الإدمان
Shutterstock

“أحبك لكن أحب مادتي المخدرة أكثر”: العلاقة مع الشريك المدمن

العلاقة مع الشريك المدمن تحمل العديد من الصعوبات. إذا كان المدمن يسعى إلى تجاوز مشكلته، قد تقفين بجانبه، ولكن هناك إشارات قد تجعلك تعيدين التفكير في العلاقة كلها.

عملت لسنوات طويلة في مجال الإدمان، وكنت شاهدة على أنواع مختلفة من العلاقات يكون طرفها مدمناً أو مدمنة. من بينهم من استطاع التعافي واستكمل علاقته مع شريكه بنجاح، ولكن منهم من استمر في الإدمان، وانتكس عدة مرات.

قد تستمر العلاقة رغم الإدمان، ولكنها تتحول إلى علاقة مؤذية للطرفين، لذلك رأيت علاقات انتهت وهرب فيها الشريك/ة غير المدمن ليحمي نفسه/ا.

توجد أنواع عديدة ومختلفة من الإدمانات مثل إدمان الجنس والأفلام الإباحية والعمل وغيرها، والإدمان في العموم يؤذي صاحبه وغالباً يؤذي شريكه معه. وإن كنا نتحدث هنا تحديداً عن إدمان المخدرات.

الكثير من الناس يشعرون بالمسؤولية الشديدة الممتزجة بالحب تجاه شركائهم ويرغبون في مساعدتهم، لكن  دعونا نعترف أنه مثلما ينجح بعض المدمنين في التعافي، يستكمل الآخرون رحلة إدمانهم، وقد يؤدي ذلك إلى توريطك معهم.

في الحقيقة، نماذج المدمنين المتعافين الذين قرروا “الشغُل على أنفسهم وعلى علاقاتهم”  كثيرة، وقصصهم مبهرة، وأعرف صديقات كثيرات انجذبن عاطفياً إلى نموذج المدمن المتعافى “الُملهِم” الذي قرر قلب حياته رأساً على عقب. ولكن هناك أخريات تورطن في هذا الانجذاب، وتصورن أن شريكهن من هذا النوع، ولم يلتفتن إلى العلامات التي تؤكد أن شريكهن لن يتخلص من إدمانه.

والكلام ليس موجهاً إلى النساء وحدهن، الإدمان موجود لدى الذكور والإناث. ونؤكد أن نماذج عديدة من المدمنين استطاعوا استكمال تعافيهم من الإدمان وخوض علاقات عاطفية مشبعة للطرفين، وهؤلاء بالطبع يستحقون أن يقف شركاؤهم إلى جانبهم.

ولكن في هذا المقال، أتحدث عن خمس علامات إذا لمستها عند الشريك أنصح بالتوقف عن استكمال هذه العلاقة المؤذية. قد تتصور/ين أنك بهذا تتخلي/ن عن شريكك، ولكن كما سأوضح قد يكون هذا مفيداً للشريك/ة المدمن/ة مثلما هو مفيد لك.

 

الإنكار

أولى هذه العلامات الخمس هي الإنكار؛ لا ترتبطي بشريك لديه إنكار تام لمشكلته، أي أنه لا يعي أبعاد المشكلة، ويظن أنه يستطيع السيطرة على إدمانه وقتما يريد.

الإنكار من أبرز سمات المدمن، ولا يستطيع المدمن الخروج من دائرة إدمانه إلا حينما يعترف بأزمته ويبدأ رحلة العلاج.

إنكار الإدمان
shutterstock

مثل هؤلاء الأشخاص سيؤكدون لك أنهم ليسوا مدمنين، وأنهم لا يشبهون المدمنين، قد يدّعون أن ليس لهم علاقة سوى بنوع مخدر واحد، مثل “الحشيش”، ويرددون أفكاراً خاطئة مثل أن الحشيش ليس من المواد المخدرة، أو أنه لا يسبب الإدمان.

لا يرى هذا الشخص مقدار الكوارث التي تحدث بسبب إدمانه، ويربطها بأسباب خارجية. أتذكر مدمناً تسبب إدمانه في طرده من الوظيفة المرموقة التي كان يعمل بها، وظل يردد أن سبب طرده عوامل أخرى بخلاف الإدمان.

إذا ظل شريكك متمسكاً بحالة الإنكار لن يتمكن من الوصول إلى المساعدة وسيظل أسيراً للإدمان. وتذكري أن الحياة مع شخص مدمن لا يريد التعافي سامة للغاية لكل المحيطين به.

 

عدم الالتزام بالعلاج

 

العلامة الثانية هي عدم الالتزام بالبرنامج العلاجي.

إذا كنت في علاقة مع شخص كسر إنكاره واعترف أنه مدمن ويريد العلاج، تأكدي من أن هذا الشخص ملتزم ببرنامجه العلاجي وبمتطلبات هذا البرنامج.

الإدمان، كما نشرحه للمدمنين وذويهم، مثل مرض السكر، ومثلما يجب على مريض السكر الالتزام بنظامه الغذائي وأدويته، يجب على مريض الإدمان الالتزام بالبرنامج العلاجي، وحضور المجموعات العلاجية المطلوبه منه، والحديث باستمرار مع المشرف على حالته.

إذا كنت قد اخترت الارتباط بشريك مدمن فعليك أن تتأكدي أنه متفهم لذلك تماماً.

ما زلت أتذكر أم لديها بنت وولد مدمنين، كانت تشجع الولد على حضور مجموعات الدعم التي تُقَدَّم في أماكن مختلفة وتحثه على مهاتفة مشرفه إذا تعرض لأي ضغط نفسي، وتشحن تليفونه برصيد كافٍ بنفسها ليفعل ذلك.

في مقابل استجابة الابن لكل مبادرات الأم، كانت الابنة ترفض كل ذلك، وتكتفي بحضور جلسات البرنامج داخل المؤسسة التي تتعافى فيها، لم تتفهم الفتاة أن هناك خطوات طويلة يجب الالتزام بها خارج الجلسات.

نتيجة ذلك لم تستطع الفتاة تجاوز إدمانها، في حين استكمل الابن تعافيه بنجاح.

إحدى الإشارات المنبئة بانتكاسة الشخص وعودته إلى الإدمان مرة أخرى هي التوقف عند مرحلة مبكرة، مثل فكرة: “لقد أتممت التعافي وانتهيت من برنامجي العلاجي ولا داعي لحضور مجموعات التعافي”.

من العبارات التي نُعَلِّمها للمدمنين في برامجهم العلاجية أن “الإدمان مرض قابل لحدوث انتكاسات”، ولا يوجد شفاء كامل، بل يوجد برنامج نتبعه مدى الحياة.

التعافي من الإدمان
shutterstock

إذا قال لك الشخص المدمن إنه سيتوقف عن الالتزام ببرنامجه العلاجي لأنه تعافى تماماً، اعرفي أنه أكثر عرضة للانتكاسة.

 

الانتكاسات المتكررة

 

هذا ينقلنا إلى العلامة الثالثة وهي الانتكاسات المتكررة، فعلى الرغم من أن معظم المدمنين ينتكسون لأكثر من مرة قبل التعافي الكامل، إلا أن هناك بعض المدمنين الذين ينتكسون أكثر من غيرهم، وقد تتوفر لهم فرص للتعافى ولا يستكملونها، أو ينتكسون بعد الانتهاء منها، لأنهم لا يلتزمون بالبرنامج العلاجي، أو ليس لديهم الدافعية الكاملة للتعافي.

إذا قررت الدخول في علاقة مع مدمن خذي حذرك من الانتكاسات المتكررة، ولا تدخلي معه في علاقة ملتزمة بها ارتباط جاد قبل مرور عام كامل من التعافي.

 

تأجيل قرار التعافي

 

العلامة الرابعة مهمة جداً، وهي تأجيل قرار التعافي وربطه بأحداث خارجية.

لا تصدقي مدمناً يحاول إقناعك بأنه سيبدأ رحلة التعافي بعد الارتباط الرسمي، أو يطلب منك منحه فرصة لأنه سيبدأ التعافي من بداية العام الجديد.

كل هذه الأفكار ساذجة، إذا شعرت من شريكك أنه يؤجل دائماً رحلة التعافي توقفي عن تقديم دعمك، لأن استمرارك فيه يعني انتظار الكثير من الخسائر.

إذا أراد شريكك المدمن أن يتوقف عن التعاطي فليتوقف الآن، ولا تمهليه فرصة لبعد الارتباط. إذا لم يتوقف ويطلب المساعدة الآن، على الأرجح سيستمر في التعاطي بعد الارتباط.

الكثير من أهالي المدمنين يتوقعون أن ابنهم أو ابنتهم سيتوقفون عن التعاطي بعد الزواج، ولكن هذا نادراً ما يحدث، الزواج يحتوي على العديد المسؤوليات التي لن يستطيع المدمن التعامل معها أثناء التعاطي، وبه العديد من الضغوط التي يمكن أن تؤدي إلى الانتكاسات، خاصة لو لم يكمل المدمن تعافيه.

 

الاستغلال المادي

 

العلامة الخامسة والأوضح، هي الاستغلال المادي وإساءة استخدامك من أجل الحصول على المخدر.

ما زلت أذكر قصة مدمن غامر بزوجته وطفلته وذهب بهما إلى مكان لشراء المخدرات، وذلك حتى لا يوقفه كمين الشرطة لتفتيشه.

لا تتوقعي أن يتوقف عن استغلالك بسبب كونك شخصاً مهماً في حياته، أو بسبب حبكما، لأنه لا يُقدِم على هذه التصرفات لأنه لا يحبك، بل لأن هذه هي طبيعة الإدمان، أي عدم القدرة على التوقف رغم الخسائر.

انتكاسات الإدمان
shutterstock

هو يحبك ولكنه لن يستطيع اختيارك على حساب المخدر، الذي يعتبره أساسياً في حياته، ويخلص له أكثر منك.

توقعي في هذه الحالة أن يسرقك أو يحتال عليك أو يورطك من أجل الوصول إلى المادة العزيزة عليه.

كل هذا لا يعني أنه لا يمكن للمدمن التعافي والالتزام بالبرنامج العلاجي إذا أراد، ولكن ننصحك بعدم التورط في علاقة جادة معه قبل أن يتخذ خطوات إيجابية في سبيل ذلك، والاستعداد لإنهاء العلاقة لو لم يلتزم بالعلاج.

قد تعتقدين في الحالة الأخيرة أنك تتخلين عنه، ولكن ربما يكون قرارك بمغادرة العلاقة دافعاً قوياً له من أجل الالتزام بالعلاج.

الكثير من المدمنين يلتزمون برحلة التعافي لأنهم غير قادرين على احتمال كم الخسائر التي يتعرضون لها، ما نسميه بين أوساط خبراء التعافي “الوصول إلى القاع”.

الخلاصة؛ لا تتورطي في علاقة ملتزمة مع مدمن وهو مصر على تعاطيه ولا يسعى إلى العلاج ولا يلتزم به، لأنك لن تساعدي هذا الشخص، بل سيمتد الأذى إليك شخصياً، لأن إخلاصه لمادته المخدرة سيكون أكبر من إخلاصه لك.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (1)

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات