غاية وليست وسيلة.. دليلك لبناء علاقات صحية مع شريك/ة حياتك

في السنوات الأخيرة تغيرت توقعاتنا عن الحب والارتباط بشكلٍ كبير، بعد تزايد وعينا بفكرة العلاقات الصحية، سواء مع الأصدقاء والمعارف، أو في علاقاتنا العائلية. لكن نصيب الأسد من الاهتمام تركَّز على العلاقات العاطفية.

.

كيف يمكننا أن نبني علاقة عاطفية صحية؟ هذا هو السؤال الذي خلق ثقافة جديدة لافتة للنظر، خصوصًا بين الشباب، ووجد طريقه إلى صفحات المشكلات العاطفية، وجلسات الأصدقاء، وحتى الأفلام والدراما.. الكل يتساءل كيف يمكننا أن نصبح “Relationship Goals”؟

الطريق إلى السعادة 

رغم أننا تربينا في ثقافة متحفظة، ترى الزواج هدف العلاقة العاطفية، وكان من الشائع أن تستمر زيجات كثيرة غير موفقة، حفاظًا على المظهر الاجتماعي، لأن الطلاق كان مرفوضًا مجتمعيًّا، فقد تغير الوضع في السنوات الأخيرة بين جيل الشباب.

لم يعد الزواج هو الهدف الأعظم الذي يستميت كثيرون لبلوغه، بصرف النظر عن جودة الحياة الزوجية، بل شاعت فكرة “العلاقات الصحية”، التي تحقق السعادة والأمان لطرفيها، أيًّا كان شكل علاقتهما.

على السوشيال ميديا يتداول الجميع صورًا رومانسية، أو مواقف حب ودعم بين حبيبين، مُعلقين عليها: “Goals”، أي أن هذا هو ما نحلم به في العلاقات. وعلى جانب آخر، في كثير من صفحات المشاكل العاطفية، يتكرر تعليق بعينه: “هذه علاقة غير صحية ويجب أن تنتهي فورًا”.. 

فما هي العلاقة الصحية بالضبط؟

يمكننا وضع تعريف العلاقة الصحية بأنها العلاقة القائمة على الاحترام الكامل والمتبادل، والتي يجد فيها الطرفان احتياجاتهما العاطفية والنفسية والجسدية ملبَّاةً، دون ضغط أو إكراه من أحد طرفيها على الآخر، واحترام حدوده، مع إدارة العلاقة بالتفاهم والصدق والتعاون. توفر العلاقة الصحية شعورًا بالراحة والحرية، والأمان والطمأنينة مع الطرف الآخر، وأنه لن يكون مصدرًا للأذى أو للضرر.

في العلاقات الصحية أيضًا يغيب مبدأ العقاب، حيث يعمد أحد الطرفين لإيذاء الآخر حال اختلافهما أو شجارهما، ولا يعمد أحدهم إلى “الصمت العقابي Silent treatment” أو التجاهل المؤذي، بل يكون حل المشكلات عن طريق التواصل الصحي والتحدث بحرية ودون خوف عن مشاعرهما واحتياجاتهما، ومراعاة الطرف الآخر لهذا، وتسوية الخلافات بحلول وسطية دون انفراد أحد الطرفين بالسلطة وفرض الرأي.

لا يوجد شكل محدد للعلاقة الصحية، ولا كتالوج للتصرفات المثالية مع الشريك/ة، لأن احتياجاتنا تختلف، ليس من شخصٍ لشخصٍ فحسب، بل تختلف بالنسبة لنا شخصيًّا كلما نضجنا أو تغيرت ظروفنا، فما كان صحيًّا بالأمس أصبح ضاغطًا وغير مقبول اليوم، وما يقبله شريكان في علاقتهما ويقوي ترابطهما، قد يرفضه آخران تمامًا.

كل ما نحتاجه لنحصل على علاقة صحية هو أن نعرف ماذا نريد في حياتنا، وكيف نتواصل مع شريكنا، وكيف يمكننا أن نحب بشكل سليم وصحي.

القواعد الأهم للعلاقة الصحية

الأساس المتين لأي علاقة عاطفية صحية هو الاحترام، والاحترام الأهم في أي علاقة هو احترامنا لأنفسنا، لأن تدني تقدير الذات والشعور بالدونية وعدم الاستحقاق، يجعلنا ضحية لعلاقات مسيئة، تستغلنا لتقديم كل ما نملك في مقابل أقل القليل.

عندما نحترم أنفسها ونقدرها، نستطيع انتقاء شريك قادر على احترامنا، نتعامل معًا كشركاء متساوين، لهما نفس الاحتياجات والحقوق والأهداف، وعندها يمكننا تأسيس علاقة ناجحة وصحية قائمة على:

  • احترام الحدود: في الحب تغيب بعض الحدود، لكن ليس كلها. لغة الاحترام وعدم الإهانة أو العنف لا تسقط أبدًا، واحترام رغبات الشريك/ة في فعل معين، أو رفضه/ا لتصرف معين، هي أولى علامات العلاقة الصحية. العلاقات المؤذية فقط هي ما نقول فيها “لا” لتصرف معين فيعود الطرف الآخر ويكرره.
  • الثقة: للثقة أشكال كثيرة في العلاقة الصحية، منها الثقة في عاطفة الشريك/ة وإخلاصه/ا لنا، ما يجعل الغيرة المفرطة بعيدة عن العلاقة بكل مشاكلها. ومنها الثقة في أنفسنا التي نكتسبها من شعورنا بأننا محبوبون ومُقدَّرون كما نحن، ونلقى الدعم من شخص نحبه ويحبنا. ومنها الثقة في الطرف الآخر، في دعمه ووجوده معنا، وفي قدرتنا علي مشاركته ذكرياتنا وأسرارنا وحياتنا في أمان تام. الثقة عامود أساسي في العلاقة السليمة.
  • التواصل السليم: وهو القدرة على التحدث بحرية عن مشاعرنا واحتياجاتنا، دون خوف من مهاجمتنا، أو استغلال ما قلناه ضدنا لاحقًا. يكون هدف التواصل هنا هو الانفتاح على الشريك/ة ليفهمنا بشكل أعمق، ويجعلنا أكثر تفاهمًا لاحقًا.
  • تقبل الرفض بشكل صحي: الخلاف جزء أساسي من الحياة والعلاقات، لأن الناس لا يتشابهون، وفي العلاقات الصحية يدرك الشريكان أن رفض الشريك/ة لتفصيلة في العلاقة لا يعني رفضه هو شخصيًّا، أو عدم حب، بل اختلاف طبيعي وصحي، لأن الصمت وعدم مناقشة المشكلات هو بداية طريق التعاسة.
  • المساحة الشخصية: رغم أن غاية الحب هي الامتزاج، وتشارك تجارب الحياة، فالاحتفاظ بمساحة شخصية أمر يعزز الحب، فيكون لكل طرف أصدقاء وأنشطة ومساحة من الوقت تخصه/ا، دون أن يقلل هذا من عمق الرابطة العاطفية مع الحبيب/ة.
  • التشابه الصحي: من الطبيعي أن يختلف الطرفان في الطباع والأنشطة والهوايات، لكن من الضروري أن يكونا متشابهين في القيم والمبادئ، وأهداف العلاقة التي تربطهما، ومتفقان على نقاط مهمة قد تغير شكل مستقبلهما، مثل هل يريدان الإنجاب مستقبلاً أم لا، هل يريدان الاستقرار في نفس البلد أم يخطط أحدهما للهجرة، وغيرها.
  • تقبل الاختلافات والعيوب: لا توجد علاقة مثالية، ولا شريك/ة مثالي/ة، لكن في العلاقات الصحية لا نسعى للمثالية بقدر ما نسعى لتقليص الاختلافات إلى درجة يمكننا التعامل معها، ولا نحارب لتغيير شخصية الطرف الآخر، لأننا عرفناه بهذه الشخصية وقبلناه بها، وإن كان من الممكن أن نحاول إصلاح عيوبنا.
  • التسوية والحلول الوسط: عندما تندلع مشكلة كبيرة، يركز كثيرون على الخروج منتصرين في النقاش، لكن في العلاقات الصحية تكون التسوية والوصول لأرض وسط بين الآراء المختلفة هي الاهتمام الأول للطرفين، ويضعان تاريخهما المشترك وأهمية علاقتهما فوق أي كبرياء شخصية.
  • المشاعر غير المشروطة: ليس الحب فقط هو ما يجب أن يكون غير مشروط في العلاقة، بل كل المشاعر الطيبة، المودة واللطف والمراعاة والاحترام، من الضروري أن تكون بلا قيد أو شرط، مهما كانت الظروف.

في ثقافتنا الحالية لم تعد العلاقات هدفًا في حد ذاتها، بل أصبحت جودتها أيضًا عنصرًا فارقًا، والسعادة مطلب أساسي فيها، خصوصًا مع الصورة البراقة الجديدة للحب، التي تجعلنا نعيد النظر في المتاح أمامنا، ونتساءل عما نريد فعلاً.

كيف نُحب، وكيف يُحب الآخرون؟ 

رغم الدور الإيجابي الذي لعبته السوشيال ميديا في انتشار مصطلح “العلاقة الصحية”، وتغيير مفهوم الكثيرين عن التعرض للإساءة في علاقاتهم، وثقافة “الصبر” على العنف والإساءة والغيرة المفرطة والشك كعلامة على الحب والمشاعر و”الحمشنة”، فقد لعبت السوشيال ميديا دورًا آخر خطيرًا في تلميع شكل معين للعلاقات يقدمه مشاهير ومؤثرون باعتباره الشكل المثالي.

يتكرر تعليق Goals على قصص حب حقيقية رائعة، ويتكرر أيضًا عند المؤثرين الذين يتلخص محتواهم كله في كونهم شريكين يمارسان حياتهما أمام الكاميرا، ويمثلان العديد من المواقف العاطفية والكوميدية والدرامية، ليمررا رسائل بعينها عن الحب والعلاقات، قد لا تكون أفضل رسالة.

لكن الرسالة الأهم التي تمر للمتابعين هي شكل معين للعلاقات، وشكل معين للسعادة، وطريقة تعامل بعينها في حالة الخصام مثلاً، وربما مستوى مادي بعينه في الهدايا والنزهات، ما يفتح باب المقارنة بين ما نملكه في حياتنا الواقعية، وبين ما نراه على الشاشة، والذي ليس بالضرورة حقيقيًّا ولا صادقًا.

في عصر “This could be us”، قد نشعر بالضغط لأننا لم نحقق “التارجت” أو الهدف الاجتماعي الجديد، وهو العلاقة المبهرة التي ننشر صورها متبوعة بالقلوب الحمراء، لكن إذا كانت هناك علامة أهم للعلاقة الصحية، فهي أنها لا تكترث بهذه المظاهر، وحين تبدأ، تبدأ في هدوء دون أن نشغل بالنا بمن يصفق لنا ومن يهنئ.

العلاقات الصحية أكثر هدوءًا، تستمتع بحميميتها بعيداً عن الأنظار، ويكتفي أصحابها بالطمأنينة التي تغمرهما، دون اكتراث بآراء الآخرين.. تمامًا ككل الأشياء الحقيقية.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (6)

  1. مقال جميل وكل القواعد المذكورة صحيحة ينقص شي واحد وهو الشي الأهم والعمود الملموس لكل ما قيل وهو وجود الدخل المالي الكافي لحياة كريمة لو في مشكل في ناحية الفلوس تأثير القواعد المذكورة إحتمال كبير جدا ينضرب في الصفر ويصير يساوي صفر

  2. لو وضعنا كل ده في كفة وفكة ثانية وضعنا الراحة المادية والقدرة على توفير الحاجيات سترجح كفة الراحة المادية
    إنتو عارفين الجيل الجديد ده خصوص من البنات أحلامو الساذجة عن حياتو المادية وصلت لفين ولا لا؟

    1. أتفق 100%
      رغم كل ما يقله الفتيات عن الحب والرومانسية والعلاقات الخ
      اكثر شي يجذبهن حقا هو المال

      1. مرحباً عزيزي/
        نشجعك على التعليق دون وصم فئة أو مجموعة معينة، حيث أن سياسة موقع الحب ثقافة لا تتسامح مع الوصم أو التمييز على أساس الجنس.
        تحياتنا

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات