التأمين الصحي الشامل 101

في اليوم العالمي للتغطية الصحية الشاملة، يركز هذا المقال على نظام التأمين الصحي الشامل في مصر، ويتطرق إلى نقاش عدة نقاط عن القانون الخاص بهذا النظام والذي صدر عام 2018.

ما هو نظام التأمين الصحي الشامل؟ وكيف يختلف عن الأطر والنظم السابقة التي أطرت التأمين الصحي في مصر؟

التأمين الصحي الشامل هو إطار تنظيمي لتحديد آليات تمويل الخدمة الصحية في مصر من ناحية، ومن ناحية أخرى لتنظيم طرق تقديم الخدمات الصحية. 

قانون التأمين الصحي الشامل رقم 2 لسنة 2018 يحدد بالتفاصيل ترتيبات التمويل وتقديم الخدمة والمراقبة والمتابعة على جودة الخدمة المُقدَّمة. 

بشكل عام، تنقسم مصادر تمويل هذا النظام إلى ثلاثة مصادر أساسية: أولًا: اشتراكات المنتفعات/المواطنات والمنتفعين/المواطنين، ثانيًا: الضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات التي تضر الصحة العامة، كالسجائر مثلًا، أو نسبة من رسوم كارتة الطرق. وأخيرًا، الأموال التي تخصصها وزارة المالية لتغطية غير القادرين على دفع نسبة الاشتراك.

قبل شرح المزيد عن هذا القانون والنظام الجديد، سنوضح ما هو المختلف أو “الجديد”؟ هناك شيئان مهمان للغاية لأول مرة يتم طرحهم عبر هذا القانون، وهما “الإلزامية” و”الدعم” لغير القادرين ماليًا على الاشتراك.

هذه المبادئ على التحديد في منتهى الأهمية، إذ تشير الأدلة المتراكمة على أنه لم تستطع أي دولة تحقيق التغطية الشاملة أو التقدم في توسيع مظلة التغطية الصحية، إلا عبر الدعم (لغير القادرين على الاشتراك) والإلزام (من ناحية الإجبار على الاشتراك). المفهومان ضروريان، حيث أن الدعم دون الإلزام لن يكون سياسة فعالة؛ والإجبار هدفه منع تخارج القادرين ماليًا حتى لا يفقد التأمين مصدرًا حيويًا للتمويل.

بالإضافة إلى ذلك، فإن القانون خلق ثلاثة هيئات بيروقراطية جديدة: 

  • واحدة مختصة بالتمويل وإدارة أموال النظام الجديد، وهي الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل.
  • وهيئة أخرى مختصة بالإشراف على تقديم الخدمة، وهي الهيئة العامة للرعاية الصحية، والتي بالفعل بدأت تنتقل إليها ملكيات المستشفيات العامة التي كانت تابعة لوزارة الصحة.
  • والهيئة الثالثة للرقابة الصحية ومراقبة  الجودة وإعطاء الاعتماد لمقدمي الخدمة الصحية (كالمستشفيات العامة والخاصة والصيدليات وخلافه).

 ويقتصر دور وزارة الصحة الجديد على الإشراف العام على تدخلات الصحة العامة كالتطعيمات الإجبارية ومكافحة الأوبئة وهكذا.

أما بخصوص نسبة الاشتراكات، فهي كالتالي:

يدفع الموظف/ة 1% عن نفسه/ا، و4% إن كان صاحب/ة العمل، وفي حالة كان الزوج/ة غير عامل/ة تكون النسبة 3% من الأجر الشامل للزوج/ة، ويتم خصم 1% عن كل إبن/ة. أما أصحاب المعاشات فيتم خصم 2% من المعاش الخاص بهم/ن. ويدفع أصحاب المهن الحرة نسبة 5% من أجورهم/ن.

وسيتم إلغاء نُظم التأمين الصحي القديمة مثل العلاج على نفقة الدولة في كل محافظة يُطبق  فيها التأمين الصحي الشامل، وسيتم تعميم تطبيق النظام على جميع المحافظات.

الهدف المرجو من القانون هو احتواء وتقليل المدفوعات المباشرة من الجيب، والتي تسبب إنفاق كارثي على الصحة، أي أن يلجأ الناس لمدخراتهم الشخصية لتغطية التكاليف المالية لأي تدخل صحي، ويترتب على ذلك الإفقار للأسر والأفراد.

كيف يمكن التسجيل والاشتراك في التأمين الصحي الشامل وما هي المحافظات المتاح فيها؟

حسب موقع هيئة التأمين الصحي الشامل، فإن القانون يتم تطبيقه حاليًا في 3 محافظات هم: بورسعيد، والأقصر، والإسماعيلية.

التسجيل في هذه المحافظات عبر الخطوات التالية: 

1- تجهيز الرقم القومي وشهادات ميلاد الأبناء

2- التوجه بالأسرة لأقرب وحدة رعاية أولية 

3- تسجيل البيانات وفتح الملف الطبي للعائلة.

 ويمكنكم من خلال هذا الرابط التعرف على مزيد من التفاصيل لخطوات التسجيل حسب الموقع الرسمي من هنا

بالإضافة إلى أن تطبيق التأمين سيستغرق (حسب السيناريو المثالي) 15 سنة على ستة مراحل، القاهرة ستكون في المرحلة الأخيرة.

ما هي مميزات الاشتراك في الخدمة؟ وما هي التوقعات من الخدمة التي يقدمها التأمين الصحي؟

التأمين الصحي الشامل قائم على طبيب/ة الرعاية الأولية، والذي من المفترض أن يتعامل مع أغلبية التدخلات الصحية ويقوم بالإحالة في حالة الحاجة لتدخل متقدم أو أكثر تخصصية. حسب موقع هيئة التأمين الصحي الشامل، يوفر التأمين الصحي الشامل:

 كل الخدمات الآتية:

– تقديم الرعاية الأولية عن طريق طبيب/ة الأسرة و الممارس/ة العامة، بالإضافة للأطباء الأخصائيين و من ضمنهم أطباء الأسنان.

– العلاج والإقامة بالمستشفيات وإجراء العمليات الجراحية وأنواع العلاج الأخرى.

– الخدمات التشخيصية التصويرية والمعملية.

– الخدمات التأهيلية وصرف الأجهزة التعويضية.

– صرف الأدوية.

– الرعاية الطبية المنزلية عند الاقتضاء.

– صرف أدوية الأورام والأمراض المزمنة مجانًا.

بشكل نظري فإن التأمين الصحي الشامل سيشمل “كل الأمراض” ما عدا “خدمات الصحة العامة والصحة النفسية، والخدمات الوقائية، والخدمات الإسعافية، وخدمات تنظيم الأسرة، والخدمات الصحية الخاصة بتغطية الكوارث والأوبئة، وتلتزم الدولة بتقديم تلك الخدمات بالمجان”.  

ولكن تعتبر هذه الوعود عامة لدرجة غير ممسوكة وعلى التحديد في المراحل الأولى للتنفيذ والتي لا يزال التأمين الصحي الشامل غير راسخ بشأنها، خاصة أن الأدلة العلمية في هذا الصدد تميل إلى تحديد قائمة واضحة من حزمة المزايا الصحية بدلاً من تركها مفتوحة هكذا. 

بعض الدراسات الأولية عن النظام الجديد أيضًا لفتت النظر لعدم عملية فكرة علاج “كل الأمراض”، حيث أن كيفية ترجمة ذلك في التطبيق غير محددة أو غير معروف.

 كما أنه حسب تجارب الدول ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط الشبيهة لظروف مصر، فالبدء بحزمة واضحة من الأمراض التي لها الأولوية ثم التوسع لاحقًا مع ترسيخ التأمين، أفضل من البدء بحزمة واسعة الآمال تشمل علاج “كل الأمراض”. خاصة أن عدم الوضوح هذا يخلق عدم ثقة وعدم قدرة على التوقع من متلقي/ة الخدمة الصحية.

من هم غير القادرين الذين ستدفع وزارة المالية نسبة اشتراكاتهم؟

صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 4586 لسنة 2023 بتحديد غير القادرين وضوابط إعفائهم من أعباء نظام التأمين الصحي الشامل. 

هدف القرار هو تحديد المعايير والأسس الواجب تحققها لاعتبار المواطن/ة ضمن فئة غير القادرين، وتقع هذه المسؤولية بين وزارة المالية ووزارة التضامن الاجتماعي والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لتحديد من هم غير القادرين. 

وحسب تقديرات هيئة التأمين الصحي الشامل فإن النسبة تتراوح بين 30-35% من المواطنين/ات على مستوى  الجمهورية. ومن المهم الإشارة إلى أن التقديرات بأن غير القادرين يمثلون الثلث تعود لعام 2018 عام صدور القانون، قبل الموجات المتلاحقة من الأزمة الاقتصادية. وبالتالي، فإن هذه النسبة من المتوقع أن تكون قد زادت.

ما هي المشاكل التي تهدد وتعوق استكمال التنفيذ؟

يمكن تقسيم المشاكل التي تواجه استكمال التأمين الصحي الشامل إلى:

مالية: على رأس المشاكل التي تهدد التأمين الصحي الشامل، هي المشاكل المالية. على سبيل المثال، الدراسة الاكتوارية (حسابات التأمين الصحي المالية) التي تم تحديد نسبة الاشتراكات بناءًا عليها تعود لعام 2017/2018 أي ما قبل الأزمات المتلاحقة الاقتصادية وسعر صرف الدولار المتزايد. وإذا وضعنا في الاعتبار الاعتماد المفرط على الدولار واستيراد العديد من مستلزمات القطاع الصحي كالصناعة الدوائية،  سندرك حجم المشكلة المالية الكبيرة التي تهدد التنفيذ على المدى المتوسط والطويل.

العمالة غير الرسمية: طبعًا هي مشكلة شديدة التعقيد والنقاش حولها يقع خارج القطاع الصحي، ولكن للتوضيح فقط فإن أكثر من نصف حجم الاقتصاد تقريبًا قادم من العمالة غير الرسمية، ومع ذلك حتى الآن لا تبدو هناك خطة أو رؤية لكيفية دمج هذه الفئة في نظام التأمين الصحي الشامل.

نقص الأطباء: أساس تطبيق التأمين الصحي هو طبيب الرعاية الأولية. وهذا التخصص يواجه نقص شديد في مصر. بالإضافة  لذلك، النقص المتزايد بسبب هجرة الأطباء، والذي من المتوقع أن يزداد  أكثر وأكثر، فكيف يمكن أن يقوم التأمين دون أطباء؟

الأزمة الاقتصادية الحالية: حسب مراجعة تجارب الإصلاح الصحي في 49 دولة من الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، يحتاج التطبيق واحراز التقدم في أي تجربة للإصلاح الصحي بشكل عام إلى نمو اقتصادي وحالة إنتعاش ومناخ سياسي ليس بالضرورة ديموقرطيًا ولكن على الأقل يدعو المواطنين/ات للثقة والتفاؤل، لذلك من الصعب بشدة تحقيق توسع في التغطية الصحية في ظل حالات الانكماش والأزمات الاقتصادية المتلاحقة.

 كل ذلك يجعل تطبيق التأمين الصحي الشامل يواجه تحديات صعبة للغاية في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية وظروف النظام الصحي الحالية. 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات