للطفولة أثر على حياتك البالغة
Shutterstock

تجارب الطفولة وأثرها على حياتك العاطفية والجنسية

الطفولة مرحلة شديدة الحساسية في حياتنا، تشكل خلالها أبسط الصدمات والتجارب جزءًا كبيرًا من سلوكنا كبالغين. السلوك الجنسي والعاطفي ليس استثناءً، فهو يتأثر بعوامل الطفولة، ويجعلنا نحمل إلى شركائنا وأسرَّتنا انعكاسات لما اختبرناه قبل أن نعي العالم تماماً.

تأثير تجارب الطفولة في سلوكنا العاطفي والجنسي يستدعي الكثير من التأمل لفهمه، لأنه ليس ثابتاً.

قد تختلف نتيجة تأثير واحد من شخص لآخر. التحرش مثلاً قد يؤثر على طفلٍ ليصبح متحرشاً، ويؤثر على آخر فيصبح مناهضاً للتحرش، ويؤثر على ثالث فيربيه على الخوف والصمت، والتحول إلى ضحية مستسلمة.

ليست هناك نتيجة ثابتة، لهذا نحتاج لتأمل تجاربنا الخاصة ونكتشف بأنفسنا تأثيرها علينا، سلباً أو إيجاباً.

 

تجارب الطفولة السلبية التي يحملها البالغون

الطفولة هي القالب الأساسي لشخصياتنا كبالغين، فنعيش ونواجه العالم بتجاربها، ونحمل صدماتها لننجو منها.

بعض هذه الصدمات قد يؤثر على علاقاتنا العاطفية والجنسية سلباً، أو يصبح الشكل الذي نبحث عنه في العلاقة، لأنها النمط “البديهي” الذي يشعرنا بالراحة.

يختلف تأثير تجاربنا السلبية في الطفولة على حياتنا الجنسية، لكن بوسعنا حصر أهمها.

 

ممارسة الجنس للشعور بالحب

 

الجنس نشاط إنساني ممتع، قد يكون الحب جزءاً منه، لكن أن تمارس الجنس كوسيلةٍ للشعور بالحب، فهنا يجب أن نتوقف لحظة.

تؤشر ممارسة الجنس بغرض الشعور بالحب إلى طفولةٍ جافةٍ خاليةٍ من المشاعر، تجعل الشخص يبحث عن الحب والقبول مع شريك يعوضه حنان الأهل، ويسعى لإرضاء الآخرين لنيل عاطفتهم.

 

كراهية الجنس والاشمئزاز من الجسد

 

يأتي هذا الشعور من تراكمات مختلفة، قد تكون التشدد الديني أو العادات المجتمعية التي تُقصي الجنس عن الحياة وتجعله “تابو” يُمنع الاقتراب منه، وتجعل المجتمع كله شريكاً في أجسادنا، يحاكمنا على رغباتنا وطريقة التعامل معها.

ربما تكون السيدات هن الأكثر معاناة من هذه المشكلة، فالتشدد والعادات الخاطئة تعرضهن لتجربة الختان المؤلمة، وتؤثر على علاقتهن بأجسادهن، وتوظفهن لإسعاد الشريك ولو ضد رغبتهن. كما قد يختبرن مشكلاتٍ أخرى ناجمة عن هذه المشاعر السلبية، مثل التشنج المهبلي.

 

بالتدريج ينفرن من الجنس، أو يرضين الشريك وحده ويتجاهلن مشاعرهن.

 

مع إهمال التربية الجنسية للأطفال، ورفض إجابة أسئلتهم حول الجسد خصوصًا في سن المراهقة والبلوغ، يتحول الجنس إلى “خطيئة”، وتصبح المشاعر الجنسية قرينة الاشمئزاز، ما يؤثر على الحياة الجنسية مستقبلاً.

ليست السيدات فقط الضحايا، بل هناك أيضاً الرجال الذين يستغلون شريكاتهن دون عاطفة، أو يتعاملون مع النساء كأداة جنسيةٍ لا أكثر، أو يتعاملون مع الجنس لتفريغ احتياجهم الجسدي دون الاستمتاع بالرومانسية والتواصل مع الشريك.

علاقة دون استمتاع

عدم الثقة في النفس

 

التربية في أسرة متنمرة ومسيئة، تربي طفلاً يفتقر إلى الثقة في نفسه، يخجل من جسده، ويخجل من الانفتاح على الشريك.

نرى انعكاساً لهذا بداية من الأشخاص الذين لا يقبلون مجاملة عاطفية دون السخرية من أنفسهم، وحتى من يرفضون ممارسة الجنس دون إطفاء الضوء.

 

عدم الثقة في الجنس الآخر

 

التربية في أسرة متناحرة تجعل الثقة في الجنس الآخر أمراً صعباً، ومعاناة أحد الأبوين من الآخر تربي في الطفل تصوراً خاطئاً عن علاقاته، وتخيفه من الثقة بأحد.

قد تأتي عدم الثقة أيضًا من حوادث أخرى، مثل الاعتداء والتحرش الجنسي، خصوصًا من الأقارب.

 

الاحتياج إلى العنف في العلاقة العاطفية

 

التعرض للعنف في سنٍ صغيرة، يجعل الشخص أميل للتصرف بشكلٍ مشوه في علاقاته. ليس من الضروري أن يكون العنف موجهاً للطفل ليؤثر فيه، بل مجرد وجوده كمشهد متكرر في الحياة اليومية.

في أسرة تتعرض فيها الأم لعنف الأب مثلاً، يكبر الطفل متصوراً أن هذه هي طريقة التعامل الطبيعية مع شريكة حياته، وتكبر الطفلة متصورة أن هذه وسيلة تعبير شريكها عن الحب والغيرة.

 

العنف الجسدي مع الطفل يجعله شديد العنف مع الشريك، أو يجعله مجبراً على قبول عنف الشريك لتستمر الحياة.

 

العنف النفسي أيضًا يؤثر سلباً على الطفل، ابتزازه عاطفيًّا أو الضغط عليه، ومقارنته بغيره، يجعله راغباً في شريكٍ ضعيفٍ يمارس عليه سيطرته ليشعر بالثقة. أو العكس، يجعله بحاجةٍ إلى شريكٍ مستبد اعتقاداً أن هذا هو الشكل المقبول للحب.

 

التطلب العاطفي الشديد

 

للتربية القاسية عواقبها، لكن التربية المدللة لها عواقب لا تقل سوءاً، فالأسرة التي تبالغ في تدليل الطفل وتحقق كل متطلباته، تخرج شخصاً متطلباً يتوقع من الجميع نفس مراعاة مبالغ فيها لمشاعره، دون أن يقدم شيئاً في المقابل.

 

الطفولة السعيدة تساوي علاقات صحية

 

صدمات الطفولة ليست العامل المؤثر على حياتنا العاطفية والجنسية كبالغين، فالتجارب الجيدة والطفولة السعيدة تترك أثراً لا يقل قوة في نفوسنا، وتضعنا على طريق تقويم علاقاتنا العاطفية أولاً بأول.

 

عدم القبول بأقل مما نستحق

 

الحصول على حب الأبوين ودعمهم، ينشئ شخصاً قادراً على حب نفسه، فيبحث في علاقاته عن التكامل والتناغم. لا يندفع للحب أو للجنس ليشعر أنه أفضل، بل لأنه يجد نفسه في العلاقة.

 

الأطفال الذين تربوا في بيوتٍ مستقرة وأسرٍ طيبة يتعذر عليهم القبول بعلاقاتٍ مريضة أو مسيئة، يرفضون التعامل مع شريكٍ غير ناضج، ولا يخشون البقاء وحدهم لفترةٍ أطول دون ارتباط عاطفي، لأنهم يبحثون عن علاقة مرضية وناضجة، لا “أي علاقة والسلام”.

 

طفولة سعيدة

الشعور بالمسؤولية نحو العلاقة

 

تتعرض كثير من العلاقات العاطفية للانهيار نتيجة أنانية أحد الطرفين، أو كونه شخصية معتمدة بالكامل على الشريك. لكن الأطفال الذين نشأوا في بيتٍ يحملهم مسؤولية أنفسهم بدرجة صحية، يخرجهم أشخاصاً ناضجين يتحملون علاقاتهم ويبذلون فيها جهدًا لتنجح.

 

الاستقلالية

 

الرجال الذين لا يمكنهم العيش بمفردهم، والسيدات اللاتي يشعرن بالضياع لو لم يكن في علاقة عاطفية تمدهن بـ “السند”، نموذجان لتربية غير سوية، قد تدلل الطفل الذكر على حساب أخواته البنات، فينشأ غير قادر على رعاية نفسه. وتربي في الفتيات الشعور بالاحتياج لرجل ليشعرن بالأمان والاكتفاء.

نجد العكس تماماً في الأسر التي تربي أطفالها على المساواة، فينشأون مستقلين قادرين على رعاية أنفسهم، يخططون مستقبلهم ويعملون ويرتبون حياتهم بشكلٍ ناضج.

 

الانفتاح والصراحة

 

الأشخاص الذين تربوا في بيئة أسرية صحية يميلون للتعامل الصريح مع الشريك، مصارحته بمخاوفهم والاستماع إلى ما يحتاجه في العلاقة، ويبنون تعاملهم على الصداقة والوضوح، ما يجعل علاقاتهم أكثر نجاحاً.

 

إن الطفولة هي أول عوامل تشكيلنا كناضجين، نختبر فيها الحياة دون تصورات مسبقة عن الخطأ والصواب، والصحي والمسيء، فتبقى أحداثها في نفوسنا إلى الأبد.

 

إذا كنت تعاني من مشكلةٍ مزمنة في علاقاتك العاطفية والجنسية، فربما عليك التوقف لحظة لتتأمل من أين بدأت الأزمة، لتضع يدك على الحل، أو الجأ إلى الطبيب لتنقذ نفسك من علاقاتٍ مشوهة قد يكون السبب فيها تجربة صغيرة مررت بها ولم تنتبه لها أبدًا.

 

اقرأ المزيد: الطفولة والحب: كيف تشكل التجارب المبكرة مستقبلنا؟

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات