معقم
Shutterstock

لماذا لا يخضع معظم ذكور العالم للختان؟

في مجتمعنا، يعتبر ختان الذكور من المسلمات، ولكن إذا ألقينا النظر على الوضع في العالم، سنجد أن معظم الذكور لم يتعرضوا للختان.

في فيلم “المشبوه” يسأل الأب المسجون عادل إمام زوجته سعاد حسني في الزيارة: “ختنتي الواد؟” فتخبره: “قلبي ما طاوعنيش”.

كثيراً ما يتراوح موقف الآباء من مسألة ختان الذكور، بين الرفض الكامل والتأييد المسلم به، أما الأمهات فكثيراً ما يتلكأن لاعتبارات عاطفية.

إيمان سيدة في أواخر الثلاثينيات، تعمل بالتدريس، وأم لطفل أنجبته في سن الثلاثين، تقول: “عندما أنجبت ابني نظرت له ووجدته في أكمل هيئة، وسألت نفسي لماذا أسمح لجراح أن يمد يده بالمشرط على جسمه”.

تحججَت إيمان بأن ابنها ولد مبكراً، وطلبت من والده تأجيل عملية الختان، “وأيدني طبيب الأطفال في ذلك”، قرأت عن العملية لشهر واثنين وثلاثة، وكوَنت رأياً قاطعاً بأنها لن تجريها.

ستة أشهر وهي تحاول إقناع زوجها بعدم إجراء العملية بلا جدوى، حتى فوجئت ذات يوم بوالدها الجراح وقد اتفق مع زوجها لإجراء عملية الختان في بيتها، رغماً عنها، بعدما قام الأب بتقييده أمامها.

إيمان كانت مرجعيتها، على حد قولها، “عقلانية”، لماذا تُعرّض طفلها لجراحة لا ترى لها ضرورة طبية.

تقول إيمان بتأثر: “اللي يقهر إن جوزي بعدها لما شاف ألم ابنه الوحيد والزعل اللي في عينيه منه عشان هو اللي كتفه، ابتدا يقرا واقتنع إن الختان عادة قديمة.. بس بعد فوات الأوان”.

سوزان مترجمة وأم لطفل عمره 7 سنوات، لم تفكر بموضوع ختان الذكور كثيراً قبل إنجابها، فالموضوع لم يكن مطروحاً مثل ختان الإناث.

عندما علمت بأنها ستنجب ذكراً وكانت في سن الـ 31، أخذت في البحث، هل تجري له العملية؟ وفي أي سن؟ وأخذت تتساءل لماذا أخضع ابني لعملية جراحية غير ضرورية، وأعرضه لخطر الخطأ الطبي والإهمال، خاصةً بعد تعرض ابن صديقتها لمضاعفات بسبب العملية.

تبتسم قائلة: “سألني الطبيب هل ستجرين العملية بعد الولادة مباشرةً، أم ستنتظرين بضعة أيام؟” إذ لم يكن مطروحاً أصلاً فكرة عدم إجراءها.

زوجها الطبيب أخبرها أن فوائد الختان متساوية مع أضراره، لكن لا بأس من إجراء العملية حتى لا يختلف الولد عن محيطه، لكن الأم حسمت أمرها ورفضت المجازفة بإجراء العملية، وأخبرت طبيب النساء، الذي ولَّدها، ألا يجري العملية لابنها، كما هو متبع عادةً، حيث تتم بشكل روتيني بعد الولادة حتى بدون حاجة لسؤال الأهل.

ختان الذكور
shutterstock

يقول أحمد، 35 عاماً، مهندس: “أجريت العملية لأولادي، لأنها عادة دينية أولاً، ثانياً لأنها طبياً نافعة (أو غير مضرة على الأقل)”.

يضيف أنه بعدما ناقش الأطباء وجد أن “العملية في الأساس خارجية وأخطارها المحتملة يمكن بشكل كبير تفاديها: أخطاء تعقيم أو أخطاء إجرائية (جرح قطعي خارجي)”.

 يقول أحمد إنه طبقاً لنصيحة الأطباء يستحسن إجراء العملية بعد الولادة مباشرة لتقليل احتمالية التلوث والالتهابات من عملية التبرز والتبول المتكررة في الثلاثة شهور الأولى.

 

الختان للمحافظة على الهوية

 

لا نعرف متى بدأ تحديداً إجراء عملية الختان، لكن الأدلة تشير لمصر القديمة ومنها انتشر للقبائل السامية، في الشرق الأوسط: الإدوميون، والعمونيون، وبنو اسرائيل. فيما رفضته الإمبراطورية الرومانية لأنه يتعارض في رأيها مع حق تقرير المصير.

دخل الختان في إطار الممارسة الطبية في العصر الفيكتوري، حيث لم تكن أسباب الأمراض معروفة، كان الاعتقاد السائد آنذاك هو أن استثارة الأعصاب الطرفية من شأنه أن يؤثر على المخ، ويسبب أمراض الصرع، وكانت الفرضية تقول إن ممارسة الاستثارة الذاتية للأعضاء التناسلية، المعروفة باسم العادة السرية، من شأنها أن تؤدي لأمراض الصرع والجنون. 

أصل الختان في اليهودية والمسيحية والإسلام، حسب ما ورد في كتاب “ختان الإناث والذكور عند اليهود والمسيحيين الجدل الديني والتاريخي” لأستاذ القانون سامي عوض الذيب أبو ساحلية، هو التوراة، ويستعمل اليهود الكلمة العبرية “ميلا” بمعنى قطع، وهذه الكلمة تستعمل في عبارة “بريت ميلا” بمعنى “عهد القطع”.

في 15 يونيو 2008 أضيفت في القانون المصري المادة 242 مكرر التي تعاقب على ختان الأنثى.

وفي نفس العام صدر قانون حقوق الطفل المصري، ونصت المادة 3 على حق حمايته من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو المعنوية أو الجنسية أو الإهمال أو التقصير، أو غير ذلك من أشكال إساءة المعاملة والاستغلال.

ختان الأنثى جرمه القانون، لكن ختان الذكور موضوع خلافي، يحرص عليه البعض لأسباب دينية، لكن الثابت أن أكثر من 80 % من الذكور في العالم لم يخضعوا لعملية الختان.

ختان الذكور
shutterstock

لذا فهي  عملية غير منتشرة في العالم، ففي سبعينيات القرن الماضي في كندا، 70% من الذكور تم ختانهم، وتراجعت النسبة الآن إلى 32%، وفي فنلندا تصل نسبة المختونين إلى صفر. نسبة الختان في اليابان أقل من 10%، في دولة مثل الصين عدد سكانها 1.3 مليار نسمة، نسبة المختونين 14%.

في أمريكا الأمر مختلف، حيث يشيع بها ختان الذكور، تصل نسبته إلى 75% تبعاً لإحدى الدراسات الإحصائية.

وتوافق بعض المجتمعات الطبية الأمريكية على الختان، من منطلق مبدأ النظافة الشخصية، ولشيوع اعتقاد أن الختان حماية من أمراض عدوى الجهاز التناسلي، وفيروس نقص المناعة المكتسبة. ولكن في المقابل يرجع البعض انتشار الختان بأمريكا لأسباب تجارية.

تقنياً، الختان هو إزالة القشرة التي تغلف  رأس القضيب وتحميه. وهي منطقة شديدة الحساسية يشبه تركيبها جفن العين وهي موجودة في كل الثدييات.

كانت العملية في السابق تتم بدون تخدير بسبب الاعتقاد أن إحساس الطفل بالألم غير مكتمل، بالإضافة إلى أن استخدام مخدر لحديثي الولادة أمر به الكثير من المجازفة.

لكن كشفت فحوص المخ بعد ذلك أن الطفل حديث الولادة يشعر بالألم كالشخص البالغ تماماً بل ويفوقه حساسية.

يستخدم بعض الأطباء الآن التخدير الموضعي أثناء العملية، ويجري البعض الآخر العملية بدون مخدر، اعتماداً على أنها عملية شديدة السرعة.

على الجانب الآخر يجري بعض الأهل العملية للطفل في اليوم الأول للولادة، اعتماداً على أن الطفل حديث الولادة ليس له ذاكرة، وهو ما تنفيه دراسة تقول إن الذاكرة تبدأ في التكون عند الجنين في الأسبوع الثلاثين.

 

الختان للحماية من الاستمناء

 

على مدار التاريخ كان الختان علاجاً استباقياً لمرض مُحتمل، وقديماً كان الاستمناء يعتبر مرضاً عقلياً وجسدياً يتطلب علاجاً.

في عام 1888 ابتكر الطبيب الأمريكي والمعالج الغذائي “جون هارفي كيلوج” علاجات للحماية من الاستمناء أولها اتباع نظام غذائي، وتناول الكورنفليكس، ثم اعتبر الختان أحد العلاجات، واقترح كيلوج أن يتم الختان بدون تخدير كنوع من أنواع عقاب الأولاد على ممارسة الاستمناء.

وفي الأربعينيات كانت الأمراض التناسلية في بؤرة الاهتمام القومي الأمريكي، فصدَّر الأطباء الختان لعلاجها، تكرر الأمر لاحقاً في الخمسينيات مع السرطان، ثم مع فيروس نقص المناعة البشري في الثمانينيات والتسعينيات.

الغلفة
shutterstock

ولكن إذا نظرنا إلى بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية ينتشر بها ختان الذكور، سنجد أن معدلات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري تفوق بلد مثل اليابان يندر به الختان.

 

ملكية الجسد من الحقوق غير القابلة للتصرف

 

تظل المرجعية الطبية لختان الذكور أمراً جدلياً.

ذكرت أكاديمية الأطفال الأمريكية في عام 1975 بأنه لا توجد ضرورة طبية للختان، ويمكن الاستعاضة عنه بالنظافة الشخصية فحسب، والمضادات الحيوية، ولم يثبت كذلك أنه يحمي من سرطان القضيب، وهو مرض نادر بالأساس.

لكن الأمر الذي لا جدل فيه هو حق الإنسان في امتلاك جسده كاملاً دون انتزاع جزء منه دون إرادته.

في كاليفورنيا في 3 مارس عام 1989 أقيم الاجتماع الأول لإعلان الأحقية في استقلال الجسد لمنظمة “NOCIRC” وأعلنت قرارها بعدة مبادئ؛ منها حق الإنسان في امتلاك جسده دون أحكام دينية أو عرقية مسبقة، وأن الجزء المختون من جسم الرجل أو المرأة جزء حيوي ووظيفي، ولا يحق للآباء التصرف في أجساد أبناءهم مسلوبي الإرادة.

أشار الإعلان أيضاً أنه من حق الطبيب رفض إجراء الختان، لأن من يجري هذه العملية  انتهك القاعدة الطبية المعروفة التي تقول “في البدء..لا ضرار”. first no harm

وفي مصر ظهرت على استحياء أصوات ترفض الختان. كتبت دكتورة نوال السعداوي بحثاً منذ 40 عاماً تهاجم فيه ختان الذكور، والذي كان يجري على يد حلاقين الصحة، وينتج عنه إصابات بالعدوى، كما قالت إن القلفة أو الجزء المختون ضرورية للرجل لأسباب جنسية، وأرجعت نسبة 20% من الرجال المصابين بالعقم للختان.

وتقول دكتورة سهام عبد السلام صاحبة كتاب “ختان الذكور بين الدين والطب والثقافة والتاريخ” إنها منذ كانت طالبة قررت عدم إجراء هذه العملية بعدما عرفت تركيب القلفة وحساسيتها الشديدة للمس الخفيف، وهو ما يفقده الذكر والأنثى في عمليات الختان.

وتضيف أن عملية الختان ليس لها أهمية إلا الدخل الذي تدره على الأطباء، أما القلفة التي تُسلب من الأطفال، فيتم بيعها لمعامل شركات الأدوية لإجراء تجارب عليها، فهي ما زالت أنسجة حية سليمة.

 

منظمة الصحة العالمية وختان الذكور

 

الآراء الطبية المؤيدة للختان تقول إنه يساعد على تقليل فرص الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري.

قد تكون للقلفة أهمية
shutterstock

ولكن في المقابل تقول كاثرين هانكينس، كبيرة المستشارين العلميين في برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة فيروس نقص المناعة البشري، “إنّ ختان الذكور لن يوفّر حماية تامة من عدوى فيروس نقص المناعة حتى إذا أثبتت تجارب أخرى انخفاض مخاطر الإصابة بالعدوى لدى الرجال المختنين. فإنّ تلك الفئة من الرجال ستظلّ معرّضة لخطر الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة ونقله إلى أفراد آخرين”.

وتضيف: “إذا تبيّن أنّ ختان الذكور من الممارسات الفعالة في هذا الصدد، فلا بد من اعتباره عنصراً واحداً فقط من مجموعة التدابير الوقائية والشاملة التي تشمل استخدام العازل الذكري على نحو صحيح ومنتظم، وتخفيض عدد الشركاء الجنسيين، وإرجاء البدء بممارسة العلاقات الجنسية، والتماس خدمات المشورة واختبار التحرّي عن فيروس نقص المناعة البشري بشكل طوعي، وفي إطار من السرّية لمعرفة الحالة المصلية الخاصة بذلك الفيروس”.

 

صدمات نفسية وأصوات استغاثة

 

دكتور إبراهيم البجلاتي، طبيب المسالك البولية، يرفض ختان الذكور، ويراه اعتداء على حقوق الإنسان، وأيضاً يراه فعلاً بلا فائدة طبية، ويتذكر اليوم المخصص لإجراء عملية الختان للذكور في المستشفى، وأصوات الصراخ المتداخلة، حيث تعج غرفة العمليات بمئات الأطفال من مختلف الأعمار، من سن أيام إلى 12 عاماً.

لم يُجر البجلاتي هذه العملية داخل مصر، كان يرفضها، لكنه أجراها في إحدى الدول العربية، مجبراً، أثناء عمله بها، يقول: “تختلف العملية في ذلك البلد عن مصر حيث يفرض القانون أن تتم بعد سن سنة، وتحت تخدير كلي”، أما إجراء العملية بدون تخدير فيراه البجلاتي فعلاً إجرامياً.

يحكي البجلاتي عن صدمته حين طُلب منه إجراءها لطفل ميت، لكي يكون ميتاً على الفطرة، يقول إن الأمر تحول لهستيريا، ويؤكد أن ما هو اجتماعي وثقافي دائماً ما يكون أقوى مما هو طبي.

يشير البجلاتي إلى أن العملية خرجت من إطار التأمين الصحي في أمريكا وكندا باعتبارها طقساً دينياً وثقافياً، وليست عملية طبية. ويقول إن الممارسة ترجع لأصل فرعوني حيث كان الفراعنة يقطعون القلفة للوقاية من البول الدموي.

يفند البجلاتي دوافع المدرسة الرافضة والمدرسة الداعمة للختان، قائلاً إن القلفة جزء طبيعي من الجسم ولها دور في حماية رأس القضيب وإفراز مادة تسهل الانزلاق والحركة أثناء ممارسة الجنس، والولادة بدونها تعني وجود عيب خلقي بالطفل.

صدمة للأطفال
shutterstock

أما الرأي الداعم فيذهب إلى إنها تقي من التهابات المسالك البولية.

يقول الجرّاح دكتور أحمد السيد: “إن ختان الذكور هام صحياً ويمنع التهاب مجرى البول، والسرطان عند الرجال والنساء، وكذلك هو مهم في عملية القذف، كما أنه مفيد في حالة حدوث قصور في الدورة الدموية في الحشفة، إذا حدث تراجع في القلفة الضيقة”.

ولكن بعيداً عن الآراء الطبية المتجادلة، يظل المجتمع قادراً على فرض ضغوطه وشروطه.

بالعودة إلى المترجمة سوزان التي امتنعت عن إجراء الختان لابنها، تقول إن ختان الذكور طقس متسق مع تسيد الرجل في المجتمع، فعادةً ما كان يتم كطقس احتفالي، أما ختان الإناث فهو نوع من أنواع قهر المرأة هدفه أن يجتث مراكز الرغبة.

تحمل سوزان ابنها، الذي يقطع حديثنا ببكائه، ثم تسترسل قائلة إنها لم تخبر أفراد عائلتها عن الأمر، فحتماً كانت سيُقابل بالتعجب، والاستهجان، إذ أنها تدفع ضريبة الاختلاف حين تسألها مشرفة حضانة ابنها: “لماذا لم يخضع ابنك للختان؟ متى سيجري العملية؟”

حسمت سوزان أمرها من الناحية الطبية، لكنها ما زالت متخوفة من الناحية الاجتماعية، وما زالت تنتابها بعض الشكوك مما قد يحدث في المستقبل، هل سيواجه مشكلات جنسية؟ هل سيتعرض لمشكلات عند التحاقه بالجيش؟

لكنها استقرت على أن ابنها له الحرية في أن يتصرف في جسده، فيما بعد، كما يشاء.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات