“أفكر في الطلاق ولكن ماذا عن أطفالي؟”

سؤال كثيرًا ما يراود الأم أو الأب عند التفكير في الانفصال أو الطلاق، وفي بعض الأحيان يتراجع الشخص عن القرار لخوفه/ا على مستقبل الأطفال؛ فمن المؤكد أن حياة الأطفال ونشأتهم بين أبوين متفاهمين وفي عائلة مستقرة هو الأفضل دائمًا، ولكن عند استحالة توفير ذلك يصبح الطلاق هو أفضل الاختيارات المتاحة. 

نحتاج أن نتعرف أكثر على مدى تأثير الطلاق على الأطفال وكيفية تجنُب آثاره السلبية عليهم وأن نتعرف على احتياجاتهم في هذه الحالة وكيفية تلبية هذه الاحتياجات.

 أثبتت لنا الدراسات المختلفة أن الأطفال في حالة طلاق الأبوين يتعرضون إلى تحديات نفسية كثيرة، فهُم أكثر عرضة عن غيرهم للإصابة باضطرابات سلوكية مثل زيادة السلوكيات الاندفاعية وزيادة نسبة الإصابة باضطراب المسلك – Conduct Disorder (وهو اضطراب سلوكي يتصف بشكل عام بالسلوك العنيف و إيذاء الآخرين) واضطرابات نفسية مثل اضطراب التكيف – Adjustment Disorder، أو الاكتئاب أو اضطراب القلق العام.

 كما تزداد نسبة الصعوبات في التعليم بشكل عام، بالإضافة للتأثير على حياتهم في المستقبل مثل صعوبات في العلاقات المختلفة وانخفاض الثقة بالذات أو ارتفاع خطر التعرض لمشكلات تعاطي المواد المخدرة في المستقبل.

أكثر فئة عمرية تتأثر بطلاق الأبوين هي من عمر 6 لـ 12 عام، وهي مرحلة التعليم الأساسي، مما يشكل تحدي كبير أمام الأبوين الراغبين في الطلاق إن كان لديهم أطفال في هذا العمر.

والآن بعد معرفة هذه التأثيرات المختلفة، علينا معرفة  كيف نتخطاها.

مرحله ما قبل الطلاق

الحوار المفتوح ومشاركة الأطفال

لا تفاجئ أطفالك يوم الطلاق أنه سيحدث الآن وفجأة، فمن الضرورى تهيئة الطفل قبل القيام بذلك بشكل رسمي.

ومن المدهش ما ستكتشفه عند محاولتك الحديث معهم، ففي أغلب الأحيان يدرك الأطفال الخلاف بين الأبوين ومشاجراتهم التي تحدث بشكل متكرر، فهم يعرفون، رغم صغر سنهم، أن هناك خطب ما بين الكبار في المنزل. 

إذًا فدور الأبوين في هذه المرحلة هو التحدث بشكل بسيط ومفهوم يساعد أطفالهم على فهم الوضع الأُسري وما يجري حولهم. 

من الممكن استخدام عبارات مثل “نحن لا نتفق معظم الوقت علي نفس الشئ”، “لم نعد نحب نفس الأشياء كما كنا”، “نحن نفكر ألا نصبح زوجين ولكن سنحاول أن نبقى أصدقاء يعيش كل منا في منزل منفصل حتى نبقى جميعًا سعداء”.

حاولوا دائمًا استخدام لغة بسيطة يفهمها أطفالكم وأعطوا إجابات على أسئلتهم وتأكدوا أنهم قد فهموا ما تقولون واسألوهم عن ما يشعرون به تجاه ذلك وعن توقعاتهم عن التغيير القادم في حياة الأسرة.

تذكر/ي أن شريكك هو أب/أم لطفلك 

يسأل الأطفال أحيانًا من السبب في الطلاق و من هو المخطئ؟

لا داعي لإدخال الأطفال في تفاصيل الخلافات أو التحدث بشكل سلبي عن أحد الأبوين أو محاولة كسب الأطفال في صف أحدكم؛ فالحفاظ على صورة الأبوين الجيدة أمام أطفالهم هو مسؤولية جميع أفراد الأسرة.

احرصوا دائمًا أن تكون الخلافات والشجارات بعيدة عن أطفالكم، ولا تعبروا عن حزنكم أو غضبكم من الآخر أمامهم، فأطفالكم ليسوا أصدقائكم، لذلك ليس من المفترض أن تشاركوا معهم المشاعر السلبية التي تشعرون بها تجاه بعضكم البعض.

مرحله الطلاق

الضغط النفسي واقع على الجميع

في هذه المرحلة يعاني الطرفان من الضغط النفسي الشديد ويشكل دعم الأطفال أو التفكير فيهم تحدي لكلا الطرفين.

تذكروا أن أطفالكم يشعرون بالضغط النفسي بشكل مماثل ولكنهم يعبرون عنه بشكل مختلف. 

من المهم التأكيد، قولًا وفعلًا، أنكم ستبقون بجانبهم وستحاولون دعمهم نفسيًا بشكل مستمر، من الممكن أن تلاحظوا تغيرات في سلوك الأطفال واضطراب بنومهم مساءًا أو انخفاض في مستوى تركيزهم المعتاد، إنها علامات الضغط النفسي، فالتغيير في حد ذاته قد يشعرهم بالقلق.

ستمر هذه المرحلة بشكل أفضل إذا تعاملنا بوعي وتفهم. استخدموا الحوار اليومي البسيط معهم واسمحوا لهم بالتعبير عما بداخلهم بلغتهم البسيطة.

من الممكن أيضًا استخدام طرق مختلفة لدعمهم مثل مشاركتهم اللعب والرسم وأوقات المرح.

الحب غير المشروط

حاولوا أن تُذكروا أطفالكم بأنكم ستظلون تحبونهم كما هم وستقبلونهم في جميع أحوالهم.

كثيرًا ما يعتقد الطفل الصغير أنه بلا شك السبب في هذا الطلاق، ربما بسبب عدم سماع كلام أمه ليلة أمس أو بسبب رسوبه في امتحان العلوم الشهر الماضي.

يحاول الطفل إيجاد سبب لما حدث، ونظرته الطفولية توحي له بمثل تلك الأسباب. وربما يكبر طفلك بهذا الشعور بالذنب الخاطئ، لذا عليكم كآباء تأكيد حبكم غير المشروط لأبنائكم في جميع الأحوال وأنه ليس مرهون بتواجدكم الدائم معهم.

مرحله ما بعد الطلاق

التأقلم مع التغيير

إن الأطفال لديهم قدرة أكبر من البالغين في التأقلم مع التغيير، ومع ذلك على الوالدين معرفة أن بجانب الاحتياجات الأساسية للأطفال في الرعاية والتعليم والمنزل الآمن، هناك احتياجات نفسية واجتماعية أيضًا.

من المفيد الحفاظ على مشاركة الأطفال في مناسباتهم المعتادة، ومحاولة الحفاظ على التجمعات العائلية التي اعتاد الأطفال فيها رؤية الأب والأم بجانبهم.

من الممكن أيضًا المتابعة المستمرة مع المدرسة أو النادي لمعرفة أي تغيير قد يصيب الأطفال خارج المنزل والتدخل والدعم بشكل صحيح ومبكر عند الحاجة لذلك.

طلب المساعدة

لا يحدث الطلاق كل يوم في حياة الإنسان وعندما يحدث فهو بالتأكيد ليس بالحدث السهل المعتاد.

وكي نتمكن من الحفاظ على صحة أطفالنا النفسية يجب الحفاظ على صحتنا أيضًا عن طريق زيارة متخصصين في الصحة النفسية قد يكون ضروريًا في بعض الأحيان، إذا وجد أحدكم صعوبة في التعامل مع التغيير والضغوطات المصاحبة له بشكل يؤثر على سير الحياة اليومية.

 أو إذا لاحظ أحدكم تأثير نفسي ملفت على أطفاله بعد الطلاق، مثل تغيير في السلوك بشكل سريع وملفت، عُزلة، اضطرابات في النوم أو الشهية، عدم الرغبة في اللعب. ففي هذه الحالات، طلب المساعدة من أحد المتخصصين لك أو لطفلك هو ما أنصح به.

 تستمر الحياة

 بعد مرور مرحلة التغيير الأولي واستقرار شكل الأسرة الجديد وتنظيم مسؤوليات كل من الأبوين، تستمر الحياة ولكن بشكل جديد.

قد يقرر أحدكم الارتباط بشخص جديد أو السفر خارج البلاد أو غير ذلك من التغييرات الطبيعية، لكن يجب الانتباه لاستمرار مسؤوليتنا تجاه أبنائنا ومن الجيد الاستمرار في ممارسة الحوار والتواصل مع أطفالكم و عدم افتراض بديهية تقبل الأطفال للتغيرات المتلاحقة إذا تقبلوا واستقروا مع التغيير الأساسي و هو الطلاق، الحوار هو أفضل طرق الدعم النفسي لهم.

بعض الأخطاء المتكررة

إسقاط الغضب على الأطفال

كثيرًا ما يقوم الأب أو الأم بإسقاط مشاعره/ا الغاضبة تجاه الشريك على أحد الأطفال، والإسقاط هو حيلة دفاعية يستخدمها عقل الإنسان بشكل غير واعي للتعامل مع المشاعر المزعجة. 

فغالبًا ما يشبه الطفل أبيه أو أمه أو يتحدث مثل أحدهما، وبصورة غير واعية، قد يتذكر الشخص شريكه و يبدأ بتوبيخ الطفل على بعض السلوكيات التي قد تنتج عن ذلك الشبه.

نحتاج دائمًا أن نتفهم أن الأطفال ليسوا شركائنا الذين خذلونا وتركونا و ذلك للحفاظ على صحتهم النفسية.

التنصل من مسؤولية الأطفال

في بعض الأحيان، قد يلقي أحد الطرفين مسؤولية الأطفال على الطرف الآخر بشكل كامل ولا يشارك فيها.

في هذه الحالات قد يكبر الأبناء وصورة الأب أو الأم مشوهة، أو منعدمة أحيانًا، وينعكس ذلك على علاقتهم بمن حولهم وخاصةً في علاقاتهم العاطفية في المستقبل. حيثُ تصبح صورة الشريك/ة لديهم شخص غير مسؤول أو مؤذي.

انتبه للأثر الذي تتركه في حياة طفلك في المستقبل أيضًا، ليس فقط الآن.

إقصاء أحد الوالدين من حياة الأطفال

في بعض الأحيان، قد يقوم أحد الطرفين بمنع الطرف الآخر من المشاركة في حياة أبنائه وأحيانًا يمنعه من رؤيتهم، ظنًا منه/ا أنه يحميهم أو أن الشريك السابق لا يستحق وجودهم في حياته.

ولكن، من خلال القيام بذلك، يستخدم الشريك/ة الأطفال للانتقام من شريكه السابق. ولذلك من المهم أن تتذكروا أنه لا ذنب لأطفالكم فيما جرى بينكما.

والآن، إذا كنت تفكر في الطلاق وتراه أفضل الحلول المتاحة لك، ولكن تقلق على أطفالك، دعني أخبرك أن الطلاق يحدث كثيرًا والعديد من الأشخاص قد نشأوا بعد طلاق والديهم في صغرهم، وأن كل حدث في الصغر يترك أثرًا بداخل الأطفال، إن كان جيدًا أم مؤلمًا.

لذلك حاول أن يمر حدث الطلاق بدون ذكريات أليمة لأطفالك قدر الإمكان، اتخذ قرارك بمسؤولية وحب ووعي تجاه أطفالك دائمًا.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات