ثقافة الاعتذار
Shutterstock

أنت مدين/ة لي بالاعتذار

ثقافة الاعتذار تغيب عن مجتمعاتنا، وتتسبب في العديد من المشكلات في العلاقات، اعرف/ي سبب تهرب بعض الناس من الاعتذار، وكيف نتصرف إذا لم يعتذر الطرف الآخر.

أتذكر جيداً كل المرات التي اعتذر لي فيها أحدهم عن خطأ ارتكبه، ربما أتذكرها لأنها نادرة، لأن ثقافة الاعتذار غائبة عن مجتمعاتنا، وخاصة في العلاقات بين الشركاء.

وحين أتحدث عن ثقافة الاعتذار لا أعني أن يعتذر الرجل فقط على خطأ ارتكبه تجاه شريكته، لأن الجنسين يعانيان من افتقاد هذه الثقافة، ما يؤدي إلى شروخ مستمرة في العلاقة.

يتحدد مدى تأثير غياب الاعتذار من خلال عدة معايير، منها معدل تكرار عدم الاعتذار، وعمق العلاقة بين الطرفين، وحجم الأذى الذي تسبب فيه الطرف المخطئ.

كلما كان غياب الاعتذار دائماً ومكرراً في العلاقة، مع عدم الاعتراف بالخطأ، يصير الأمر مجهداً جداً، وقد يؤدي لمشاكل كبيرة في العلاقة، قد يتسبب في إنهائها بشكل مأساوي.

وبالطبع يعتبر عمق العلاقة عاملاً في الأمر، ويؤثر على الوقت الذي نحتاجه لتجاوز الموقف، فموقفي من السيدة التي صدمت سيارتي منذ شهور بلا مبالاة، ولم تلتفت للأمر رغم الأضرار التي تسببت فيها، يختلف عن موقفي من صديقة جرحتني بشدة ولم تلتفت أو تعتذر.

على الرغم من شعوري بالغضب من الموقفين، إلا أن موقف السيارة لم يؤثر فيَّ سوى ساعات معدودة، في حين أرَّقني الموقف الآخر لشهور.

وكلما كان حجم الأذى الذي تعرض له الشخص كبيراً ولم يقم الشخص المؤذي بالاعتذار كان تأثير ذلك كبيراً على الفرد، وربما يصعب عليه تجاوزه.

وفي مقال مهم نشر عن الأسباب التي تدفع أحد الاشخاص إلى عدم الاعتذار عَرَض جاي وينش، أحد الباحثين النفسيين الأمريكان، في مقال له بموقع Psychology Today، خمسة أسباب قد تدفع الشخص إلى عدم الاعتذار، وسوف نوجزهم هنا.

 

1. الشعور بالتهديد

 

أول هذه الأسباب هو الشعور بالتهديد الشديد تجاه صورة المخطئ عن نفسه.

يشعر الشخص الذي لا يعتذر بأن ارتكاب فعل سيء معناه أنه هو شخصياً سيء، ولا يستطيع الفصل بين كونه ارتكب فعلاً خاطئاً وأنه شخص مخطئ وسيء، وبالتالي يجد صعوبة شديدة في الاعتراف بالخطأ، وبالتالي لا يعتذر عن الخطأ لأنه غير مقتنع بأنه اقترفه.

أذكر شخصاً كان يحكى لي عن زوجته التي ترى نفسها دائماً على صواب، وأنها كثيراً ما تجرحه، وهي مقتنعة تماماً أنها لا تفعل ذلك.

الاعتذار
shutterstock

ولا يتذكر في تاريخ علاقتهما الطويل أنها اعتذرت له عن كلام جارح تلفظت به، مما يشعره بالغضب الشديد منها.

 

2. الشعور بالعار

 

السبب الثاني هو الشعور بالعار، فإذا كان معظم الاشخاص يشعرون بالذنب عندما يخطئون، ومن ثم يتجاوزون ذلك الشعور ويبادرون بالاعتذار فينتهي الأمر، فإن الاشخاص غير المعتذرين يشعرون بالعار الشديد من جراء الخطأ، ولكي يتجنبوا الإحساس بهذه المشاعر المخزية ينكرون تماماً أنهم قد تسببوا في أي مشكلة.

وأتذكر هنا مشاركة سيدة جاءت إلى العيادة راغبة في الانفصال من زوجها، الذي يرى نفسه ويراه الآخرون “راعياً جيداً”، فهو يلبي كل طلباتها المادية، وينفق جيداً على أبنائه وبيته.

لكنه يسمم العلاقة معها بتجاهل احتياجات نفسية أساسية لديها، ويمارس تصرفات تهينها ولا يعترف أبداً أنه أهانها أو يعتذر، هو يشعر بالعار من فكرة إهانة الرجل لشريكته، ويتغافل عن فكرة أنه يمارس ذلك بنفسه.

 

3. الخوف الشديد

 

السبب الثالث الذي يمنع الأشخاص من الاعتذار هو الخوف الشديد من الاتهامات، فقبول الفرد الاعتذار يعنى أنه أخطأ، وهؤلاء الاشخاص لديهم خوف شديد على ذواتهم من أن تجري مواجهتهم ويُفتح تاريخهم القديم من الأخطاء.

لديهم فكرة سلبية تقول “من يخطئ مرة سيخطئ في كل مرة”.

بالتالي يتصرف بأسلوب “أنا لم أخطئ في حقك أبداً حتى أعتذر”.

 

4. التورط وحيداً

 

السبب الرابع هو الخوف من إعفاء الطرف الآخر من المسؤولية، بمعنى أن رضوخي للاعتذار قد يعني ضمنياً تورطي وحدي في تحمل المسؤولية وبالتالي رفع المسؤولية عنك تماماً.

نجد هذا كثيراً في الخلافات الزوجية، أي محاولة إلقاء اللوم على الطرف الآخر، وكونه هو السبب الرئيسي في حدوث المشكلة.

في هذه الحالات يتعامل كل طرف على أنه الضحية، وينتظر من الآخر الاعتذار الذي لن يأتي أبداً.

على سبيل المثال، كثيراً ما يبرر الرجل عنفه ضد المرأة بأنها من دفعته إلى ذلك، وأن طريقتها في المناقشة استفزته.

لا يضع المعنِّف في ذهنه أن له دوراً في إدارة غضبه، وأنه المسؤول عن الطريقة التي يعبر بها عن هذا الغضب.

الاعتذار
الاعتذار

الكثير من المعنِّفين لا يعتذرون عن العنف الصادر منهم، وينتظرون من الطرف الآخر الاعتذار عن الطريقة التي تفاعلوا بها، وتعاطوا من خلالها على العنف الصادر ضدهم.

 

5. الحماية الذاتية

 

السبب الخامس هو حماية المخطئ لنفسه من التورط العاطفي، فعدم اعتذاره يضعه في مسافة بعيدة وآمنة عن الشخص الذي قام بإيذائه، ويسمح له بالتعبير عن الغضب الذي يحميه من التورط الانفعالي، ويعزز من كونه ضحية.

لكن الاعتذار قد يخلع كل الأقنعة، ويجعل المخطئ مكشوفاً أمام الضحية، ويقلل من فرص اعتذار الضحية له.

وهو ما يحدث بكثرة في الخلافات الزوجية، عندما يغضب المخطئ بشكل مبالغ فيه ويحاول الطرف الآخر استرضاءه للحفاظ على العلاقة.

ومثل هذا النوع من العلاقات يستنزف الضحية، ويصبح الخيار إما إنهاء العلاقة، أو الشعور بالضغط النفسي المتزايد الذي يؤذى صاحبه، وقد يساهم في إنهاء العلاقة بشكل مأساوي أيضاً.

في الحقيقة مهما كانت أسباب الشخص الذي لا يعتذر ودوافعه، إلا أن الضحية لها دور مهم في الإعلان عن غضبها بالشكل المناسب، وعدم قبول ذلك.

لأن الصمت وتقبل عدم الاعتذار سيدفع هذا الشخص إلى الاستمرار في تصرفاته، ومن ثم الاستمرار في إيذاء الضحية.

يجب أن نعلم أن في كل مرة نسامح فيها الشخص المخطئ ونمد الخد الأيسر لتلقى الصفعة ونقبل التعنت وعدم الاعتذار، سيؤدي ذلك إلى الاستمرار في السلوك الخاطئ والتشجيع عليه.

في حين أن إعلان الغضب الصحي وإيقاف الشخص عند حدوده يعنى وجود أمل في التغيير.

لا يتغير الأشخاص إلا عندما يجنون كماً من الخسائر غير المحتملة في علاقاتهم، هنا فقط يضطرون إلى تعديل سلوكهم.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (1)

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات