شوارع القاهرة
Wikimedia Commons

مخاطر مشي العشاق في شوارع القاهرة

“هنا القاهرة! القبلة فعل فاضح في الطريق العام، أما التبول على الرصيف فـفك زنقة محصور”.

“هنتعامل ويتعامل طلع سلاحك متكامل” وهذا ما يمكن أن نطلق عليه عبارة “صباح الخير” في القاهرة، لا كمقطع من الأغنية الأكثر شعبيةً في شوارع المدينة، بل أيضاً كتوصيف لحالة “المعاملة”، حيث الخطر المحدق بك في كل لحظة هو كغول يتربص ظلك على الأرض. “تجيب ورا تصبح مرا…مالكش قيمة وسط البشرية”. وبمصطلحات لغة النقد الأدبي التي راجت لفترة في التسعينيات نصبح أمام معادلة مقلوبة أخرى حيث “ملكش قيمة وسط البشرية = مرا (امرأة)”.

“صباح الخير، هنا شوارع المدينة”، وقانون المعاملة الأول هو “امرأة” لا قيمة لها وسط البشرية، طبعاً إلا في حالة إذا تعاملت وأخرجت سلاحها متكاملاً. الدنيا غابة يا صاحبي!.

لأكثر من ثلاثة عقود، من المفارقة أن نلاحظ كيف تتحول وجهة المواضيع الرئيسية من الغناء الشعبي إلى الحديث عن الغرام أو الرزق والرضا بشكل مختلف تماماً عن زمن عدوية وحمدي باتشان، حيث نسق “خيانة الأصدقاء”، أو سرديات معارك “أبطال خارقين” “من أصحاب النخوة” تحمل دلالات “الأصول” و”الأخلاق” و”الاستعداد للدفاع والحماية” وصورة مغايرة للرجولة، بداية من “عزبة محسن” وحتى “المطرية”.

في مناخ حار بنسبة رطوبة عالية في الصيف، يصبح الجو مع زحام القاهرة وسطاً مناسباً لنمو مظاهر الاستعراض العدائي، من قبل الذكور على وجه الخصوص. وهنا يكون تصاعد ظاهرة التحرش “العلني” بالإناث في المدينة العلامة البارزة في إطار استعراض موازين القوى في شوارعها، خصوصاً في السنوات الأخيرة.



استراتيجيات التخفي
لخوض تحديات الحياة وسط هذه الغابة، طورت الإناث في القاهرة تقنيات متنوعة من أجل اتباع استراتيجية التخفي تفادياً لأنظار وحوش الشارع الذكور.

تسير الإناث في القاهرة بخطوات متسارعة، موجهن أنظارهنّ للأرض أو باتجاه نقطة خفية في الأمام. يتحاشين أي تواصل بالأعين أو الابتسام، أو أي انفعال في عضلات الوجه. ومع ذلك تهبط الكلمة لا محالة. يهمس بها شاب عابر، أو عجوز جلوس بتكاسل أمام محله.

تتسبب القاهرة في الكثير من العوائق للعشاق، وتتحرك بعض المجريات لتخلق الخلافات والصراعات بين الأصحاب والأزواج. من تلك الكوابيس التي يخجل الذكور من الاعتراف بها لبعضهم البعض هي ذلك التوتر والضغط الذي يشعرون به عند مصاحبة أي صديقة أو أنثى تربطهم بها أي علاقة للمشي في الشارع لأي سبب أو غرض.

في منطقة كوبري قصر النيل وعلى الكورنيش الممتد من مبنى التلفزيون حتي جاردن سيتي، يستغل العشاق المساحات المفتوحة كنزهة مجانية، لكن مع ذلك يوظب رجال الأمن الشجعان، وعيون الوطن الساهرة على مهاجمة أي زوجين، خصوصاً إذا كانوا شباباً أو مراهقين.

تقتحم سلسلة من الابتزازات المساحة مستغلة صغر سن العشاق والقواعد الاجتماعية السائدة. يسأل رجل الأمن عن البطاقة، ثم يبدأ بممارسة استعراض سلطاته، والتهديد باصطحابهما لمركز الشرطة (“القسم”) لتحرير محضر بفعل فاضح في الطريق العام.


 
ضبط ورقابة..
هنا القاهرة! القبلة فعل فاضح في الطريق العام، أما التبول على الرصيف فـفك زنقة محصور.

إذا استثنينا أماكن رجال شرطة الأخلاق، ورقابة حراس الحدائق المنتشرين في كل الحدائق العامة (لدرجة أن حراس الأمن في حدائق القاهرة يزيد عددهم عن عدد العاملين في فلاحتها) إلي أين يمكن الذهاب إذاً؟

إلي مكان يليق بأبناء “الطبقة الوسطى” أكثر ، سينما أو مول تجاري أو كافيه يقف على حراسته رجل أمن من القطاع الخاص وظيفته أن يختار زبائن المكان بناء على مظهرهم وقراءته لتصنيفهم الطبقي. يفرض الأمن قواعد أخلاقية صارمة.

تمارس بعض المراكز الثقافية “المنفتحة” الضبط على لغة الجسد لدرجة أنك إذا حدث وصادفت صديقة لم تقابلها من زمان وتبادلتما السلام بقبلتين على الخد يمكنك أن تحصل على الكرت الأحمر من “الساقية” وطردك أنت وهي من المكان.

تضغط كل هذه التفاصيل على جميع اختياراتك كعاشق وكإنسان في القاهرة. يتوقف الشاب العاشق “الليبرالي” لصديقته أمام فستانها القصير. يومئ برأسه أنه جميل، لكنهما سيمران من حقل الشارع خطوات قبل الوصول إلي المكان المعني.

يطلب منها لفظياً أو يشير بإيماءاته إلي أن “الخروجة” تتضمن المشي في الشارع. هذا مؤشر متعارف للحاجة إلى وضع تحصينات وأغطية وشال أو أكثر.



في حالة تربص
بصحبة الأنثى يسير الذكر في حالة تربص ومراقبة، بدلاً من رؤيتها أو تبادل الحديث أو استكشاف الشارع. متذمراً يراقب جميع من حوله، ينتظر كلمة من هنا، أو يصد بعينيه نظرة من هناك.

حينما تعبر مجموعة من الشباب بجوارهما، ويلقي أحدهم تعليقاً، يكتفي الذكر المصاحب لرفيقته بتصنّع الصمم حتى لو التفت “المتحرش” معلقاً على زي رفيقته، طالباً منها جزء قد انكشف من ملابسها في قيظ القاهرة.

بين التحرش في الشوارع وتلك السلطة الناعمة التي تخضع لها أي أنثى برفقة الذكر حينما يطلب منها لبس ملابس معينة، أو عدم التدخين في هذا المكان، لأنه لا يتحمل نظرات من حوله المصوبة باتجاهه والمرأة التي ترافقه.

بين الذكورة الخشنة المنطلقة بلا قوانين أو قواعد في الشوارع، والذكورة الناعمة المستكينة للضغط الخارجي التي تتجنب تعرض أحدهم للمرأة التي ترافقك تسير حياة إناث القاهرة، ومعها يزداد جحيم حياة الذكور بين إناث يرغبن في فرض حمايتهنّ وإناث يسعين لانتهاك حمايتهنّ.

ملاحظة: الآراء الواردة في المدونات تعبّر عن رأي كتابها وليس عن رأي الموقع

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (3)

  1. فقط هذه مقالات الاستاذ احمد…
    فقط هذه مقالات الاستاذ احمد ناجي ؟ الا يوجد لديه مقالات أخرى ؟

  2. نقرأ مواضيع كثيره عن الجنس…
    نقرأ مواضيع كثيره عن الجنس وعندنا ثقافه جنسيه لكن لماذا تنقصنا الجراه وليس بمقدورنا تطبيق شيء جديد على حياتنا الجنسيه مثال انا عندي حبيب لا استطيع اتجرأ واقول له افعل فيني هذا وهذا فانا انتظر البادره منه كالقبله والاحتظان أو لمس بعض الاماكن بجسدي وايضا لما اكون معه في السرير لا يشبع رغباتي كما اريد بل يمارس الجنس بالطريقه اللتي تشبعه جنسيا وانا لا استطيع اقول شيء واذا تكلمت ياخذ عني فكره سيءه

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات