ممثلة
Shutterstock

المرأة في الدراما المصرية: التطبيع مع ثقافة العنف

في السنوات الأخيرة زادت النقاشات الدائرة حول جسد المرأة وحقها فيه، ولكن يبدو أن هذه النقاشات لم تصل إلى صناع الدراما بالقدر الكافي.

حين يدور الحديث عن المرأة في الثقافة المصرية والعربية بشكل عام يشيع مبدأ “يتمنعن وهن الراغبات”، فيتحول مبدأ القبول إلى لعبة يجب أن يلعبها الذكر، ويفرض رغباته في نهاية الأمر إذا كان يتمتع بالفحولة الكافية.

هذه النظرة المتجذرة في الثقافة طالت كل ما يخص المرأة حتى لو كان الحديث عن العنف الواقع عليها.

وفي الحقيقة أغلب النقاشات التي دارت في السنوات الأخيرة كانت محاولات لتيار مجتمعي مؤمن بالمساواة بين الجنسين أن يتحدى الأفكار المقبولة مجتمعياً، والتي تلخص المرأة ومعاناتها في أنها أداة جنسية لتحقيق أو استقبال رغبات الرجل، أو أنها ملك له بشكل عام ليحدد مصيرها ويتخذ قرارات حياتها بدلاً منها.

ظهر هذا في النقاشات التي دارت حول التحرش الجنسي مثلاً، وتحويل ملابس النساء إلى ذريعة للعنف ضدهن في الشوارع: “ما دام لابسة كده تبقى عايزة”.

وفي بعض الأحيان اتخذ البعض وجودها في المجال العام وحده، وخروجها من المنزل للعمل أو الدراسة أو غيره، سبباً لتعرضها لهذا النوع من العنف الذي يثبّت سيطرة الذكور على هذا المجال.

حينما ننتقل إلى صناعة الفن، وبالتحديد إلى الدراما التليفزيونية والأفلام السينمائية المصرية، لا يبدو أن النقاش وصل إلى هناك بالقدر الكافي.

منذ بداية ظاهرة السينما النظيفة في نهاية التسعينيات، وانتقال نفس الممثلين الشباب الذين خرجوا من رحم هذه الموجة إلى التلفزيون وتحديداً إلى بطولة مسلسلات في موسم الدراما الأشهر في رمضان من كل عام، تحولت طبيعة البطولة النسائية بالتدريج.

انحسر نموذج سميحة أيوب وهدى سلطان (الأم القوية الذكية التي تحكم العائلة وتسيّر أمورها بما فيها كبار الذكور) – ولا يعني هذا أن هذه المسلسلات تخلو من النقد من منظور نسوي –  إلى نموذج “كريمة مختار”؛ الأم المغلوبة على أمرها التي تتحمل كل إساءات الابن ونزواته وسفهه. وتدعمه بكل ما تملك مدفوعة بحبها.

هكذا يتم تكريس الوضع على ما هو عليه بكل مساوئه، ويتم تجنب طرح أي رؤية مغايرة لأدوار النساء.

وفي الجيل الأصغر، اختفت صورة المرأة التي تعتمد على شخصيتها وذكائها في النجاح دون استغلال جمالها في الإيقاع بالرجال، (ربما تمثل ذلك قديماً في الفيلم الشهير “مراتي مدير عام”)، وانهالت علينا نماذج لبطولات نسائية تواجه ظلم العالم بسبب جمالها وروعة جسدها التي تحرص الكاميرا على إظهاره بصورة نظيفة لا تشوبها الرغبة، أو تستغل هذا الجسد في تحقيق أغراضها معتمدة في جميع المراحل على الذكور الطامعين فيها.

تغيرت صورة المرأة في الدراما
shutterstock

وفي أقل الأحوال تكون المرأة البطلة “السنّيدة” للبطل الذكر.

تكون المرأة المحبّة الخاضعة تماماً لرؤية الرجل ولرغباته والتي تعفو عن نزواته وتتحمل في سبيل أن يصل هو إلى مجده.

صورة المرأة في الدراما

اعتاد المجلس القومي للمرأة على إصدار تقارير لرصد صورة المرأة في الدراما منذ عام 2016، ووضع بعض المعايير لقياس المخالفات يحكمها رؤية المجلس لما يعتبره انتهاكاً أو تصويراً سلبياً للنساء وأدوارهن.

تطوَّر الأمر خلال السنوات الأخيرة إلى استخدام الكود الإعلامي الذي أصدره المجلس الأعلى للإعلام من ضمن المعايير.

بنظرة سريعة على التقارير في السنوات الأخيرة، يشير المجلس إلى أن عدد البطولات النسائية كان ثابتاً تقريباً بين عامي 2018 و2019 في موسم شهر رمضان، مهما كان عدد المسلسلات المنتجة.

 فبين 7 مسلسلات بطولة نسائية من أصل 30 مسلسلاً عام 2018، و8 مسلسلات من أصل 25 مسلسلاً في عام 2019، لا يوجد فارق كبير في الكم.

كما أن نسبة النساء في الإنتاج تكاد تكون معدومة، من منتجتين فقط في 2018، لصفر في 2019، بعد استحواذ  شركة سينيرجي على النسبة الغالبة من الإنتاج الدرامي .

أما عن خلف الكاميرا، فتشغل النساء وظائف مثل مصممة الملابس، أو مديرة تسويق، أو ضمن فريق التصوير، أو ماكييرة، أو مونتيرة.

فيما عدا الثنائي كاملة أبو ذكري المخرجة ومريم نعوم الكاتبة لا يوجد حضور كبير للنساء في الصناعة نفسها، مما يعطي فكرة عن ما سنشاهده على الشاشة كمنتج لهذا الواقع.

 

تكريس المجتمع الذكوري

إذن يصنع الرجال الدراما في الغالب، فنحن نشاهد الشخصيات النسائية من وجهة نظر الرجل في مجتمع يرى في الحفاظ على “شكل” الأسرة التقليدي أولوية أمام تعرض المرأة للعنف، أو إجبارها على قبول تعدد الزوجات. أو أنه يتعامل معها على أنها مجرد أداة جنسية مفعول بها.

في أغلب مسلسلات الموسمين الماضيين ظهرت النساء في أدوار بعينها، في الغالب مكملات لرحلة البطل، سواء كان يتجاوز الصعاب، فتكون المحبّة المتفهّمة التي تقبل صفعة أو خيانة أو تعنيف في سبيل وصول البطل إلى المجد، أو مُعيقة للبطل تحاول إغواؤه وافشاله والتحكم فيه عن طريق الشهوة الجنسية. 

العنف ضد المرأة
shutterstock

تتسم بذلك مسلسلات محمد رمضان منذ “الأسطورة”، وآخرها “زلزال”.

تتكرر في هذه المسلسلات نفس التيمة: المرأة التي تفتقد حكمة وذكاء الرجل في صورة الأم التي لا تعرف كيف تربي ابنها في غياب الأب، وزوجة الرجل الشرير التي تتحمل عنفه وخياناته وبرود العلاقة بينهما، وتدعو ابنتها أيضاً إلى الصبر على ضرب زوجها لها والعودة إلى منزلها منعاً “لخراب البيت”.

في تقرير المرصد الإعلامي للمجلس القومي للمرأة عن صورة المرأة في مسلسلات الموسم، يبدو لافتاً كيف رأى المجلس مخالفات مسلسل “زلزال”.

أشار إشارة سريعة إلى العنف ضد المرأة، وفي تربية الأبناء فقط عن طريق “الصفع”، وانتقل التعليق سريعاً إلى أن المسلسل أظهر المرأة في صورة “راقصة”! ولم يحافظ على صورة الراقصة “النظيفة” بل أظهرها متعددة الزيجات وتستخدم الشتائم!

يركز المجلس بشكل واضح على العنف بمعناه الضيّق والمادي: صفعة على الوجه، سباب أو تحرش جنسي. ويتجاهل العنف المُضمر في تنميط وحصر أدوار النساء في المساحة التقليدية كمصدر الغواية الأوحد أو ناقصات العقل والدين وغيرها من الكليشيهات الأبوية الذكورية، أو حتى رجم محاولات الاختلاف عن ذلك بالنهايات المأساوية.

يبدو ذلك لافتاً أكثر في مسلسل “حكايتي” لياسمين صبري، والذي أشاد المجلس به رغم حصوله على عدد مخالفات أكثر (13 مخالفة أمام 8 فقط لمسلسل زلزال) تتمثل المخالفات في العنف الممارس ضد البطلة من محيطها من الرجال، وتحكم أخيها غير الشقيق فيها، والألفاظ التي تم استخدامها في هذا السياق.

في حقيقة الأمر تقوم قصة المسلسل على جمال البطلة! التي يجعلها مطمع رجال العائلة، وحين تحاول الهروب من زواج قسري أجبرها عليه أبوها، تفعل ذلك معتمدة على رجل آخر، وحين يخذلها هذا الحبيب ويعود إلى المنظومة الأبوية صاغراً، تهرب إلى المدينة الكبيرة تاركة القرية، وتبدأ رحلتها بالاعتماد على منقذ وبطل شعبي، ويتحول المسلسل إلى صراع عليها بين رجلين، وكل منهما بالطبع وقع في حبها لجمالها الشديد.

وحتى النساء في المسلسل يحاولن قهرها غيرةً من جمالها، وحين تحاول الزواج من المنقذ، ترفض الأم الأرستقراطية ذلك لأنها تشك في ماضيها وأصلها، في تنميط طبقي تقليدي لم يتغير حتى شكله بمرور الزمن.

لا يفاجئنا هذا حين نعرف أن كاتب قصة المسلسل، محمد عبد المعطي، هو نفسه كاتب قصتي مسلسلي “الأسطورة” و”نسر الصعيد” لمحمد رمضان.

تكريس صورة المرأة المغلوبة على أمرها
shutterstock

تشجع تقارير المجلس القومي للمرأة الصورة التقليدية للمرأة في كتابات وخيال الذكور من صناع الدراما. يبدو نقدها للمخالفات محافظاً، لا تتضمن موانع في توزيع الأدوار الاجتماعية التقليدية للحفاظ على بنية الأسرة، بشرط ألا يتم استخدام العنف أو الشتائم في هذا.

 تبدو التقارير متصالحة مع تعدد الزوجات الذي يتم التطبيع معه في مسلسل “زلزال” مثلاً، وكذلك لا ينتقد تمحور مسلسل “حياتي” حول شهوة الرجال وصراعهم حول البطلة وتفريغها هي شخصياً من أي رغبات جنسية، طالما اكتفينا بانتقاد الصفع على الوجه وأن نفعل ذلك بالألفاظ اللائقة!

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات