العبور الجنسي
Shutterstock

كيف نفهم العبور الجنسي من الناحية الطبية؟

يولد الطفل ويحدد له المجتمع من حوله جنساً بعينه، قد يكون ذكراً أو أنثى، ولكنه قد لا يستريح في هذا الجنس، وربما يحتاج قرار عبوره إلى الجنس الآخر العديد من التدخلات الطبية.

يُصنف الأطفال في شهادة الميلاد على أنهم ذكور أو إناث بعد الولادة، ويعتمد هذا التصنيف على مظهر الأعضاء التناسلية، على الرغم من أنه قد يكون أمراً معقداً.

يعتمد تحديد جنس شخص ما على بيولوجيا الجسم، على الكروموسومات، والتشريح، والهرمونات، لكن الهوية الجندرية للشخص، أو إحساسه بكونه ذكراً أو أنثى، لا يتوافق دائماً مع حالته البيولوجية.

الهوية الجندرية تشير إلى تصور الشخص لنفسه على أنه ذكر أو أنثى، أو غير ثنائي، أو جنس آخر.

ويبدأ الأطفال في تصنيف أنفسهم على أنهم ذكور أو إناث في عمر سنتين، أو ثلاث.

 

ما هو الارتباك الجندري؟

 

في البداية ينبغي معرفة الفرق بين الجندر والجنس، فالجندر هو إحساسك الداخلي بكونك ذكراً، أو أنثى، ويستند لتعريفات مجتمعية، وثقافية، أما الجنس فيشير لاختلاف الكروموسومات، والهرمونات، والأعضاء الجنسية الداخلية والخارجية.

الارتباك الجندري (ما كان يطلق عليه اضطراب الهوية الجنسية) هو الشعور بعدم الراحة، أو الضيق الذي قد يحدث للأشخاص الذين تختلف هويتهم الجنسية عن الجنس المحدد لهم منذ الولادة. أو بمعنى آخر التناقض بين النمط الظاهري الجسدي والجنس.

يمتلك هؤلاء قناعة بالانتماء إلى الجنس الآخر، ويملأهم عدم الرضا عن صفاتهم الجنسية الأولية والثانوية. فيشعرون أنهن نساء محاصرات داخل أجساد رجال، أو العكس.

ويقوم هؤلاء الأفراد بتكييف نمطهم الظاهري ليصبح متوافقاً مع جنسهم، ويُطلق عليهم مسمى “العابرون جنسياً”.

ويوجد 1.4 مليون بالغ يصنفون كعابرين جنسياً في الولايات المتحدة الأمريكية. واضطراب الهوية الجنسية ليس مرضاً، فقد أزالته منظمة الصحة العالمية من قائمة الاضطرابات النفسية في عام 2019، وصارت الأوساط الطبية تستخدم بدلاً منه مصطلح “الارتباك الجندري” 

لا يُعرف على وجه التحديد أسباب الارتباك الجندري، لكن يُعتقد بأن التأثيرات الهرمونية أثناء الحمل لها صلة.

وتبعاً لمجلة صحة المراهقين فإن 80% من أمهات الأفراد الذين يعانون من الارتباك الجندري، مررن بإحدى المشكلات النفسية، في مقابل 45% من الآباء، ويسعى 1 من كل 30 ألف من الذكور، وواحدة من كل 100 ألف من الإناث، إلى جراحات تغيير الجنس. 

ومن الممكن أن يبدي الأطفال إشارة إلى الارتباك الجندري في سن صغيرة جداً كعمر الثانية إلى الرابعة. فقد يفضل الطفل/ة الألعاب والملابس المميزة للجنس الآخر. كما يشاع إصابة الأطفال المرتبكين جندرياً بالقلق والاكتئاب. إلا أن عدداً قليلاً من الأطفال الذين يعانون من هذا الارتباك سيستمرون به حتى مرحلة البلوغ.

العبور الجنسي
shutterstock

في حالة هؤلاء الأطفال يبرز ظهور الارتباك الجندري في مرحلة البلوغ، وحتى منتصفها.

عند الوصول إلى سن المراهقة، قد يتسبب تطوير الخصائص الجنسية الثانوية للعابرين في سوء حالتهم النفسية. يشعر المراهقون أنهم  ولدوا في الجسم الخطأ، يرغبون في التخلص من صفاتهم الجنسية، عاطفياً، وجسدياً، وعقلياً، ويرغبون في أن يكونوا من الجنس الآخر، وأن يعاملهم الناس على هذا الأساس، ويعتقدون أيضاً أن لديهم مشاعر واستجابات الجنس الآخر.

إحساس هؤلاء المراهقين بالحزن طبيعي، وقد يساعدهم التقبل الجنسي والمجتمعي على التخفيف منه.

 

الجنس البيني

 

بخلاف الارتباك الجندري هناك ما يسمى بـ “الجنس البيني” وهي حالات لا تبدو فيها الأعضاء للرضيع بوضوح هل هي ذكورية أم أنثوية.

يمتلك الطفل أعضاء تناسلية ملتبسة، بعدها يقوم الطبيب بعملية تحديد الكروموسومات، وتتم عملية تصحيح جراحي في الغالب قبل سن سنة، لكن لا يعتبر عابراً جنسياً.

بحسب د. محمد موسى، أستاذ الجراحة بجامعة طنطا، يكون التطور الطبيعي للأفراد ناقصاً، أو زائداً نتيجة لزيادة الهرمونات، وأحياناً تكون مستقبلات التستوستيرون غير موجودة فيكون ظاهرياً أنثى، لكن يكون المهبل ضامراً.

وكما نلاحظ  في تعبيرLGBTQIA  أو مجتمع الميم، يشير حرف الـ I إلى الـ Intersex وهو متداخل الجنس، وهو شخص لا يتوافق بيولوجياً مع الإناث أو الذكور، قد تشمل حالات ولادة بتشريح أنثوي مع وجود أعضاء ذكورية من الداخل، أو تحتوي بعض خلايا الشخص على كروموسومات xx وبعض الخلايا على كروموسومات xy.

 

1.7 % من سكان العالم يولدون متداخلي الجنس.

 

وفي الغالب يحدث إجراء جراحي لتحديد الجنس قبل أن يبلغوا سناً مناسبة تؤهلهم لتحديد ذلك بأنفسهم. وأحياناً لا يُكتشف إلا في مرحلة متقدمة من حياة الطفل، أو حتى عند البلوغ.

 

تاريخ العبور الجنسي

 

العبور الجنسي أو الانتقال من جنس إلى آخر ليس شيئاً جديداً، فهو موجود منذ سنوات عديدة، وفي ثقافات مختلفة.

عابرة جنسياً
shutterstock

في عام 1869 كان يُطلق عليه “الإحساس الجنسي المعاكس”، وفي عام 1966 أشاع هاري بنجامين مصطلح التحول الجنسي، وفي عام 1969 أطلق عالم النفس جون موني مفهوم “إعادة تحديد الجنس” ليصف تغيير الهوية الجنسية والجنس.

ثم جَمَع عالم الغدد الصماء الأمريكي هاري بنجامين الملاحظات حول التحول الجنسي، ونتائج التدخلات الطبية، في كتابه “ظاهرة التحول الجنسي”، وظهر مصطلح اضطراب الهوية الجنسية في عام 1973، وتضمن التحول الجنسي بالإضافة إلى اضطرابات نفسية أخرى.

لأسباب كثيرة تصعب معرفة من هو أول شخص عابر جنسياً، لكن تعتبر من أوئل الحالات الموثقة هي العابرة ليلي إلبه (ديسمبر 1882، سبتمبر 1931) والتي كانت رحلتها شديدة الصعوبة. فحاولت طوال حياتها أن تكون امرأة كما تريد. وقد أجرت جراحة لتغيير الجنس، وجُسدت قصة حياتها في فيلم “الفتاة الدنماركية”.

 

ماذا يعني العبور الجنسي؟

 

عملية الانتقال أو العبور الجنسي تشمل الكثير من التفاصيل الاجتماعية والطبية.

التغير الاجتماعي يشتمل على تغيير طريقة التعبير، والطريقة التي يراك بها الناس، وأن يعاملوك بنفس طريقة معاملة الجنس الذي تشعر به، وتغيير مظهرك، وملابسك، والضمائر التي تعود عليك في الأحاديث اليومية.

أي أن يخرج الشخص إلى أصدقائه، وعائلته كعابر/ة جنسياً، ويطالبهم بالتحدث إليه بالصيغة التي تلائم الجنس الذي يشعر بالانتماء إليه.

وبالطبع الشق الاجتماعي يستلزم جانباً قانونياً يتضمن تغيير الاسم وتغيير الجنس في البطاقة الشخصية.

وقد يتطلب الأمر الانتقال الطبي عن طريق عملية تغيير الجنس، التي تتضمن علاجاً جراحياً وهرمونياً.

عملية تغيير الجنس عملية طويلة، تتضافر فيها عدة تخصصات طبية، لأن لها أبعاداً نفسية، وإجراءات لها علاقة بالغدد الصماء، والجراحة.

كما ذكرنا، هناك نوعان من التدخلات للعابرين جنسياً، أولها تدخلات هرمونية، ثم جراحية، بالإضافة إلى التعامل النفسي، ويمكن أن يسبق العلاج الهرموني إجراءات جراحية أو لا، حسب الحالة.

من المهم تقدير الطبيب/ة لمعرفة التدخلات المناسبة وتوقيتاتها، على سبيل المثال يشير د. محمد موسى إلى أن مشكلة التدخل الهرموني في المراهقة هو أنه يوقف نمو العظام، قبل الموعد الطبيعي لهذا التوقف، ويسبب قصر القامة لدى المراهقين، ويضيف أنه من الأفضل أن يكون التدخل الهرموني بعد اكتمال النمو.

وتبعاً  للرابطة العالمية المختصة بصحة المتحولين/ات جنسياً فإن الكثير من الأفراد يكونون بحاجة إلى العلاجين الهرموني والجراحي لتخفيف الارتباك الجندري. 

وجد الاستطلاع الوطني الأمريكي للتمييز بين العابرين جنسياً لعام 2015، أن أكثر من 70% من العابرين الذين صنفوا عند الولادة أنثى، قد خضعوا بالفعل أو أرادوا الخضوع لجراحات عليا، وكذلك 44% ممن صنفوا عند الولادة ذكوراً. وتراوحت نسب الرضا عن هذه الجراحات 87% بين المتحولات (العابرات) من ذكور إلى إناث، و97% بين المتحولين (العابرين) من إناث إلى ذكور.

اضطراب الهوية الجنسية
shutterstock

لكن الإحصاءات نفسها تشير إلى أن ليس كل العابرين يلجأون للتدخل الجراحي.

جراحة تغيير الجنس يمكن أن تحدث للفرد في أي سن، وجراحة تأكيد الجنس (GCS) هي تغير الأعضاء التناسلية جراحياً، وتتم لتأكيد الجنس، بشكل أكبر، من خلال المواءمة مع الخصائص الجنسية المرغوبة.

هكذا يمكن أن نوجز خيارات تغيير الجنس كالتالي:

  • العلاج الهرموني لتأنيث الجسد أو تذكيره
  • والجراحة لتغيير خصائص الجسم الأولية والثانوية
  • العلاج النفسي، الذي يتناول التأثير السلبي للارتباك الجندري على الصحة النفسية

 

من ذكر إلى أنثى

 

Transfeminine من ذكر إلى أنثى، هو مصطلح شامل يتضمن النساء العابرات، والأشخاص العابرين غير الثنائيين المعينين ذكوراً عند الولادة.

ويذكر أن كل حالة فريدة بنوعها، وتجري الإجراءات بناء على احتياجاتها، وميزانيتها أيضاً. وتشمل الإجراءات التي تغير الأعضاء الجنسية: استئصال القضيب أو إزالة الأعضاء التناسلية الخارجية، واستئصال الخصية، ويتبع ذلك إنشاء المهبل، وإنشاء الأعضاء التناسلية الداخلية.

هناك أيضاً من يلجأن إلى جراحة الأرداف، لتكبير حجم الأرداف، وتقليل حجم تفاحة آدم، بالإضافة إلى الهرمونات الأنثوية، وتقصير مجرى البول، بحيث يكون مجرى البول متجهاً إلى أسفل، في وضعية الجلوس، ولا يُجرى استئصال البروستاتا بوجه عام في جراحات تأكيد الجنس.

وتشمل العمليات تكبير الثدي إذا كان نمو الثدي غير كافٍ، بعد عامين على الأقل من العلاج بالأستروجين. وتقليل بروز الغضروف الدرقي. ويُزال شعر الوجه بالليزر أو التحليل الكهربي.

هناك أيضاً من يجري جراحات تأنيث الوجه (FFS) لكي ينعم خطوط وجهه، وهناك من يلين خط الحاجب، وهناك أيضاً من يقوم بعملية تجميل للأنف، وتنعيم الفك، والجبهتين، وتغيير عظام الوجنتين.

 

من أنثى إلى ذكر

Transmasculine من أنثى إلى ذكر، هو مصطلح شامل يشمل الرجال العابرين، وغير الثنائيين، الذين يصنفون إناثاً عند الولادة.

والإجراء الذي يجري لهؤلاء هو إنشاء أعضاء تناسلية أنثوية، فتُستخدم أنسجة الشفرين لإنشاء قضيب، بالإضافة إلى استئصال الرحم، والجراحة العلوية أو إزالة الثديين، وأنسجة الثدي، ويُعطى هذا الشخص هرمون التيستوستيرون لتعميق الصوت، وللحث على توزيع الشعر، ورأب البظر (وهي الجراحة التي تجعل البظر يعمل مثل القضيب).

وهناك حاجة مستمرة للعلاج بهرمون الذكورة الذي يجعل البظر ينمو بشكل أكبر، على الرغم من أضراره في الإصابة بتصلب الشرايين، وأمراض القلب الإفقارية.

يحتاج العابرون والعابرات جنسياً إلى المزيد من الوعي بحالتهم، هذا الذي يعني بالضرورة المزيد من التقبل والدعم المجتمعي، وينعكس ذلك عملياً في تسهيل القوانين التي تعطي لهم الحق في تصحيح جنسهم، وتيسير حصولهم على الأوراق الحكومية اللازمة لذلك.

للاطلاع على المزيد: “بنتي نورا بقت ابني نور”.. مشكلات العابرين جنسياً في مصر

مصادر

 

Gender dysphoria: An overview – ScienceDirect

Sex Reassignment Surgery – an overview | ScienceDirect Topics

Gender Dysphoria | The Recovery Village Drug and Alcohol Rehab

https://www.wpath.org/media/cms/Documents/SOC v7/SOC V7_Arabic.pdf

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (2)

  1. موضوع المقال مهم لكن هناك…
    موضوع المقال مهم لكن هناك بعض الأخطاء ربما بسبب النقل من الإنجليزية إلى العربية
    “يولد الطفل ويحدد له المجتمع من حوله جنساً بعينه، قد يكون ذكراً أو أنثى” خطأ ما يحدد الجنس عند الولادة هو الأعضاء التناسلية الخارجية، أما المجتمع فيحدد الأدوار الاجتماعية Gender roles
    “لكن الهوية الجنسية للشخص، أو إحساسه بكونه ذكراً أو أنثى، لا يتوافق دائماً مع حالته البيولوجية.
    أما الهوية الجنسية فتشير إلى تصور الشخص لنفسه على أنه ذكر أو أنثى، أو غير ثنائي، أو جنس آخر.”
    خطأ، هذه هى الهوية الجندرية Gender Identity وليست الهوية الجنسية Sexual Identity

    أرجو المراجعة لدقة النقل العلمى
    ويمكن الاستعانة بالمعجم الطبى الموحد لمنظمة الصحة العالمية، ووثائقى The boy with no penis إنتاج BBC

  2. مرحباً د. أحمد الدمياطي، 

    مرحباً د. أحمد الدمياطي، 

    كما أشرنا في تعليقك على صفحة الفيسبوك، يوضح المقال أن تحديد جنس المولود له أبعاد أكثر من مجرد المظهر الخارجي للأعاء التناسلية. فكما يوضح المقال “يُصنف الأطفال في شهادة الميلاد على أنهم ذكور أو إناث بعد الولادة، ويعتمد هذا التصنيف على مظهر الأعضاء التناسلية، على الرغم من أنه قد يكون أمراً معقداً. 

    يعتمد تحديد جنس شخص ما على بيولوجيا الجسم، على الكروموسومات، والتشريح، والهرمونات، لكن الهوية الجنسية للشخص، أو إحساسه بكونه ذكراً أو أنثى، لا يتوافق دائماً مع حالته البيولوجية.”

    بالنسبة للدقة اللغوية فيما يتعلق بالهوية الجندرية أو الجنسية، فبسبب تعريب المصطلحات، يتم عادة استخدام الهوية الجندرية والهوية الجنسية بالتبادل مع العلم أن الهوية الجندرية هي الأكثر دقة كما وضحت. 

    شكراً لمشاركتك ولتسليط الضوء على تلك الجزئية في المقال. 

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات