ومهارات التواصل والتعامل مع المرضى، حيث لا يتم الإفصاح عن المعلومات بشكل كامل، كما يشتكي العديد من المرضى من سوء المعاملة خاصة داخل العيادات والمناطق الطبية المركزية.
- غياب التوعية: لا يعلم الكثير من المواطنين/ات عن الخدمات التي يقدمها التأمين الصحي في الكثير من التخصصات على الرغم من أهميتها، بل لا يعلم الكثير كما ذكرنا من قبل بأحقيتهم/ن في التغطية الصحية من الأساس.
- صعوبة الوصول للمعلومات: عدم وجود معلومات واضحة عن مواعيد العيادات أو توفر دواء محدد من خلال الخط الساخن أو المنصات الإلكترونية للتوعية بخدمات التأمين الصحي في العموم.
- غياب بعض الخدمات: لا يقدم التأمين الصحي خدمات الصحة النفسية للمنتفعين/ات على الرغم من الحاجة الشديدة لذلك، ولا تقدم مستشفيات وزارة الصحة سوى خدمات الكشف فقط للمواطنين/ات دون تغطية الأدوية التي تكلف الكثير.
ثانيا: برنامج العلاج على نفقة الدولة
- تقدم خدمات العلاج على نفقة الدولة لمن لا تشملهم التغطية التأمينية، بشرط أن تكون جنسية المريض/ة مصري/ة أو يتم معاملته معاملة المصريين وغير قادر/ة على تحمل تكلفة العلاج. ولا يطلب من المرضى سوى صورة البطاقة أو الهوية وإثبات عدم تغطيته/ا تأمينياً بواسطة الهيئة العامة للتأمين الصحي .
- تقدم خدمات فحص وعلاج مرضى سرطان الثدي في المستشفيات الجامعية والحكومية والمعاهد المتخصصة كمعهد الأورام، من خلال عيادات الأورام اليومية والتي تقدم خدماتها من حوالي الساعة الثامنة صباحاً يوميا ما عدا الجمعة.
- يقوم الفريق الطبي بفحص المرضى وتحديد الفحوصات اللازمة واستخراج قرار للعلاج على نفقة الدولة من خلال لجنة ثلاثية داخل العيادة. يشمل هذا القرار التدخل الجراحي والدوائي والفحوصات المطلوبة.
- تقدم الجراحات التجميلية في المستشفيات الجامعية عند الحاجة الضرورية حسب تقدير الطبيب/ة، ويكون ذلك إما داخل قرار العلاج على نفقة الدولة أو بمبالغ رمزية تتحملها المريضة.
- كما تقدم خدمات الرعاية التلطيفية من خلال عيادات الألم إذا احتاجت المريض/ة ذلك بناءً على تشخيص الطبيب/ة.
- الفريق الطبي لديه القدرة على تحويل الحالة إلى عيادات الصحة النفسية عند الحاجة فقط حسب تقدير الطبيب/ة.
أبرز السلبيات :
- الضغط الشديد على موارد المستشفيات لعدم توفر كل الخدمات والأجهزة في كل المحافظات والمناطق.
- وجود قوائم انتظار طويلة بعض الشئ والتي قد تعطل الحصول على الخدمات بشكل سريع.
- عدم وجود جهات فعالة معلنة للشكاوى تابعة لوزارة الصحة.
- غياب مصادر توعية المواطنين بالبرامج المختلفة ومواعيد العيادات.
ثالثا: مبادرة صحة المرأة المصرية (حملة الكشف المبكر عن سرطان الثدي)
في عام ٢٠١٩ أطلقت الدولة المصرية حملتها القومية لمواجهة سرطان الثدي، من خلال تدشين مبادرة صحة المرأة المصرية والتي تقوم بالكشف المبكر عن سرطان الثدي. وبدأت الحملة فعالياتها من خلال التوعية عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ثم التواجد الميداني بعربات مجهزة للكشف في مناطق مختلفة، ثم التواجد الثابت داخل الوحدات الصحية. وقد خصصت المبادرة رقم ١٥٣٣٥ كخط ساخن للاستفسارت عن أماكن وجود الفحص المناسب للمنتفعين/ات .
مما لا شك فيه أن تلك المبادرة ساعدت بشكل كبير في معالجة بعض السلبيات التي قمنا بذكرها مسبقاً، حيث خففت الحمل عن عيادات الكشف المبدئي داخل المستشفيات وأصبح التحويل يتم بشكل أسهل وأسرع من جانب الوحدة الصحية مباشرة الى مستشفيات التأمين الصحي أو المستشفيات الحكومية والجامعية، حسب التغطية الصحية المخصصة لكل مريضة. فإذا لم تكن المريضة مُسجلة في التأمين الصحي، يتم تحويلها إلى العلاج على نفقة الدولة بناءً على محل سكنها.
ساعدت الحملة أيضا في خفض نسبة السيدات اللاتي تم تشخيصهن بسرطان الثدي في مراحل متأخرة لتصبح حوالي ٢٩ ٪ فقط بدلاً من ٥٩ ٪ قبل عام ٢٠١٨، وبالتأكيد فإن اكتشاف المرض في المراحل المبكرة منه يجعل التدخلات الجراحية والدوائية أقل تكلفة وألماً على المرضى والدولة على حد سواء، ويقلل أيضاً من مضاعفات المرض بنسبة كبيرة .
تحديات وحلول:
لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار الجهود والتطورات التي تمت في تخصص سرطان الثدي تحديداً في السنوات الأخيرة على مستوى التوعية أو اتخاذ خطوات جادة للفحص والعلاج، نتحدث هنا فقط عن بعض التحديات والأمور التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لضمان تقديم خدمات أشمل تستهدف الفئات الأولى بالرعاية.
- التوسع في حملات التوعية الوقائية من سرطان الثدي وأساليب الاكتشاف والفحص الذاتي والكشف المبكر والاهتمام بمصادر أخرى للتوعية مناسبة لكل الفئات. وعلى سبيل المثال، يمكن حدوث ذلك من خلال التنسيق بين وزارة الصحة وجهات العمل المختلفة وتنفيذ أنشطة التوعية داخل مؤسسات العمل، أو من خلال التواصل مع الجمعيات الأهلية داخل المناطق النائية والريفية لتنفيذ نفس جلسات التوعية المتعلقة بطرق الوقاية والكشف المبكر.
- التوعية بالتغطية الصحية المستحقة للمواطنين/ات والاشتراك المسبق بها بغض النظر عن الحالة المرضية للمنتفع/ة، حيثُ يوفر ذلك الكثير من الوقت والمال الذي يمكن أن ي/تتحمله المواطن/ة قبل الاشتراك في التغطية.
- المتابعة والتقييم الدوري لأماكن تقديم الخدمة سواء الوحدات الصحية أو المستشفيات والعيادات المختلفة للتأكد من تقديم الخدمة بشكل صحيح وعدم تعطل الأجهزة على سبيل المثال.
- الاهتمام بالتدريبات المستمرة للعاملين/ات على تقديم الخدمات الصحية بشكل عام وخدمات مرضى الأورام بشكل خاص لضمان التعامل الاحترافي والمهني مع المرضى.
- الاستعانة بتقييم تجارب المرضى للوقوف على أبرز إيجابيات وسلبيات الخدمة وتحسينها بناءً على الاحتياجات الحقيقية للمنتفعين/ات.
- ضرورة الاهتمام بملف الصحة النفسية باعتباره أولوية مصاحبة للتعرض لأمراض مثل سرطان الثدي وعدم النظر للتخصص باعتباره تخصص ثانوي أو ترفيهي.
- ضرورة التسجيل الإلكتروني للمرضى وعمل قواعد بيانات يمكن الاعتماد عليها لمعرفة مدى انتشار المرض في مناطق معينة عن غيرها للاعتماد عليها في الأبحاث وأوراق السياسات المهتمة بذلك الملف. كذلك من المهم تخصيص الموارد اللازمة لذلك.
كريم طارق: باحث متخصص في ملف إتاحة خدمات التغطية الصحية الشاملة – شركة شمسية لإدارة الأنظمة الصحية.