السرطان والحياة الجنسية
Shutterstock

تأثير الأورام السرطانية على الصحة الجنسية والإنجابية

تؤثر الأورام السرطانية على الصحة الجنسية، مثلما تؤثر على العديد من الوظائف الجسدية. بالطبع كل تجربة مختلفة عن الأخرى، ولكن قد تكون هذه النصائح مفيدة إذا كان أحد الشريكين يعاني من المرض.

“إحنا مع الأسف بنواجه لوكيميا”.


في فيلم “انت عمري” يوجه الطبيب هذه الجملة إلى المهندس يوسف (هاني سلامة)، ليبدأ تجربة جديدة مغلفة بشبح المرض.

يمثل المشهد الذي ذكرناه نقطة ينطلق منها صراع داخلي يعيشه البطل إلى جانب الصراع الخارجي المتمثل في مرضه، فبدلاً من أن يأخذنا الفيلم في رحلة علاج نغرق في تفاصيلها معلقين آمالنا على نجاة البطل من الموت وتغلبه على مرضه، جعلنا نغوص في نفسية البطل وعلاقته بنفسه وزوجته.

عندما يكتشف يوسف حقيقة مرضه، يخفت صوت الطبيب ولا نرى من المشهد سوى دموع يوسف وومضات أفكاره المبعثرة، والتي لا يرى منها سوى صورة مستقبلية لزوجته وهي متشحة بالسواد، وأخرى لوالده الغارق في أحزانه، وثالثة لإبنه الذي سيصبح بلا عائل.

يقع يوسف فريسة لأفكاره فيقرر التخلي عن كل شيء؛ بيته وعمله وزوجته هند، وأن يواجه شبح الموت منفرداً، لتبدأ رحلته بالتعرف على شمس -التي تحمل نفس المرض- فيجد فيها صورة تجسدت فيها آلام مرضه وآماله في النجاة.

في كل مرة أشاهد فيها الفيلم أتساءل: ماذا لو لم يقرر يوسف التخلي؟ ماذا لو قرر البقاء ومواجهة المرض في أحضان زوجته؟ هل كانت ستقدم له الدعم الكافي؟ هل كان سيتفاعل معها عاطفياً وجنسياً كما فعل مع شمس التي تشاركه تجربة المرض؟

تمثل الجنسانية مُكوناً هاماً في شخصية البشر على اختلاف هوياتهم وميولهم ودرجة نشاطهم الجنسي، فهي تمثل رؤيتنا لأنفسنا، ونظرتنا لأجسادنا، وشعورنا تجاه الآخرين، والطريقة التي نتصرف بها، والطريقة التي نعبر بها عن مشاعرنا ومقدار الحميمية التي نود اختبارها.

ويختلف ذلك من فرد إلى آخر باختلاف الجينات والنشأة، ويتغير بتغير الظروف والمواقف، ويكتسب ثقلاً بزيادة الخبرات والتجارب.

ومن أهم التجارب التي نمر بها تجربة اختبار المرض، خاصةً إن كان مرضاً مزمناً أو مؤثراً على وظائف الجسد مثل الأورام السرطانية بأنواعها.

حين نتحدث عن الجنس في ظل وجود ورم سرطاني يتبادر إلى أذهان الكثيرين الصورة النمطية لسيدة مصابة بسرطان الثدي اضطرت إلى استئصال أحد ثدييها، كيف ستكون نظرتها لجسدها وكيف ستتعايش مع فقدان هذا الجزء الذي كان يمثل عنواناً للأنوثة وعاملاً للإثارة؟ أو صورة أخرى لسيدة مصابة بورم يستدعي استئصال الرحم وهي تستمع إلى طبيبها الذي يخبرها أنها ستفقد حلم الأمومة إلى الأبد.

ولكن ماذا عن العديد من البشر -نساءً ورجالاً- ومعاناتهم مع أشكال مختلفة من السرطانات، والتي لا تحمل في ظاهرها تأثيرات جنسية ولا تؤثر على الإنجاب، لكنها في الواقع لها تأثيرات بالغة على جنسانيتهم.

تجربة السرطان
shutterstock

السرطان والحياة الجنسية

يُعرف السرطان بأنه “المرض الخبيث”، وهو عبارة عن تكاثر خلوي غير طبيعي عادةً ما ينتج من عدة عوامل أهمها الطفرات الجينية والعوامل الوراثية، بالإضافة إلى العوامل البيئية، وهذا يجعل التنبؤ بحدوثه أمراً صعباً.

ولكن خطورته لا تتمثل في موضع الإصابة، وإنما يضع بصمته على الجسم كله عن طريق العديد من الأعراض التي يصعب تمييزها، ومنها:

  • إرهاق وضعف عام
  • تغيرات في الشهية يمكن أن تؤدي إلى تغيرات ملحوظة في الوزن (بالزيادة أو النقصان)، ولكن عادةً ما يصاحب السرطان نقصان في الوزن
  • آلام المفاصل ووهن العضلات
  • حمى متكررة وتعرق ليلي
  • نوبات متكررة من القيء أو الغثيان أو صعوبة التنفس أو النزيف

وبالإضافة إلى الآثار الجسدية السابق ذكرها، والتي تؤثر على الصحة العامة، وبالتالي على القدرة على ممارسة الجنس والاستمتاع به، فتجربة السرطان يمكن أن تؤثر أيضاً على شعورك تجاه جسدك، وبالتالي على قدرتك على الاستمتاع بالجنس.

كما يمكن لمشاعر التوتر واضطرابات النوم المصاحبة للإصابة بالسرطان أن تؤثر على علاقتك بالشريك/ة، أو قدرتك على التعبير عن مشاعرك، وكل هذه العوامل يمكن أن تغير شعورك تجاه الجنس

العلاجات المُتاحة للقضاء على المرض يمكنها أيضاً أن تؤثر على الحياة الجنسية والإنجابية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ويمكن أن نوجز تأثيراتها كالتالي:


العلاج الكيميائي

تُعد العلاجات الكيماوية من أقوى أنظمة العلاج، فهي تُعد الحل الأول والوحيد للعديد من المصابين، وتمثل مرحلة تكميلية لا غنى عنها سواء قبل التدخلات الجراحية أو بعدها.

للعلاجات الكيماوية تأثير قوي في تدمير الخلايا السرطانية، لكنها يمكن أن تستهدف خلايا جسدية سليمة مما يسبب العديد من الأعراض الجانبية.

لهذا النوع من العلاج تأثيرات مباشرة على الحياة الجنسية والإنجابية نتيجة لتأثيرها المباشر على الهرمونات الجنسية، ومن هذه التأثيرات، اضطراب الدورة الشهرية عند النساء، مما يجعل التخطيط للحمل أمراً صعباً، كما تُعد هذه العلاجات سبباً من أسباب جفاف المهبل مما يؤدي إلى عسر الإيلاج المهبلي.

كما يمكن أن تسبب تأثيرات على الصحة الجنسية للرجال، حيث يُعد القذف المتأخر وصعوبة الوصول إلى النشوة من أشهر الشكاوى للرجال الذين يتلقون العلاج الكيماوي.

العلاج الإشعاعي

يمثل الإشعاع إحدى الخطط العلاجية التي تُطرح بقوة كعلاج ملازم للعلاج الكيماوي أو بديلاً له، حيث يتم تسليط كمية كبيرة من الإشعاع لتدمير الخلايا السرطانية وبالتالي تقليل حجم الورم.

وبالإضافة إلى تأثيره على الصحة العامة مما يؤثر بشكل غير مباشر على الحياة الجنسية، للعلاج الإشعاعي تأثيرات مباشرة إذا تم توجيهه لمنطقة الحوض، حيث يمكن أن يؤثر على قوة الانتصاب عند الرجل، وعلى إنتاج البويضات عند المرأة، لذلك يُعد أحد أسباب الانقطاع المبكر للطمث أو اضطرابات الدورة الشهرية.

مرض السرطان
shutterstock

عمليات الاستئصال


تتم التدخلات الجراحية باستئصال الورم أو جزء منه، ويظهر تأثيرها على الحياة الجنسية والإنجابية في حالتين:

 

  1. إذا كان النسيج المُستأصَل يؤدي وظيفة جنسية أو إنجابية.
  2. إذا حدث خطأ طبي أدى إلى إصابات للجهاز العصبي، خاصةً الذي يغذي منطقة الحوض.


في كل الأحوال فإن جميع الأنظمة العلاجية المُقترحة لعلاج السرطان تؤثر على الصحة الجسدية والنفسية، وتُحدِث تغييرات في نمط الحياة، كما تؤثر على نظرتنا لأجسادنا ولشركائنا، ما ينعكس على الحياة الجنسية.


كيف نتعامل مع هذه التغييرات الطارئة على حياتنا الجنسية؟


تختلف ردات فعل البشر، فبينهم من يعزف عن ممارسة الجنس سواء لفقدان المتعة أو القلق من الأحكام، وبينهم من يصاب بنهم إلى ممارسته.


لا يمكن تصنيف ما هو طبيعي وما هو غير طبيعي، فردود أفعال البشر تختلف باختلاف الرغبة الشخصية والحالة الصحية، بل أنها تتلون من موقف إلى آخر.


في كل الأحوال لا نملك حق المصادرة على خيارات البشر، وليس من حقنا أن نقرر نيابةً عنهم ما يجب عليهم فعله لتحقيق حياة جنسية سعيدة. لكن يمكننا تقديم بعض النصائح:

1. ركزا على الحميمية


تمثل الأحضان والقبلات وجلسات المساج وغيرها من صور التواصل الحميمي أمراً شديد الجاذبية، فلا تقتصر متعة الجنس على الإيلاج أو الممارسات التي تجري باستخدام الأعضاء الجنسية.

2. لا تضعا شروطاً للمتعة


الاستمتاع بالجنس لا يمكن تلخيصه في الدقائق المعدودة التي تصلان فيها للنشوة، بل بالاستمتاع بكل خطوة وبكل ممارسة دون وضع قوالب مجتمعية للصورة التي يجب أن تكون عليها الممارسة الجنسية الممتعة.

3. كونا منفتحين على تجارب جديدة


فعلى سبيل المثال إذا وجدتما صعوبة في ممارسة الإيلاج المهبلي يمكنكما تجربة الجنس الفموي، وإذا كان الشريك/ة يعاني من تساقط الشعر نتيجة لتلقي العلاج الكيميائي يمكنكما خوض تجربة جديدة عن طريق لعب أدوار مختلفة، أو ممارسة أحد ألوان الجنس غير النمطي، كالـ BDSM مثلاً.

4. فكرا في حلول للمشاكل


تعاملا مع المشاكل الجنسية بمعزل عن السرطان، فهذه المشاكل لا يقتصر حدوثها على من يمرون بتجربة السرطان، بل يمكن أن تحدث دون أي أسباب. فقط عليكما اكتشافها وإيجاد طرق مناسبة للتعامل معها.


على سبيل المثال يمكن استخدام المزلقات الحميمية للتغلب على جفاف المهبل، كما يمكن التغلب على مشكلة ضعف الانتصاب بإطالة وقت المداعبة.

5. تجنبا الآثار غير المرغوبة للعلاج


على سبيل المثال يمكن تفادي أو تخفيف الألم الجسدي الناتج عن الممارسة الجنسية باختيار أوضاع جنسية مناسبة، خاصةً إذا كان العلاج عن طريق إجراء جراحة قريبة من الحوض.


كما ننصح بعدم تقبيل الشريك/ة أو ممارسة الجنس الفموي خلال 72 ساعة من تلقي العلاج الكيماوي، لتقليل خطر الإصابة بأي عدوى.

التعايش مع السرطان
shutterstock

6. حافظا على التواصل في العلاقة


التواصل هو الحل السحري الذي تقوم عليه العلاقات الناجحة، فهو ضروري قبل البدء في ممارسة الجنس، وضروري للتعبير عما نرغب/ لا نرغب به أثناء الممارسة، وضروري للتعبير عن الألم أو الرفض تجاه ممارسة بعينها أو الرغبة في إنهاء العلاقة ككل.
 

7. تعلما المزيد من المعلومات من مصادر موثوقة


الجنس كأي سلوك يكتسبه الفرد، فمعلوماتنا وخبراتنا عنه تتشكل مع مرورنا بتجارب مختلفة. وليس عيباً أن نستثمر المزيد من الوقت والجهد في البحث عن المعلومات التي تسد ثغراتنا عن الجنس من مراجع متخصصة ونتبادلها مع شركائنا.



8. لا تترددا في استشارة الطبيب/ة المعالج/ة


فالأطباء المعالجون هم الأقدر على رؤية كل جوانب الحالة وتحديد خطة العلاج الأنسب، وتوقع الأعراض الجانبية التي يمكن أن تنشأ من تلقي العلاج ووضع خطة مناسبة للتعامل معها.



9. لا تترددا في طلب مساعدة نفسية

يجب أن تتضمن البرامج العلاجية للأمراض المزمنة أو الأورام السرطانية برامج تأهيل نفسي للمريض ومرافقيه من مقدمي الرعاية، فالدعم النفسي يساعد في تخطي الآثار النفسية وتحقيق نتائج أسرع في الاستجابة للعلاج.
 


10. اللجوء إلى متخصص/ة جنسي/ة ليس عيباً


اللجوء إلى متخصص/ة في الطب الجنسي ليس عيباً في كل الأحوال، حتى لو لم يعانِ الشريكان من أي أمراض. ولأنه من الطبيعي أن تؤثر الأورام السرطانية على حياتك الجنسية، فربما يكون من المفيد تلقي نصيحة متخصصة تساعدك على فهم التغيرات التي تحدث في حياتك.

مصادر

Oncolink

Mayoclinic

تاريخ آخر تحديث: 29 يوليو 2024.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات