سن الأمان
Shutterstock

“يا راجل عيب إحنا كبرنا”.. أسطورة اليأس والجنس

فقدان الطمث لا يعني فقدان الحياة الجنسية، بل قد يكون بداية جديدة لها، نحتاج فحسب أن نتخلص من الأساطير الاجتماعية التي تحيط بسن الأمان.

تربينا ونحن نشاهد الأفلام العربية على مشهد السيدة المتقدمة في العمر التي ترفض ممارسة الجنس بسبب كبر سنها، لأن هذا لا يليق بها. نتذكر مشاهد مسرحية “العيال كبرت”، وشخصية زينب الأم المهمومة بالفواتير والمدارس والمطبخ، ومحاولات أبنائها إحياء صورتها عن نفسها كأنثى، أو فاطمة كشري في مسلسل “لن أعيش في جلباب أبي” وهي ترد على مغازلات عبد الغفور بجملة “يا راجل ده انت بقيت جِدّ”.

وما هذا إلا انعكاس لما نشهده في الواقع، نرى من يتوقف عن مناداة زوجته باسمها باعتبارها أصبحت “بركة”، ويستعيض عن ذلك بمناداتها باسم ابنها الأكبر، كنوع من “الاحترام”.

ويتصور الكثيرون أن تفكير المرأة التي تتجاوز سن الأربعين، أو التي وصلت سن الأمان، بالجنس، يخل من مكانتها الاجتماعية، وكأن الممارسة الجنسية أحد أشكال الإهانة.

 

“سن اليأس”.. مِن ماذا؟

 

دائماً ما كنت أتساءل عن هذه التسمية: سن اليأس. مِم يجب أن تيأس المرأة عند توقف دورتها الشهرية؟

بالنسبة للبعض، انتهاء الدورة الشهرية وآلامها والرعب من حدوث حمل غير مخطط له هدف في حد ذاته. هل هذه التسمية مرتبطة بتصور المجتمعات عن أن دور المرأة وقيمتها مقتصران على وجود الدورة الشهرية؟ هل قدرتها على الحمل والإنجاب هو ما يعطيها قيمة، وبدون هذا الجانب لا تُعتبر امرأة؟

في مجتمعاتنا وخاصة العربية، يُنظر للمرأة على أنها وعاء، له وظيفة واحدة فقط وهو الإنجاب، ويتم اختزال كل جوانب حياة النساء المختلفة والمتنوعة في جانب الإنجاب فقط. تصل النساء لسن انتهاء الطمث، فيتم تجريدهن من رغباتهن الجنسية وحقهن في حياة جنسية وعاطفية صحية وممتعة.

 في الحقيقة، تعتنق بعض النساء هذه الفكرة، فهن ينكرن على أنفسهن أي شعور أو رغبة في الجنس أو الحب أو الزواج، حتى وإن راودتهن هذه المشاعر والرغبات، فهن يكبتنها تماماً. يحطن أنفسهن بشعور الخجل من الرغبة الجنسية، فهن في سن “اليأس”.

 ماذا لو فكرنا في التخلي عن تصوراتنا التي تتخيل النساء حزينات وجديرات بالشفقة لأنهنّ لن يتمكنّ من الإنجاب؟ ماذا لو فكرنا في سن انقطاع الطمث باعتباره مرحلة جديدة في قطار الحياة، وأننا كنساء وصلنا إلى سن “الأمان”. لا مزيد من الفوط الصحية ولا الأوجاع المصاحبة للحيض، ولا حاجة لتذكر وسيلة لمنع الحمل أو القلق من تأخر الدورة الشهرية؛ نحن في “أمان” من كل هذا.

 

“هو فيه رغبة جنسية بعد ما الدورة تنقطع؟”

 

الإجابة: نعم.

من الطبيعي أن تظل الرغبة الجنسية مستمرة، فهي جزء طبيعي في تكوين النساء.

الجنس بعد منتصف العمر
shutterstock

قد تتغير بفعل دخول النساء في مرحلة جديدة من إنتاج الهرمونات ولكنها لن تنتهي. في الواقع، اختفاء الرغبة الجنسية تماماً إشارة لوجود مشكلة تستدعي الكشف الطبي ولا تعد ضمن التطورات الصحية التي تحدث في سن الأمان.

التغيير الذي يحدث في الرغبة الجنسية أمر طبيعي تماماً مثله مثل أي تغير يحدث مع مراحل العمر المختلفة. مثلما قد يختلف عمل جهازك الهضمي مثلاً، يختلف عمل الجهاز التناسلي. فهو لن يتوقف عن إنتاج الهرمونات ولكن ستتغير كمية إنتاجها ويتغير توازن الهرمونات في الجسم.

وهذا يأخذنا إلى مفهوم آخر منتشر ومغلوط: أن وظيفة الجهاز التناسلي الجنسي هي الإنجاب فحسب. وهذا غير صحيح لأنه مهم للحياة الجنسية بشكل عام.

تتحكم بالرغبة الجنسية عوامل عضوية نفسية، فإذا تصورت المرأة أن الرغبة الجنسية بعد توقف الطمث “عيب”، أو تعامل الرجل مع المرأة التي وصلت سن الأمان على أنها لم تعد قادرة على ممارسة الجنس، فهذا يخلق شعوراً بالخجل من الرغبة الجنسية، مما يؤثر بالسلب على رغبتها بشكل تلقائي وقد يعيقها عن الاستمتاع بالممارسة الجنسية.

تحدثي مع طبيبك إذا شعرت أن رغبتك الجنسية تراجعت بعد الوصول إلى سن الأمان.

 

“ما بقتش ست.. بقت أم العيال”

 

رؤيتنا لأنفسنا تتحكم بشكل كبير في حياتنا الجنسية. هناك دراسات تحدثت عن وجود علاقة بين المشكلات الجنسية وبين الطريقة التي ينظر بها الشخص إلى جسمه أو صورته عن هذا الجسم. وبالتالي، عندما تتوقف النساء عن النظر إلى أنفسهن باعتبارهن جميلات أو مثيرات، وعندما يتصور الرجال أن النساء بعد سن الأمان هن “أمهات العيال فقط” فهم بذلك يزيدون من فرص المشكلات الجنسية.

وكما أشرت في أول المقال، تنظر بعض المجتمعات إلى النساء على أنهن ذوات قيمة طالما هن قادرات على الإنجاب، وبخلاف ذلك فهن فقدن جزءاً من تعريفهن كنساء. هذا مثال على الثقافة المجتمعية المشوهة والمؤذية التي تربط مفاهيم الأنوثة بالإنجاب.

الإنجاب أحد أدوار الحياة الذي قد تفضل المرأة تأديته أو لا تفضل. نعم، هناك نساء لا يرغبن في الإنجاب أبداً. وبالتالي، لا يعني فقدك لتلك القدرة، سواء بتوقف الحيض أو لأسباب أخرى، أن تفقدي جزءاً من شعورك بأنوثتك.

عزيزتي القارئة، قدرتك على الإنجاب ليس لها أي علاقة بقيمتك كأنثى، هذه مجرد ثقافة مغلوطة.

 جدير بالذكر أن النساء لسن وحدهن من يتقدمن في السن أو تختلف حياتهن الجنسية، بل الرجال أيضاً. صحيح أن الرجال لا تنقطع حيواناتهم المنوية، ولكن مع تقدم العمر تتغير صحتهم الجنسية، فقد يصابون بضعف الانتصاب وسرعة القذف وتتأثر جودة حيواناتهم المنوية.

الجنس في سن الأمان
shutterstock

هكذا لا تسري التغيرات المصاحبة للتقدم في السن على النساء فقط، بل على الرجال أيضاً. كما أن درجة تأثر الصحة الجنسية للرجال والنساء بتقدم العمر تختلف من شخص إلى آخر وتعتمد على العديد من المعايير.

 

“مش هناخد زمن غيرنا”

 

الجنس ليس له زمن محدد، أعلم أنها تبدو جملة من عالم مثالي. ولكن ربما هذا الوقت الذي نعيد فيه التفكير في الطريقة التي ننظر بها إلى أجسادنا.

كل مرحلة جديدة في حياتنا لها اعتبارات ومشاعر ورغبات، وكل مرحلة تستحق الاحتفال. ربما تختبرين الجفاف المهبلي، ولكن هناك مزلقات وأدوية لمعالجة هذا الأمر. ربما تختبرين بعض التغيرات المزاجية، ولكن الطبيب/ة قد يكون لديه حلول.

كما هو الحال مع أي مرحلة جديدة، هناك بعض التغيرات التي تستدعي التأقلم أو تعديل نمط الحياة بهدف الحصول على المتعة، ولكن هذه التغيرات لا تعني بأي حال انتهاء الحياة الجنسية.

هناك الكثير من الوصم الذي يلحق بالنساء اللاتي يتزوجن أو يدخلن في علاقات عاطفية أو يهتممن بمظهرهن أو يطلبن الجنس في هذه المرحلة، ومن هنا تتضح فكرة أن كل الأساطير المبنية حول مفهوم ما بعد انتهاء الطمث هي ثقافة شعبية.

النساء في سن الأمان بمقدورهن ممارسة الجنس والحب والشعور بالرغبة الجنسية والعاطفية، وإذا اختفت تلك الرغبات فهذا يعود على الأغلب إلى التأثير الاجتماعي لتلك الثقافة، وليس نابعاً من انقطاع الطمث.

 

“الجنس ما بقاش مريح زي الأول”

 

لا يوجد تعريف ثابت للجنس. وإذا كان الإيلاج هو المفهوم السائد للجنس، فهذه أيضاً خرافة.

الإيلاج واحد من الممارسات الكثيرة اللامتناهية الممتعة وهي جانب واحد من الحميمية. كونك أصبحت تشعرين براحة أكبر مع  ممارسات جنسية مختلفة لا يعني أنك لم تعودي قادرة على ممارسة الجنس، إنما يعني أهمية أن تتواصلي مع الشريك للحديث عن احتياجاتك الجديدة، واضعة متعتك كأساس الممارسة الجنسية.

نعم، المتعة الجنسية هي حق لكل النساء سواء كن يختبرن الحيض أم لا.

انفتاح النساء والرجال على استكشاف حياتهم الجنسية باستمرار ومع اختلاف مراحل حياتهم هو المفتاح للمتعة الجنسية.

سن الأمان مرحلة جديدة في حياتك، احتفي بها واستعدي لها وافهمي جسمك وتعرفي على احتياجاتك، فهو ليس ”بعبعاً“ ولا يعني انتهاء رحلة المتعة. هو فقط بداية جديدة لمتعة مختلفة.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (6)

  1. حنك اننا كبرنا دا ما مفيد…
    حنك اننا كبرنا دا ما مفيد بالنسبة لي لكن انا الان مزال ما اتزوجة لكن احب اقول لي زولتي قبل ما اجبيتها المنزل افتحي اذنك تمام حنك كبرنا دا ما بجيبك منزلي

    1. شكراً لك على متابعتنا…

      شكراً لك على متابعتنا.
      ونتمنى أن ينال ما نقدمه من محتوى إعجابك بإستمرار.

  2. دائماً يقولون تزوج من فتاة…
    دائماً يقولون تزوج من فتاة تصغرك حتى لا تكبر قبلك وتصبح غير قادرة على تلبية احتياجاتك الجنسية، بعد هذه المقالة فهمت ….كل الشكر

    1. شكراً لك على متابعتنا…

      شكراً لك على متابعتنا. ونتمنى أن ينال ما نقدمه من محتوى إعجابك بإستمرار.

  3. مقالة مفيدة جدا جزاكم الله…
    مقالة مفيدة جدا جزاكم الله خير الجزاء

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات