دائرة الثقة.. وسيلتك للأمان الشخصي في العلاقات السرية

لأسباب عديدة، يلجأ العديد من الشركاء إلى إبقاء العلاقة سرية. هذا النوع من العلاقات حق لأي شريكين، ولكنه يحمل بعض المخاطر.

يختبر العديد من الشركاء الدخول في علاقات عاطفية سرية في مراحل مختلفة من حياتهم، وتتعدد الأسباب التي تقف وراء قرار الشريكين بإبقاء “العلاقة سرية” لبعض الوقت قبل الإعلان عنها، أو انتهائها في سرية، أو فور خروجها للعلن.

يختلف مفهوم السرية عن الحفاظ على الخصوصية في العلاقات، فالخصوصية تشير إلى حفاظ الشريكين على التفاصيل الخاصة بعلاقتهما العاطفية، كمحادثاتهما وأسرارهما وتفضيلاتهما الجنسية وأمورهما العائلية وغيرها، كأمور خاصة لا ينبغي أن يطّلع عليها الآخرون والشعور بعدم الحاجة إلى مشاركتها يومياً على منصات التواصل الاجتماعي على سبيل المثال، وهي أمر صحي في العلاقات بوجه عام.

 أما العلاقة السرية فهي العلاقة التي يقرر طرفاها بوعي إبقاء أمرها سراً، أي لا يعلم أحد غيرهما بوجودها أو بحقيقة طبيعة العلاقة التي تجمع بينهما، وهي بالطبع حرية شخصية لكل إنسان/ة، إذ يحق له/ا تقرير الإطار العام لأي علاقة ي/تكون طرفاً فيها، ولا يؤثر ذلك على حقه/ا في التمتع بعلاقة آمنة وصحية سواء كانت سرية أو علنية.

على الرغم من بعض العوامل المشتركة بين كل العلاقات السرية، إلا أنه يمكن تمييز نوعين منها بوضوح:

  1. علاقة طبيعتها سرية: وفيها تجمع بين طرفي العلاقة علاقة صداقة أو عمل أو غيرها، ولكنهما يبقيان أمر علاقتهما العاطفية أو الجنسية سراً.
  2. علاقة سرية كلياً: وفيها تنشأ العلاقة بين الشريكين بعيداً عن دوائرهما الاجتماعية المعتادة ولا تكون بينهما أي روابط اجتماعية مشتركة، وفي هذه الحال، عندما يقرران أن تكون علاقتهما العاطفية سرية، لا يعلم أي شخص بوجود أي رابط بينهما. من أكثر أمثلة هذا النوع من العلاقات السرية شيوعاً تلك التي تنشأ خلال السفر أو عن طريق الصدفة أو عبر تطبيقات المواعدة.

في الحالتين، لا تقلل السرية في هذه العلاقات من قيمتها أو أخلاقياتها أو تشير بالضرورة لوجود شيء ما ينبغي إخفاؤه، كما يعتقد البعض.

السرية هي فقط خيار يتفق عليه الطرفان بالتراضي لكونه مريح لهما، ويوفر مساحة من الخصوصية ينبغي أن تكون في صالح العلاقة وتوفر بعض الميزات لطرفيها، ولا تلحق الأذى بأي منهما.

وهناك أسباب ومبررات متعددة قد تدفع الشريكين لإبقاء علاقتهما سرية، قد نختلف على سلبياتها أو إيجابياتها، أبرزها:

  1. العائلة: خاصةً في مرحلة المراهقة والشباب خوفاً من غضب الوالدين، أو الحرمان من بعض الحقوق والحريات أو التعرض للأذى، خاصةً في المجتمعات التي لا تقبل الإعلان عن العلاقات العاطفية في أي صورة بخلاف الارتباط الرسمي بهدف الزواج. ولا يقتصر قرار الاحتفاظ بسرية العلاقة خوفاً من العائلة على من هم في مقتبل العمر، وإنما يشمل أيضاً الكثير من البالغين بسبب حسابات اجتماعية وعاطفية ومادية متنوعة.
  2. الرغبة في اختبار العلاقة قبل الإعلان عنها: بعيداً عن الضغوط الاجتماعية لإتخاذ الخطوة التالية أو الاضطرار للإجابة عن أسئلة لا نكون مستعدين لها. كذلك، قد يدفع الفشل المتكرر للعلاقات السابقة بعض الأفراد للرغبة في الاحتفاظ بعلاقتهم الجديدة سراً حتى يتأكدوا من استقرارها، خوفاً من لوم المجتمع وإصدار أحكام اجتماعية سلبية عليهم.
  3. عدم الرغبة في الالتزام: فبعض الأشخاص يحتفظون بعلاقاتهم سرية لتقليل الالتزامات الشخصية والاجتماعية تجاه الشريك/ة. إبقاء العلاقة سرية يقلل من المساحة التي يمكن للشريكين التشارك فيها والنشاطات الاجتماعية التي يمكنهما ممارستها سوياً. كذلك، إخفاء العلاقة عن الآخرين يجعل مهمة إنهائها ونسيانها أسهل لاحقاً.
  4. عدم الرضا عن العلاقة أو الفخر بها: أو الشعور بالخجل تجاهها بسبب الفروق المتعلقة بالعمر أو المستويات الاجتماعية والتعليمية والمادية وغيرها.
  5. وجود شركاء آخرين: في بعض العلاقات السرية يكون أحد الطرفين أو كلاهما طرفاً في علاقات أخرى، لذا يرغب في الاحتفاظ بعلاقاته سرية حتى لا تعلم الأطراف الأخرى بها.
  6. أسباب أخرى: مثل الأسباب السياسية والخوف من الملاحقة والأسباب المتعلقة بقوانين الأحوال الشخصية، وحضانة الأطفال، والمعاشات وغيرها.

هل العلاقات السرية أمر سلبي؟

لا يمكن الجزم بذلك بشكل قاطع، فقد تتيح العلاقات السرية بعض الوقت لطرفيها لاختبار علاقتهما على المستوى الشخصي قبل إعلانها والاستعداد للمزيد من الالتزامات الاجتماعية. كذلك تضفي السرية شيئاً من الإثارة على العلاقات مما يوفر للبعض شعوراً بالمغامرة والمتعة والتحرر من القيود المجتمعية.

على جانب آخر، ترتبط العلاقات السرية ببعض الأمور السلبية، خاصةً إن طالت مدتها، أهمها أنها:

  1. قد تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية: إذ يستلزم إخفاء العلاقة طويلاً عن الآخرين جهداً عقلياً ونفسياً كبيراً، خاصةً في النوع الأول من العلاقات السرية، حيث تجمع بين الشريكين دوائر ولقاءات اجتماعية مشتركة يضطران فيها للتظاهر بنمط مختلف لعلاقتهما.
  2. قد تؤثر سلباً على الثقة بالنفس: إذا كان أحد الشريكين يشعر بأن الطرف الآخر يصر على السرية خجلاً من علاقتهما أو منه. كذلك، إذا كان أحد الطرفين يرغب في الإعلان عن العلاقة ويواجه رفضاً مستمراً من الطرف الآخر، فقد يؤدي ذلك إلى شعور بعدم الاستحقاق أو تدني القيمة.
  3. قد تؤثر سلباً على علاقتك بالآخرين: بسبب عدم الوضوح والإشارات المختلطة والتصرفات غير المفسَّرة في المواقف الاجتماعية المختلفة.
  4. لا تسمح لك بالتعرف على شخصية الشريك من جوانب مختلفة: خاصةً إذا كانت علاقتكما سرية كلياً، إذ تبقى علاقتكما ثنائية فقط ولا تتضمن المواقف الاجتماعية والحياتية التي تتشاركان فيها مع أشخاص آخرين، فلا يمكنك ملاحظة كيف يتعامل الشريك في وجود الأصدقاء أو كيف يقدِّمك إليهم؟ هل يندمج جيداً مع عائلتك وأصدقائك؟ كذلك لا تتيح العلاقة الثنائية السرية ملاحظة كيف يتصرف الطرف الآخر في مختلف المواقف خارج إطار العلاقة؛ كيف يدير عمله؟ كيف يتعامل مع الزملاء ومع أسرته وأصدقائه؟ كيف تكون ردة فعله في مختلف المواقف؟
  5. تتضمن الكثير من الكذب لإخفائها: مما قد يؤثر سلباً على الكثير من جوانب الحياة وعلى علاقة الشريكين، لأن كثرة الكذب تخلق حالة من عدم الوضوح قد تشمل الشريك بمرور الوقت لتجنب المشكلات.

تشعر/ين بأنك وحدك في هذه العلاقة: إذ لا يمكنك مشاركة ما يقلقك مع صديق/ة مقربة أو شخص تثق/ين به أو طلب المشورة من أي شخص فيما يتعلق بعلاقتك، إن كانت لا تسير على ما يرام.

هل يمكن للعلاقات السرية أن تكون خطرة؟

نعم، جداً وكثيراً! خاصةً للنساء في مجتمعات أبوية ذكورية تنكر عليهن ممارسة حقوقهن الشخصية في الاستمتاع بعلاقات عاطفية وجنسية خارج إطار الزواج، وتلقي باللوم عليهن في كل الأحوال.

تأملي كل ما ذكرناه سابقاً واستخلصي الكلمات التالية: علاقة سرية، إخفاء، كذب، عدم التزام، سوف تجد/ين أنها كلها مكونات لوصفات خطرة أهمها:

  1. قد تواعدين شخصية وهمية، إذا كانت علاقتك سرية كلياً ولا يوجد بينكما أصدقاء مشتركين للتأكد من هويته.
  2. قد تتعرضين للأذى أو الاعتداء الجسدي، دون أن يدري أحد بمكان تواجدك أو بمصاحبتك لهذا الشخص في ذلك الوقت.
  3. قد تتعرضين للابتزاز الإلكتروني أو المادي، ولا تتمكن/ين من التصدي له بصرامة وفعالية بسبب كون العلاقة سرية ولا يمكنك إخبار عائلتك عنها في هذه اللحظة.

الحقيقة أن الكثير من المبتزين والشركاء المؤذيين والعنيفين يتعمدون إبعاد الشريكة عن دوائرها الاجتماعية وإبقاء أمر العلاقة سراً حتى يسهل التحكم بها وابتزازها عاطفياً ومادياً لاحقاً، إذ يكون الخوف من اكتشاف الأهل والمحيطين لها من أكبر العوامل المساعدة على استمرار الابتزاز والأذى، بالإضافة إلى غياب أي شكل من أشكال الدعم للضحية.

وتتضاعف هذه العوامل كلما صغر عمر الضحية، إذ يتزايد خوفها وتقل معرفتها، عادةً، حول كيفية مواجهة الابتزاز وكسر دائرة الأذى وقدرتها على المواجهة.

وينبغي التأكيد هنا على أن السرية ليست مبرراً للأذى أو خطأ ينبغي تلقي العقاب عليه بالابتزاز والترويع، فلا تشعري بالخزي أو تلومي نفسك إن كنتِ حالياً في علاقة سرية أو تعرضتِ للابتزاز نتيجة لواحدة. الأذى والترويع والابتزاز هي جرائم تحدث يومياً في كل العلاقات العلنية والسرية، ولا تتعلق بكون العلاقة معروفة للآخرين أم لا، وإنما تتعلق بشريك مؤذٍ وخائن للثقة.

كيف تحمي نفسك من الأذى والابتزاز في علاقة سرية؟

إذا كنتِ ترغبين في الاحتفاظ بسرية العلاقة لبعض الوقت لأسباب عائلية أو غيرها، فهناك بعض الخطوات التي يمكن أن تساعدك على تقليل احتمالات تعرضك للأذى والابتزاز وحماية نفسك:

  1. تأكدي من هوية الطرف الآخر: بكافة السبل المتاحة لكِ، إن لم يكن لديكما أصدقاء مشتركين. يمكنك تفقد حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة به أو محاولة إيجاد أشخاص مشتركين في دوائره الاجتماعية.
  2. لا تجعلي العلاقة سرية تماماً: اختاري شخصاً واحداً على الأقل، صديق/ة أو أحد أفراد العائلة، تثق/ين به وأخبريه عن علاقتك. أخبري شريكك عنه/ا واطلبي منه التعرف عليه/ا وتأملي جيداً في الأسباب إن رفض، فقد تكون إشارة إنذار.
  3. إذا كنتما تلتقيان في أماكن خاصة: احرصي على أن يعرف شخص واحد على الأقل بمكان وتوقيت تواجدك في هذا المكان.
  4. حددي في ذهنك دائرة ثقة تضم أشخاصاً يمكنك اللجوء إليهم إن تعرضتِ للابتزاز أو الأذى.
  5. تعرفي على حقوقك القانونية وخطوات الإبلاغ في حال تعرضك للابتزاز.

أخيراً، السرية قد تكون مبررة أو تضفي سحراً لبعض الوقت في بداية العلاقات، ولكنها أكثر إغراءً للمجرمين والشركاء المؤذيين لممارسة جرائمهم نظراً لغياب الدعم الشخصي من المحيطين للطرف الآخر بسبب عدم علمهم بالعلاقة أو طبيعتها.

في كافة الأحوال، السرية منها وغير السرية، احرصي دوماً على أن تكون لديك دائرة ثقة تلجأين إليها دون خجل أو خوف، حتى إن كانت هذه الدائرة مكونة من شخص أو اثنين، فهي بمثابة صمام أمان للعلاقات الشخصية بوجه عام.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات