زيارة الطبيب
Shutterstock

الغفلة في وقت الأفراح.. رحلتي المحرجة مع مرض قضيبي

أنا جاهل. لم أقرأ عن العلاقات الجنسية إلا قليلاً. في أول مرة أمارس الجنس كنت كطفل حبسه أبواه لسنواتٍ خوفاً عليه ثم أطلقا سراحه فجأة.

(1) 

“كن يقظاً وقت الأفراح. تحتاج تلك الفترات إلى انتباه. أوقات المحن تخلق يقظتها وانتباهها ولا سبيل إلى الشطط فيها، أمّا أوقات الرخاوة فالخوف منها”. 

أذكّر نفسي كثيراً بهذه الوصية التي كتبها الروائي المصري عادل عصمت في روايته “الوصايا”. أقول لنفسي “احذر أوقات الرخاوة، فالخوف منها”. ورغم ذلك،  أصابني في وقت الرخاوة ألم استمر معي طويلاً.  

ثقافتي الجنسية محدودة. (أنا) شاب نشأ في مجتمع يخشى التحدث عن الجنس. وحين أردت ممارسته ظننت أن خبرتي التي اكتسبتها من مشاهدة المواقع الإباحية، ومن أحاديث أصدقائي التي لا تخلو من الكذب والمبالغة، كافية.  

خضتُ علاقة جنسية دون أدنى حذرٍ. لم انتبه إلى أنها “أوقات رخاوة” أو أوقات سعادة تستدعي بعض الانتباه. لم أرتدِ واقياً ذكرياً. ولم أتوقع أن يصاب قضيبي بالتهاب عقب العلاقة، وألم شديد يتكرر بين الحين والآخر. 

لكنّ الأزمة ليست في تلك الآلام، لأنها على شدتها يمكن مداواتها، لكنّها في رحلة العلاج وما مررت به.  

 

(2) 

أنا جاهل. لم أقرأ عن العلاقات الجنسية إلا قليلاً. في أول مرة أمارس الجنس كنت كطفل حبسه أبواه لسنواتٍ خوفاً عليه ثم أطلقا سراحه فجأة، فاندفع يسكتشف العالم فَرِحاً وغير مبال بعواقب.

لا أعرف شيئاً عن جسد المرأة إلا ما أراه في المقاطع الإباحية. لا أفقه شيئاً ولم أكن أبحث إلا عن انتصار متوهم لفحولتي. كنت أعبث وخلفت أضراراً كثيرة. 

الجهل يُغذي الخوف ويرعاه ويمنحه أسباباً للحضور المتكرر في حياتنا. والخوف كما قال فؤاد حداد “ملك الإحساس” يطغى على كل شيء سواه. وحين التهب قضيبي ورأيت بقعاً حمراء عليه، حاصرتني مخاوفي. 

أحياناً أتجاهل آلام جسدي. أؤمن أنه قادر على مداواة نفسه في أحيان كثيرة لكنّه هذه المرة كان في حاجة إلى مساعدة. ومساعدة عاجلة لأن الالتهابات تؤلمني والجهل يخيفني والشكوك تعبثُ بي.  

ذهبت إلى طبيبٍ. كان الأقرب إلى منزلي. طوال الطريق كنت أفكر: هل أخبره بالحقيقة؟ أم أكذب، كما نصحني صديق، وأقول له إنني متزوّج؟ ماذا إذا كان هذا الطبيب من النوع الذي يستفسر عن كل شيء، تاريخي المرضي، والتاريخ المرضي للزوجة. عدد مرات الممارسة أسبوعياً، والأوضاع المحبّبة.. إلخ. 

زيارة الطبيب
shutterstock

لا أجيد الكذب. عيناي تفضحني. وذهني مشتت عاجز عن اختلاق قصة واقعية.

إذا كذبت لن أصمد طويلاً أمام أسئلة الطبيب. إذن لا مفر من قول الحقيقة. “الصدقُ منجاة لصاحبه”. 

داخل العيادة كذبتُ. حين سألني الطبيب وجدتني أختلق قصة بدت للحظة متماسكة لكنّها سرعان ما انهارت مع ثاني أو ثالث سؤال. ابتسم الطبيب ثم قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.

أنهى الفحص الطبي ثم كتب الروشتة دون أن ينطق بكلمة ثم قال لي: “4 أيام وهتبقى كويس”. سألته عن موعد الاستشارة فقال: “مش هتحتاجها.. سلام”.

بصوت عالٍ نادى على الممرضة وطلب منها السماح للحالة التالية بالدخول.  

 

(3)  

“بلاش تاخد الأمور بحساسية. المهم تتعالج ومش مشكلة تسمع كلمتين في النص، أكيد هتسمعهم من أي حد”.

نصيحة من صديق آخر قالها بعد أيام من زيارتي للطبيب. شعرت بعد انتهاء العلاج بآلام حادة. ورفضت العودة للطبيب نفسه.  

 تذكرتُ طبيباً آخر، زرته قبل عامٍ لفحص آخر (لا علاقة له بالجنس). تحمّست لزيارته. كان بارعاً وبشوشاً وهادئا ووقوراً. 

في طريقي إليه تذكرتُ تلك المرأة المسؤولة عن العيادة. كانت بشوشة وودودة. تقتل صمت الانتظار بحديثٍ مسلٍ. تزيل الحواجز بينك وبينها ببراعة وهدوء، فتشعر وكأنها فرد من عائلتك.  

كانت في مرات سابقة تقابلني بابتسامة عريضة مصحوبة بكلمات الترحيب. ذاكرتها قوية كأنها لا تنسى أبداً. قبل أن أنطق اسمي، تَذَكَرَتْ ملامحي ثم سريعاً تذكرت مهنتي، ثم اسمي الأول وبعد تردد نطقت اسمي الثاني وكان صحيحاً.

قبل أن أنهي جملتي الأولى بادرت لتصحيح المعلومة: “لأ.. حضرتك ماكنتش هنا من 6 شهور يا أستاذ محمد، كنت هنا من 9 شهور”.

مدّت يدها اليسرى وسط مجموعة كبيرة من الملفات، في ثوانٍ وصلت إلى ملفي وقامت بتجهيزي. هذه الذاكرة المتقدة تطمئنك، تشعرك كمريضٍ أن أحدهم يهتم لأمرك، ولو لم يكن الأمر كذلك في الحقيقة.  

الطبيبُ كان أزهرياً. غَفلتُ عن تلك التفصيلة. ظننتُ أثناء دخولي إليه أن دماثة خلقه وحسن تصرفه سيمنعانه من التفوّه بأي شيء يغضبني. أخبرته الحقيقة كاملة غير منقوصة. قابلها بهدوء دون أن تتبدل ملامح وجهه. فَحَصني، ثم بدأ يحدّث ملفي الشخصي وكتب العلاج.  

“التعب ده خطير يا دكتور؟”

رأي الطبيب
shutterstock

“لأ.. بس دي آخرة العلاقات مع الستات اللي مش نضيفة”. 

اقرأ المزيد: الأمراض المنقولة جنسياً

صدمتني كلمة “مش نضيفة” لكننّي وقد بدأت أتخلى عن حساسيتي شيئاً فشيئاً، أدركتُ أنها حقيقية. قلت لنفسي إن الطبيب الأزهري حاول انتقاء الكلمة المناسبة. ربما أراد أن يطلق وصفاً أقسى، لكنّه استدرك الأمر. أياً كان لم تكن الأزمة في تلك الكلمة مطلقاً.

عدتُ بعد أسبوع للاستشارة. المرأة ذات الذاكرة الحديدية، ابتسمت أوتوماتيكياً فور رؤيتي، وقبل أن تنفرج أساريرها بالكامل انقبض، رغماً عنها، وجهها. قلت لنفسي: “قرأت بالتأكيد ملفي كاملاً”. 

قابلتني بفتور وجفاء لم أعتدهما منها قط. ولسوء حظي كنت أول الحاضرين إلى العيادة قبل الطبيب وسائر المرضى. ولسوء حظي أيضاً أننا انتظرنا قُرابة نصف ساعة قبل أن يصل أي منهم.  

خلافاً لعادتها لم “تنكشني” بأي كلمة. لم تبادر بالحديث مطلقاً. احتوانا صمت طويل مُريب. حاولتُ “فتح الكلام” بسؤال عن موعد الطبيب وسر تأخره المتكرر. أجابتني دون أن تنظر إليّ. ثبتت عينيها على شاشة التلفاز وقالت ببرود: “زمانه جي”.  

بعد انتهاء الاستشارة، وأثناء خروجي من العيادة شكرتها وأخبرتها بطلب الطبيب أن أعود مرة أخرى بعد أسبوع للاطمئنان مجدداً، فلم تلتفّت إليَّ ولم تقل إلا كلمة واحدة. “تمام”.   

 

(4) 

لشهورٍ اختفى الألم. كان يطل بين حين وآخر على استحياء، ثم عاد بغتة وبأضعاف مضاعفة. شعرت بألم رهيب في قضيبي، لا يظهر فقط في لحظات قذف السائل المنوي أو حتى التبول لكنّه يلازمني أغلب فترات اليوم، وظهرت على القضيب من الخارج بقعة حمراء ملتهبة. ما العمل؟ البحث عن طبيب جديد.  

“لن أعود للطبيب السابق، سأبحث عن طبيب جديد، سألجأ إلى طبيبِ مسالك بولية وليس أمراض جلدية وتناسلية”.  قلت لنفسي هذه الكلمات، وأنا أشرع في البحث عن طبيب جديد لاستكمال الرحلة.  

خلال فترة التعافي لم أمارس الجنس مطلقاً. والآن بعدما عاودتني الآلام شعرت بغضب مضاعف. “أومال كنت بحرم نفسي الفترة اللي فاتت دي ليه؟”

طبيب المسالك كان بارعاً هادئاً بشوشاً، من ذلك النوع المفضّل لي. يطلب كل التحاليل والفحوص اللازمة ويتمهّل قبل الشروع في العلاج.

 

اقرأ المزيد: كيف يمكن فحص الأمراض المنقولة جنسياً؟

ألم القضيب
shutterstock

قال لي إنني بحاجة إلى زيارة طبيب جلدية وتناسلية لأن الالتهاب الخارجي “ليس تخصصه”، ولأنه “قد يحتاج إلى الكيّ” قالها بكل بساطة ثم استكمل حديثه. 

لم أنم ليلتها بسبب تلك الكلمة. هل سيقوم أحدهم بـ”كيّ” قضيبي؟ هل كان يقصد الكلمة على حقيقتها وكما نفهمها أم أن هناك معنى آخر لا أفهمه؟ 

نصحني بطبيب “شاطر” على حد قوله. ذهبت إليه وقصصت القصة كاملة. حفظتها عن ظهر قلب. وأصبحت أرددها بالكلمات نفسها وبالإيقاع نفسه كل مرة.

بعد الفحص طمأنني. قال إن الأمر ليس خطيراً. “هناك ميكروب مستقر منذ فترة ولم تتعافَ منه بالكلية، والقضاء عليه سيحتاج بعض الوقت”، نبّه عليَّ إلى ضرورة الالتزام بالعلاج خاصة “المرهم المكتوب أول حاجة”.  

لكنّه بعد نهاية الحديث باغتني بسؤال عن سبب ممارستي للجنس. ابتسمت ولم أجب. فاسترسل وقال إنني بالتأكيد خضت علاقة عابرة أثناء سفرٍ خارج مصر. وكأنه يتلمّس لي الأعذار. فابتسمت وقلت إن العلاقة كانت في مصر، وفي القاهرة.  

سألني مجدداً عن مهنتي، ثم عقّب: “انتوا بتقبضوا كويس، والنقابة بتاعتكم بتساعد في حوار الشقق، ما تشوف شقة تبع النقابة وتتجوز، عشان ربنا يكرمك، بدل الحاجات دي”. لم أُجب. ولم أغضب. كان الألم شديداً، وقلت لنفسي إن هذا ليس الوقت المثالي لهذا الحديث.

 

(5)  

 

بعض الفحوص كان مؤلماً. هناك مزرعة بول، أقوم بإدخال ما يشبه العصا المغلفة بقطنة أو شيء لين ما لا أتذكره، داخل قضيبي. يجب أن تدخل بالكامل وأن يتكرر الأمر مرتين حتى تكون النتيجة دقيقة. وبعضها كان مؤلماً ومحرجاً مثل مزرعة البروستاتا.

باعدت بين قدميّ، وتركت يد الطبيب تدخل إلى مؤخرتي وتتوغل حتى تصل إلى البروستاتا لتقوم بتدليكها لدقائق.

أذكر أن الطبيب في المعمل سألني فور قراءة الورقة المدوّن عليها التحليل: “عارف بتتعمل إزاي يا أستاذ؟” أجبته على الفور: “عارف وجاهز”.  

طبيب المسالك وصل للنتيجة نفسها، قال لي “هناك ميكروب وعلاجه يحتاج إلى وقت، البروستاتا (مجهدة) وعلاجها يستغرق 6 أشهر”. طالبني أيضاً بأشعة على الخصيتين قائلاً إنه يحاول “الاطمئنان على كل شيء”.  

 

اقرأ المزيد: السيلان Gonorrhoea

 

في المعمل، وبعد انتظار طويل دخلت إلى الطبيبة المختصة. كانت امرأة عجوز بطيئة الحركة، بشوشة  وذات نبرة صوت رخيمة مميّزة. سألتني: “متجوز من امتى يا أستاذ؟”

“لأ مش متجوز”.  

باغتتني: “طب مش متجوز، الدكتور طلب منك الأشعة دي ليه، غريبة؟” قلت بهدوء ودون اكتراث: “عشان كنت في علاقة بس من غير جواز”.  

ساد الصمت كما ساد من قبل. طالبتني بالاستعداد لإجراء الأشعة. يجب أن يمّر الجهاز على خصيتي، سأقوم بمداراة قضيبي بيدي بينما تمسك الجهاز بيديها وتمرره على خصيتي. طالبتني أكثر من مرة بـ”الحزق” حتى تظهر الأشعة دقيقة. كلما قالت “بعد إذنك احزق” ابتسمت. كان الموقف عبثياً. 

انتهى الفحص. طالبتني بارتداء ملابسي والرحيل. سألتها: “ممكن أعرف هاخد الأشعة امتى؟” أجابت بضيق: “ده مش شغلي، اخرج الريسبشن اسألهم” ثم صرخت لتُسمِع الممرضة: “اللي بعده، يالا، اللي بعده”.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (1)

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات