التلاعب في العلاقات

مراحل التلاعب في العلاقة المؤذية

الوعي بالأساليب التي يمارسها الشريك/ة المؤذي/ة يساعدنا مبكراً على معرفة أن هذه العلاقة غير مناسبة لنا، ويساعدنا أيضاً على التعافي من هذه العلاقة.

“أنا حاسس إني في علاقة توكسيك”
“الإكس كان بيتلاعب بيا”
“كل صحابي شايفينها علاقة مؤذية”


أغلبنا يألف هذه الجمل. قرأناها على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، سواء عند الأصدقاء أو المحيطين أو حتى أعضاء مجموعات الحكي أثناء تحدثهم عن علاقة حالية أو سابقة.

من المؤكد أن كثيراً منا اختبر تجربة علاقة مؤذية أو ضاغطة في سياق الحب أو الصداقات أو الأسرة، وسواء أدركنا ذلك حينها أو لم ندرك.

لا يمكننا أن نلقي كل صور العلاقات المؤذية في سلة واحدة، نظراً لكونها تتنوع في خطورتها وفي آثارها السلبية، إذ أن بعض تلك العلاقات تحتوي على إساءات نفسية كالابتزاز العاطفي، والبعض يشمل الخيانة أو تشويه السمعة أو العنف، وقد يصل بعضها إلى الاغتصاب أو القتل.

لا يوجد نموذج واحد للمشاعر التي يختبرها الشخص خلال العلاقة المؤذية أو الأفكار التي تهيمن على عقله، إذ أن التجربة تكون شخصية تماماً. ومع ذلك يمكن العثور على عناصر مشتركة في مختلف العلاقات المؤذية، يمكن أن نعتبرها مؤشراً رئيسياً على حدوث الاستغلال والإساءة.

ولكن قبل الحديث عن تلك العناصر، علينا أن نطرح هذا السؤال أولاً: لماذا لا نستشعر الخطر وقت حدوث التلاعب؟

التلاعب ليس حكراً على العلاقات العاطفية، ولا على الشريك/ة العاطفي/ة المستغل/ة. التلاعب هو في الأساس فعل الاحتيال على كائن ما بهدف السيطرة عليه/ا وتغيير سلوكه/ا لتحقيق غرض ما عند المستغل/ة. والتلاعب أسلوب تستخدمه مختلف الكائنات الحية للإيقاع بفرائسها أو للفرار من المخاطر.

بالنظر إلى تعريف التلاعب نجد أن أغلبنا اختبره في الطفولة المبكرة والمراهقة. يسعى عادةً الوالدان أو القائمون برعايتنا إلى تغيير سلوكياتنا باستخدام وسائل مشروعة مثل الثواب والعقاب والاستحسان والاستنكار لدفعنا للقيام بسلوكيات جيدة. ولكنهم قد يمارسوا أيضاً التلاعب كوسيلة، اعتقاداً منهم في جدواه في السيطرة على الأمور وبالتالي دفعنا للقيام بسلوكيات مقبولة في السياق المجتمعي، مما يولد استعداداً لقبول التلاعب والتصالح معه.

وفي حال تكرار الوالدين للعقاب والاستنكار تتكون لدى الشخص مفاهيم مشوهة عن الحب والعلاقات تشبه خبراته عن علاقات الحب الأولى في حياته.

جميعنا اختبرنا التلاعب خلال مراحل التربية، لذلك من المحتمل ألا نميزه فور حدوثه، نظراً لأننا قد تعايشنا مع إحدى صوره لفترة، لذا يجب أن نلتمس لأنفسنا العذر إن تعرضنا له، لكن يمكننا العمل على زيادة وعينا بالتلاعب وعلامات تعرضنا له لنتمكن من التعرف عليه عند حدوثه.


علاقات مؤذية

الحب المتفجر Love Bombing

يعتبر الحب الجارف المفرط أول مرحلة من مراحل التلاعب، وعادةً ما تبدأ هذه المرحلة بعد التعارف مباشرةً، إذ يدخل الشخص المؤذي حياة الشريك/ة وتتركز رغبته في إبهاره/ا.

وعادةً ما يبدي الشريك/ة المتلاعب/ة اهتماماً ومشاعر تبدو مبالغة بقدر كبير بالنسبة لعلاقة حديثة.

يفعل المتلاعب/ة ذلك بذكاء كبير، من خلال فهم شخصية الشريك/ة وعواطفه/ا واحتياجاته/ا، وأيضاً نقاط ضعفه/ا ومخاوفه/ا، ويستغل تلك المعلومات في استمالة الشريك/ة ولعب دور الشخص الكامل الذي يوفر له/ا كل احتياجاته/ا.

 ومن بين العلامات التي ظهرت عند الكثيرين/ات من الذين اختبروا علاقات مؤذية:

  • الاستخدام المفرط للمواقع الاجتماعية، إذ أن المتلاعب/ة يعجب بأغلب محتوى صفحتك ويراسلك أغلب الوقت، ويرسل الموسيقي أو “الميمز”، حتى يصبح أكثر شخص تتواصل/ين معه/ا يومياً.
  • المقابلات بشكل متسارع، إذ ستلاحظ/ين أن الشخص دائماً مستعد/ة بل ومتفرغ/ة لمقابلتك حتى وإن كان غارقاً في مشاغل الحياة، وسيؤجل أي خطط للبقاء معك، وستلاحظ/ين أن أغلب الحديث منصب حولك أنت لاستكشافك، بينما يتحدث عن نفسه أقل منك بكثير.
  • يحاول التركيز على مزاياه/ا الإيجابية. مثلاً المبالغة في وصف إنجازاته/ا المهنية أو الدراسية أو الاهتمام بهيئته/ا لإبراز الوسامة، أو التركيز على كونه/ا شريكاً مثالياً في علاقاته السابقة. لكن ستلاحظ/ين الميل للمبالغة والمثالية في أي ميزة يختارها، أو محاولة استجداء المدح منك.
  • كثيراً ما تترافق تلك المرحلة مع تقديم الهدايا، سواء كانت غالية أو رمزية، أو المفاجآت التي تتعلق بزيارة أماكنك المفضلة، أو تنظيم خطط مفاجئة قد تتطلب تغيبك عن عملك أو دراستك بحجة المغامرة، وستلاحظ/ين أنه أصبح يشغل جزءاً كبيراً من حياتك بسرعة.
  • الإفراط في التعبير عن مشاعره/ا تجاهك، عادةً ما يكون ذلك بالغزل وكلمات الحب، إذ يقفز مراحل القرب الطبيعية بين الأشخاص ويستعجل الحميمية.
  • اختراق حدودك وتغيير نظام حياتك، بحيث تفعل/ين ما لا ترتاح/ين إلى فعله عادةً. إن كنت كتوماً سيرغب في معرفة أسرارك، وإن كنت لا تحبين التلامس أو الحميمية سيكون هذا هدفه/ا.

قد يعتقد البعض منكم/ن أن هذه العلامات قد تتواجد أيضاً في علاقات عاطفية صحية وغير مؤذية بالمرة، وهذه ملاحظة سليمة، إذ تختلف كل تجربة عن الأخرى بشكلٍ كبير، ولا تظهر كل هذه العلامات أو المراحل بالضرورة في كل العلاقات المؤذية بنفس الشكل والترتيب، بينما يكون العامل المشترك والواضح هو سرعة ظهور هذه العلامات بما لا يتسق مع حداثة العلاقة، وليس ظهور العلامات في حد ذاتها.

إحكام السيطرة


بعد اطمئنان الشخص المتلاعب/ة إلى أن الشريك/ة متعلق/ة به بشكل كبير ومعتاد/ة على وجوده/ا، يبدأ في سحب كل المميزات التي قدَّمها في المرحلة الأولي، ويتضح في المرحلة الثانية شعور الاستحقاق عند الشخص المتلاعب/ة؛ فهو/هي يستحق تحقيق رغباته/ا والتمحور حوله/ا، وتظهر صور التحكم والسيطرة علي الشريك/ة وعلي مجريات العلاقة.

التسفيه من الشريك

في هذه المرحلة يمارس الشخص المتلاعب/ة عدة سلوكيات يمكن أن نعتبرها علامات على مرحلة بدء الاستغلال:

  • التقليل من المميزات التي مدحها من قبل، سواء بالتنمر على المواصفات الشكلية أو التسفيه من الإنجازات المهنية أو الدراسية بهدف جعل الشريك/ة يشعر أنه غير كاف/ية أمام الطرف الذكي/ة المميز/ة الذي يتلاعب به.
  • قد يستخدم الشخص المتلاعب/ة العنف أو التلويح به لإرهاب الشريك/ة سواء بتهديده/ا بالضرب أو الإيذاء أو إفشاء أسرار العلاقة أو الابتزاز، وقد يهدد بإيذاء نفسه/ا ليبتز الشريك/ة عاطفياً، ويجعله/ا يشعر بالذنب، ويضطر للرضوخ بل وحتى للاعتذار.
  • تظهر السمات العقابية للشخص المتلاعب/ة عندما يمتنع الشريك/ة عن تحقيق أياً من رغباته/ا، أو يضع بعض الحدود الخاصة به/ا. هنا يبدأ الشخص بالاختفاء بهدف تأديب الشريك/ة وترويضه.
  • في كثير من العلاقات يرفض المتلاعب/ة وضع أي مسمى للعلاقة، هل هي علاقة عاطفية أم صداقة أم علاقة مبنية على الإشباع الجنسي، ويرفض الحديث حول المستقبل.
  • يميل المتلاعب/ة متعدد/ة العلاقات إلى إخفاء العلاقة، مما يتيح له أن يظهر كشخص أعزب أو عزباء حتى يمكنه/ا مواعدة نساء/رجال أخريات/ين.
  • تزوير الحقائق أو ما يُعرف بـ ” قلب الترابيزة”، إذ يُسقِط المتلاعب/ة كل تجاوزاته/ا في حق الشريك/ة عليه/ا، ويقنعه/ا أنه/ا هو/هي الشخص المتضرر/ة وبالتالي يضطر الشريك/ة الاعتذار.
  • التحجج بالتعرض لخبرات سيئة سابقة، وأنه/ا يحتاج للدعم والإصلاح، وأن على الشريك/ة تحمل مسئولية إصلاحه/ا.
  •  الميل الدائم للحديث عن المعاناة وأفكار إيذاء الذات وتضخيم مشكلاته/ا والتقليل من مشكلات الشريك/ة، بحيث يظل محور الاهتمام.
  • قد يظهر عند المتلاعب/ة الميل للكذب المرضي، ونقصد به الكذب لهدف الكذب، لا لهدف إنقاذ موقف أو الخروج من مأزق، وسوف تتضمن الكثير من الروايات استعراض كم الأشخاص المؤذيين/ات والمستغلين/ات في حياته/ا.
  • فرض الرقابة على الشريك/ة، سواء بالتجسس على مكالمات الهاتف الخاصة به/ا، أو مراقبة حساباته/ا على مواقع التواصل الاجتماعي.
  • أكثر العلامات شيوعاً للعلاقات المؤذية هي أن أغلب أفراد أسرتك وأصدقائك يتفقون على أن الشريك/ة متلاعب/ة أو مؤذي/ة.

أن يخيِّرك المتلاعب/ة بينه وبين أفراد أسرتك أو أصدقائك المقربين بمبررات أنهم يريدون تحطيم علاقتكما، أو أنهم لا يكنون لك الحب أو الاحترام، مما يؤدي إلى انعزالك عن كل المقربين والداعمين، ليتحقق هدف الشخص المؤذي بإحكام السيطرة عليك بعد خسارتك كل الأشخاص الذين كان من الممكن اللجوء إليهم للدعم وإمدادك باحتياجاتك.

الانفصال

الاستغناء والتخلي

في هذه المرحلة يؤذي المتلاعب/ة الشريك/ة بشكل بالغ حين يتخلى عنه/ا كليةً بعد تزايد فترات الاختفاء، بالإضافة إلى قطع كل قنوات التواصل، وقد يُظهر ميلاً للاستغناء عنه/ا واستبداله/ا بشريك محتمل آخر.

وقد يلجأ إلى تحميل الشريك/ة ذنب فشل العلاقة أو تشويه سمعته/ا وسط المعارف المشتركين، ليبعد احتمالية كونه/ا شخصاً متلاعباً، وينفي رواية الشريك/ة بأنه تعرض لأي انتهاك أو عنف أو استغلال أو ابتزاز خلال فترة العلاقة.

تلك المرحلة هي الأشد خطورة على الصحة النفسية لشريك/ة الشخص المتلاعب، إذ يواجه فيها الحرمان من إشباع احتياجاته/ا التي تعود/ت على إشباعها من خلال تلك العلاقة، وربما يكون قد خسر/ت أغلب علاقاته/ا الاجتماعية مع الأشخاص الموثوق بهم.

يختبر بعض الأشخاص تزايد معدلات القلق سواء من تكرار التجربة أو من التعرض للإيذاء مرة أخرى، والبعض يتعرض لتزايد المشاعر السلبية والانغماس في الحزن وقلة الثقة بالنفس والرغبة في الانعزال، وقد تراودهم نوبات التفكير المطول في الذكريات للبحث عن تفسير لتلك العلاقة أو الأذى الناتج عنها، ومن ثم لوم أنفسهم على تحمل التلاعب والاستغلال وعدم حمايتهم لأنفسهم، أو لأنهم لم يكونوا على قدرٍ كافٍ من الوعي.

كما يُظهر البعض سلوكيات كالإقبال على علاقات جديدة دون تروٍ فيما يُعرف بال“ريباوند”، والبعض يدفن مشاعره ويحاول إبقاء نفسه/ا منشغلاً للتهرب من مشاعر الحزن.

كيف أتجاوز تجربة العلاقة المؤذية؟

لا توجد وصفة سحرية تصلح لكل الأشخاص، بسبب اختلاف المشاعر والأفكار التي تنشأ بعد انتهاء علاقة مؤذية من شخص إلى آخر، وبسبب اختلاف التجارب داخل كل علاقة، ولا نغفل اختلاف ظروف الأشخاص وتكوينهم النفسي.

 لكن توجد بعض النصائح المحايدة التي عادةً ما تُجدي مع أغلب الراغبين/ات في تجاوز علاقة مؤذية:

التعافي
  • لا تخجل/ي من التعبير عن مشاعرك بالبكاء أو الحكي أو أي وسيلة تفضلها/يها، ولا تجبر/ي نفسك على العودة لروتين الحياة، أو إخفاء مشاعرك قبل تفريغ شحنات الحزن والغضب.
  • لا تفرط/ي في لوم ذاتك، لأن وعيك من عدمه لا يقلل من مسئولية المتلاعب/ة، ونحن جميعاً نتعلم من التجارب.
  • اطلب/ي الدعم من الأهل والأصدقاء الموثوق بهم، وفرِّغ/ي مشاعرك معهم، واستمد/ي منهم احتياجاتك النفسية من الأمان والتقدير والقبول.
  • جدد/ي طاقتك وخطط/ي لإجازة في مكان تحبه، أو مارس/ي أنشطة جديدة كالرياضة أو اليوجا أو الفنون، واحظ/ي ببعض السلام النفسي.
  • من المهم أن يعي الإنسان مسؤوليته حين يخوض تجارب الحياة، لكن هذا الوعي لا يعني جلد ذاتك أو إيجاد المبررات للمتلاعب/ة، بل يعني النظر إلى نفسك كشخص ناضج ناجٍ من تجربة سيئة تقع على عاتقه مسؤولية التعافي وحماية نفسه/ا من تكرار هذا النوع من التجارب، والسعي لخوض علاقات صحية.
  • طوِّر/ي مهارات وضع الحدود الشخصية، واختيار شريك/ة مناسب/ة لشخصيتك وقيمك الحياتية، وتعلم/ي كيفية تلبية احتياجاتك النفسية بشكل صحي، وكيفية وضع صحتك النفسية أولوية، ورفض الإساءات، ومن شأن ذلك أن يشعرك بالقوة والتحكم في حياتك ويكسبك الأمل.
  • ثق/ي بنفسك وقدراتك في الحكم على الأشخاص، ولا تسمح/ي لتجربة مسيئة أن تجعلك ترى/ين نفسك معرض/ة للتلاعب بشكل دائم. وتذكر/ي أنه لا تكفي علامة مثل الاهتمام الزائد لتحكم/ي بأن الشخص متلاعب/ة، بل نكتشف ذلك بعد ظهور عدة علامات بسرعة واستمرارها لفترة. علاقتك السابقة أو ما عرفته عن العلاقات المؤذية لا يعني عدم وجود علاقات صحية.
  • اعط/ي الأولوية لنفسك، واحرص/ي على راحتك وصحتك النفسية، ولا تحاول/ي إنقاذ أو إصلاح شخص مؤذٍ أو متلاعب، فأنت لست بمتخصص/ة. ولكن هنا علينا أن نتذكر وجود فارق بين الأخطاء التي يرتكبها الشركاء ومشكلات العلاقات وبين التلاعب، حيث أنه في العلاقات الصحية المخطئ/ة يعتذر عن أخطائه ويعترف بها، وقد يعبر عن استعداده لإصلاح نفسه/ا، أما المتلاعب فلا يعترف بالأخطاء ولا يسعى للإصلاح.
  • إذا لم تشعر/ي بتحسن مع مرور الوقت على انتهاء العلاقة أو لاحظت تكرار هذا النمط من العلاقات وعدم قدرتك على بناء حدودك أو تطوير علاقات صحية، أو شعرت بتزايد الحزن أو القلق أو راودتك أفكار تتعلق بإيذاء الذات، لا تتردد/ي في الذهاب إلى متخصص/ة ليساعدك في رحلة التعافي والتجاوز، لأنك تستحق/ين أن تتخلص/ي من الألم والشعور براحة البال والسلام.

مصادر

https://scholarworks.uark.edu/hdfsrsuht/1

https://www.psychologytoday.com/us/blog/communication-success/201510/14-signs-psychological-and-emotional-manipulation

https://www.psychologytoday.com/us/blog/prisons-and-pathos/202104/understanding-and-managing-psychological-manipulation

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات